يقدم الكاتب الصحفي الصحراوي بابا لعروسي، خلفيات الموقف الذي ذكَرت به مجددا الإدارة الأمريكية حيال القضية الصحراوية بانحيازها للمملكة المغربية، معتبرا إياه حلقة جديدة لابتزاز المغرب الغارق في خدمة دولة الاحتلال.
ويقلل بابا لعروسي في هذا الحوار مع “الشروق” من الأهمية القانونية للموقف الأمريكي ويشدد أنه موقف يحمل تراجعا عن الموقف المعبَر عنه من واشنطن في سنة 2020.
كيف تقرأ الموقف الذي عبرت عنه الإدارة الأمريكية؟
في البداية أود فقط تقديم بعض الملاحظات عن البيان الصادر عن الخارجية الأمريكية في 8 أفريل الجاري، والذي جاء مختلفا في كثير من النقاط عن البيان الصادر عن الخارجية الأمريكية في أفريل 2020، والذي ورد فيه أن قيام دولة صحراوية أمر غير واقعي، أما بيان 8 افريل فلم ترد تلك العبارة.
في بيان 2020، قالت إدارة ترامب إنها ستقدم على فتح قنصلية بالداخلة المحتلة، لكن في البيان الجديد لم يتطرق إلى ذلك، في بيان 2020 وردت عبارة اعتراف الإدارة الأمريكية على كل التراب المغرب، وهذا الأمر لم يتم تضمينه في بيان 8 افريل.
اعتقد أن إدارة ترامب لا تكترث بالقانون الدولي في التعامل مع اقرب حلفائها، والأزمة مع حلف الناتو دليل على ذلك، والمغرب توهم أن ترامب سيمنحه الأفضلية والامتياز -المقايضة بالتطبيع – بمعنى أنه يستحق الدعم، نتيجة لما يقوم به خدمة للكيان الصهيوني من خلال توقف السفن المعبأة بالذخيرة التي ستستخدم في قصف المدنيين في غزة بموانئه.
ماذا يعني تذكير الإدارة الأمريكية بموقفها من ملف الصحراء الغربية وانحيازها للطرح المغربي؟
يذكرنا موقف الإدارة الأمريكية بموقف الخيانة الإسبانية الذي يتجدد من وقت لآخر والطابور الخامس الذي ما زال، منذ الحرب الأهلية سنة 1936، متمركزا في مواقعه بمدريد ينتظر الإشارة، من الرباط، لتحريك الدمى المتساقطة في الرذيلة والنجاسة، وهو نفسه موقف فرنسا الذي يؤيد الطرح الإسباني المغربي.
إن انحياز الإدارة الأمريكية الواضح للأطروحات التوسعية المغربية ضد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية يعتبر تناقضا صارخا مع الشرعية الدولية، المتمثلة في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وكذا الأحكام الصادرة عن محاكم دولية، إفريقية وأوروبية، والتي لا تعترف للمغرب بأي سيادة على الصحراء الغربية.
وتؤكد جميعها على الطبيعة القانونية لقضية الصحراء الغربية بأنها قضية تصفية استعمار لم تكتمل نتيجة لمحاولة المملكة المغربية التملص من التزاماتها بمقتضى خطة التسوية التي وافقت عليها مع جبهة البوليساريو سنة 1991 تحت إشراف منظمتي الوحدة الإفريقية -الاتحاد الافريقي حاليا- والأمم المتحدة، والتي صادق عليها مجلس الأمن بالإجماع وأنشأ بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) لتنفيذها.
وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع أن تفرض الحكم الذاتي على أرض الواقع، فهي تتخذه كأداة لابتزاز المغرب لصالح البنت المدللة إسرائيل، وهو الموقف الذي يقبله المغرب وترفضه جبهة البوليساريو. إن موقف أمريكا يتناقض، من جهة أخرى، مع ما أعلن عنه الرئيس ترامب بأن هدف إدارته هو تحقيق السلام في العالم، كما لا يُشكل هذا الموقف خيبة أمل للطرف الصحراوي فحسب، بل يمثل خسارة للمكانة الأمريكية الدولية، وصورتها كدولة تبني نفوذها وقيادتها على قيم الحرية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، والسلام القائم على العدل.
هل نحن أمام تواصل مسلسل المقايضة، اعتراف أمريكا بما يسمى “مغربية الصحراء” مقابل اعتراف المغرب بدولة الاحتلال؟
أعتقد أن تجديد موقف أمريكا هو استمرار لمسلسل المقايضة، الولايات المتحدة التي سبق وأن حاولت جمع البوليساريو والمغرب للتفاوض حول الحكم الذاتي في سنة 2007، وهددت البوليساريو بعقوبات إن هي رفضت التفاوض حول الحكم الذاتي، لكن البوليساريو رفضت ولم يحدث شيء .
إن الموقف الأمريكي عبارة عن صفقات كان ثمنها بالأمس إبرام اتفاقيات كامب ديفيد وقبل ذلك تسريب المعلومات لوكالة المخابرات الأمريكية واليوم التطبيع مع الكيان الصهيوني وخدمة الأجندة الغربية في المنطقة.
تزداد خيبة الأمل المغربية، ويزداد ابتزاز ترامب للمخزن. فصحافة المخزن التي عودتنا على الكذب وتحريف الحقائق لم تطبل كعادتها للقاء بوريطة وروبيو، ولم تحتف بالبيان وابتلعت لسانها، لأن القنصلية لم تُفتح.
ومن غير المستبعد أن ترامب ربط بين فتح قنصلية في الداخلة المحتلة بفتح المخزن لسفارة في القدس المحتلة وليس في تل أبيب. قبل صفقة القرن الثانية المتعلقة بالقدس كانت هناك صفقة القرن الأولى المتعلقة بالصحراء الغربية صفقة واشنطن مدرید، حيث رسمت مستقبل الصحراء الغربية حينها، وأعطت الضوء الأخضر بإشراف مباشر من وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر لاحتلال الصحراء الغربية، عبر مخطط أقحمت فيه دول وظيفية كالمغرب ونظام المختار ولد داداه، وتجسد أولا بالمسيرة السوداء (31 أكتوبر 1975)، ومن ثم جاءت اتفاقية مدريد الثلاثية غير الشرعية (14 نوفمبر 1975) ليكتمل مشهد الغزو.
إن انخراط المغرب في المقايضة دليل ساطع على الفشل التام وإفلاس مشروع الضم بالقوة للصحراء الغربية، وهذا بعد 50 سنة من العدوان ومحاولات شرعنة الاحتلال بكل الطرق والوسائل.
فالولايات المتحدة تلحق بنفسها أضرارًا جسيمة ستنتشر تبعاتها إلى بقية أنحاء العالم، ولا أحد غيرها يستطيع إيقاف هذه الأزمة قبل أن تتفاقم حقًا. لقد أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى إطلاق أجراس الإنذار، على أمل أن يكون لها بعض التأثير على دونالد ترامب “الظاهرة التاريخية”.
ما هي الآليات المتاحة أمام الجمهورية الصحراوية للدفاع عن عدالة قضيتها كونها ملف تصفية استعمار؟
لقد اتضح خلال خمسة عقود، من عمر النزاع، بسبب العدوان المغربي على الشعب الصحراوي، بأن المحاولات الرامية إلى فرض حلول خارج قرارات الشرعية الدولية وفي تجاهل وتناقض مع مبدأ حق تقرير المصير وإلزامية ممارسته بصفة ديمقراطية وشفافة، باءت كلها بالفشل.
وبالتالي فالشعب الصحراوي يمتلك ما يكفي من الآليات القانونية للدفاع عن حقه المشروع، ولن يقبل بديلا عن الاستقلال الوطني، وأن الجمهورية الصحراوية ستتبوأ مقعدها بين أعضاء الأمم المتحدة، مهما كانت العراقيل، وأن المجتمع الدولي، منظمات ومحاكم لن يعترف للمغرب بالسيادة علي الصحراء الغربية مهما طال الزمن.
من كل ما سبق يجب أن نفهم أن اعتماد منطق اللوبيات وشراء الذمم وقوانين التجارة والمقايضة لا يعتمدون فيما يتعلق بحقوق الشعوب وسيادتها وبحيازة الأراضي كما تجلى في ردة فعل المجتمع الدولي الرافضة والغاضبة وفي الزخم الإعلامي الكبير والمتنوع الذي نتج عن سياسة البيت الأبيض وإفلاس صاحب العرش المهزوز.
زيغ أمريكا عن دعم حقوق الشعب الصحراوي الشرعية، مشابه لموقفها مما يحدث في غزة؟
رغم أن الحالين متشابهتين من حيث حالة الاحتلال وهما ضحيتان لعدم الإنصاف وتطبيق الشرعية الدولية إلا أنهما تختلفان من حيث نظرة الإدارة الأمريكية وموقفها الدائم إزاء إسرائيل ووجود إسرائيل في المنطقة وما يرتبط بها من أهداف واستراتيجيات للولايات المتحدة الأمريكية