في خطوة تعكس إصرار الجزائر على الدفاع عن ذاكرتها الوطنية وكشف الحقيقة التاريخية، أعلن رئيس المجلس الشعبي الوطني، السيد إبراهيم بوغالي، اليوم الأحد 23 مارس 2025، عن تنصيب لجنة خاصة لصياغة مقترح قانون تجريم الاستعمار، تضم ممثلين عن مختلف الكتل البرلمانية، في استجابة واضحة للإجماع الوطني حول هذه القضية المحورية.
علي بومنجل… شهيد الحقيقة المغيّبة
في 2 مارس 2021، اعترفت فرنسا رسميًا بأن الشهيد المحامي علي بومنجل لم ينتحر كما زعمت الرواية الاستعمارية، بل تعرّض للتعذيب والقتل. هذا الاعتراف المتأخر جاء بعد أكثر من ستة عقود من محاولات طمس الحقيقة، وهو ما يعكس حجم الجرائم التي ارتُكبت في حق الجزائريين خلال الحقبة الاستعمارية.
وقال السيد إبراهيم بوغالي في كلمة ألقاها أمام نواب الرئيس ورؤساء المجموعات البرلمانية واللجان الدائمة وعدد من النواب:
“لا يمكن أن نسمح بطمس الحقيقة أو القفز على الذاكرة الوطنية، فتجريم الاستعمار ليس خيارًا، بل هو واجب وطني وأخلاقي تجاه شهدائنا وتاريخنا.”
تاريخ من الجرائم… وواجب التوثيق والتجريم
لم تكن جريمة اغتيال علي بومنجل سوى واحدة من سلسلة طويلة من الجرائم التي اقترفها الاحتلال الفرنسي، والتي تشمل:
• محرقة الظهرة (1845) حيث أُحرق مئات الجزائريين أحياءً داخل المغارات.
• جريمة الأغواط (1852) التي شهدت استخدام أسلحة بيولوجية.
• مجازر 8 ماي 1945 التي راح ضحيتها أكثر من 45 ألف شهيد.
• التجارب النووية في رڨان وإن إكر، التي خلّفت آثارًا بيئية وصحية كارثية.
• زرع ملايين الألغام المضادة للأفراد، واحتجاز جماجم الشهداء في المتاحف الفرنسية.
كل هذه الجرائم وغيرها تجعل من تجريم الاستعمار ضرورة تاريخية وإنسانية، وليس مجرد ملف سياسي أو ورقة للمساومة، كما أكد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الذي شدّد على أن “ملف الذاكرة لا يتآكل بالتقادم أو التناسي، ولا يقبل التنازل أو المساومة، وسيبقى في صميم انشغالاتنا حتى تتحقق معالجته بشكل موضوعي ومنصف للتاريخ.”
دعم برلماني واسع وموقف إفريقي حاسم
يحظى مقترح تجريم الاستعمار بدعم واسع داخل المجلس الشعبي الوطني، حيث ضمّت اللجنة الخاصة بإعداد المشروع ممثلين عن مختلف الكتل البرلمانية، في خطوة تعكس وحدة الصف الوطني تجاه هذا الملف الحساس.
على الصعيد الدولي، اعتمد الاتحاد الإفريقي خلال قمته الأخيرة قرارًا بتصنيف الاستعمار والاسترقاق كجرائم ضد الإنسانية، وهو ما يعزز التحركات الجزائرية في هذا الاتجاه، ويفتح الباب أمام مقاضاة فرنسا عن جرائمها في حق الشعوب الإفريقية.
الجزائر وفلسطين… نضال مشترك ضد الاستعمار
لم يكن الاستعمار الفرنسي في الجزائر سوى وجه آخر لمنظومة استعمارية عالمية، ما زالت بعض الشعوب تعاني من آثارها حتى اليوم، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، الذي يواجه أبشع الجرائم الاستعمارية الحديثة من قِبل الاحتلال الصهيوني.
وفي هذا السياق، أكد إبراهيم بوغالي أن “التحرك نحو تجريم الاستعمار هو مسؤولية جماعية، تهدف إلى حماية حقوق الشعوب، وضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلاً.”
ختامًا… معركة الذاكرة مستمرة
اليوم، تؤكد الجزائر، قيادةً وشعبًا، أنها لن تتخلى عن حقها في كشف الحقيقة، واستعادة ذاكرتها الوطنية، وتجريم الاستعمار بكل أشكاله. وكما خاضت بالأمس معركة التحرير بالسلاح، تخوض اليوم معركة الاعتراف والإنصاف بالقانون والتاريخ، تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، الذي جعل من الدفاع عن الذاكرة الوطنية التزامًا ثابتًا للدولة الجزائرية.
المصدر: موقع المجلس الشعبي الوطني