القائمة الرئيسية

الصفحات

خديجة حمدي، مسيرة امرأة تأبى النسيان


في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي،  و على اديم تراب الساقية الحمراء،  ،ابصرت خديجة النور، في كنف عائلة بسيطة، كان ابوها رجلا ذو حكمة و بعد نظر، روي عنه انه كان يحث الصحراويين من اهل البادية الى إيفاد أبنائهم للتعليم داخل المدن، بدلا من تركهم على حرفة الرعي، مما حفز العديد من العوائل و جعلها تلج المدن المجاورة،  من هنا بدأت مسيرة الأخت خديجة الدراسية  على غرار اخوتها، من مدينة تندوف،تلك المدينة المجاهدة التي اصبحت فيما بعد معقل من معاقل الحركة، و قاعدة من قواعدها الخلفية.
ترعرعت تلك الشخصية و راكمت المعارف، الى ان تحصلت على الاجازة بالادب العربي من جامعة وهران، و في خضم عنفوان الثورة، -و كأن القدر كان يقودها لأجل هذا الشعب كغيرها من النخب المثقفة القليلة حينها- سخرها القدر لخدمة شعبها، و لم تبخل بما مَن الله عليها من علم و معارف، و كانت بحق جسرا عَبر من خلاله شعبها و  تخطى ظلمة الجهل و الامية.
لم تلبث تلك المرأة المتعلمة حتى انخرطت بكل جدية و تفان في خدمة  مجتمعها، لتحقيق حلمه في بناء دولته المستقلة، مكرسة جهدها و وقتها لذلك.
منحها الله موهبة الكتابة، فتميزت باسلوبها الرصين،و تعابيرها المنسابة، لها عدة مؤلفات في الرواية و القصة و نصوص مسرحية اخرى، كلها تحكي تغريبة و مأساة شعبها.
دلفت عالم السياسة ليس حبا في الشهرة و لا بحثا عن نفوذ سلطوي زائل، و لا مزاحمة لاولئك الذين جعلوا من مناصهم وسيلة لتحقيق مصالحهم الضيقة،بل رأته واجبا و التزاما اخلاقيا للمساهمة في الجهد الوطني من اجل الهدف الأسمى و الغاية الكبرى للكثير من  الوطنيين البسطاء، من ابناء شعبها، الذين يؤمنون بتحقيق حلمهم في الحرية والاستقلال.
لقد عَمِلت لسنوات مع الأخت خديجة،فكانت نعم الوزيرة، فهي الام و هي الرفيقة التي آمنت بوحدة الصف قبل الجهد، لم تكن من صنف المسؤولين الذين يدفعهم الغرور حد التعالي على الموظف،بل تميزت بالروح الرفاقية،و العمل الجماعي.
 آمنت بدور الشباب و التواصل بين الاجيال، و دفعت بالكثيرين الى الواجهة حتى تدرجوا في مسؤوليات نضالية مختلفة.
استطاعت خلال عقد من عملها بوزارة الثقافة، ان توظف كل ما من شأنه ان يرفع من أداء هذا القطاع، من تصورات  و ابداعات شملت مختلف المظاهر الثقافية، مما اعطى للفعل الثقافي زخما  و روحا جديدين.
ساهمت بروح خلاقة ،مبدعة مع فريقها الوزاري على ان تكون معركة الهوية الثقافية واجهة من واجهات النضال، ضد كل أشكال الطمس و الاستلاب.،و في الوقت ذاته،كانت  حريصة على ان تكون الاحداث و الفعاليات الثقافية، متقنة الاخراج،  محكمة التنظيم.
جعلت من الهوية الثقافية،رسالة للتحرير و اداة للتميز، كما كانت تكرر دائما بأن الصحراويين ثاروا و كافحوا من اجل،الا يكونوا مغاربة او اسبانا او غير ذلك، بل لكي يبقوا صحراويين فقط.
  و ايمانا منها بضرورة صون التراث و حفظه من الضياع و الاندثار،شجعت على تدوين التراث الشفهي،و كانت سباقة في طباعة دواوين الشعراء الوطنيين، لكي لا يبقى ارثهم الوطني معرضا للنسيان و الإهمال. 
لقد امضت زهرة شبابها بين ظهران شعبها،و لم تبرح مكان إقامتها قط، و لم تستهويها الدور و القصور،بل ظلت صامدة بخيمتها المضيافة المشرعة الأبواب لكل الصحراويين، على اختلاف اطيافهم، و مشاربهم.
كانت تدبج رسائلها بتحية النضال و الاستمرارية،  و هكذا كانت مسيرتها ايضا، مليئة بالعطاءات و الاستمرارية على العهد، لم تستسلم او تستكين تحت اي ظرف، رغم حجم الصعوبات، و لكنها كانت بعد كل كبوة، تزداد اصرارا و تضحية، حتى اقعدها المرض، فتحية المجد لك أيتها الجسورة، و لكل المناضلين المخلصين الذين سخروا أنفسهم لهذا الشعب، و جعلوا اجسادهم جسورا للعبور نحو الحرية و الاستقلال.
اللهم اشفها و عافها، و ردها الى اهلها سالمة غانمة.
الأستاذ خطري الزين

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...