إنّ احترام سيادة الدول ومكانتها أمر غير قابل للتفاوض، وهو جزء أصيل من المبادئ التي تحكم العلاقات الدولية. فالدولة المستقلة ذات السيادة لا يمكن أن تكون ساحة لإملاءات خارجية أو منصة لتمرير أجندات تتعارض مع مبادئها وسياساتها. لكن ما الذي يحدث عندما يتجاوز الضيف حدوده، وينصب نفسه وصيًا على البلد الذي استضافه؟
في الأعراف الدبلوماسية، يُفترض أن يلتزم الضيف، سواء كان مسؤولًا أو أكاديميًا أو محاضرًا، بحدود اللياقة والاحترام، خاصة عندما يتحدث في دولة ليست بلاده. غير أنّنا في موريتانيا، شهدنا سلوكًا مستفزًا من بعض الشخصيات المغربية التي جاءت بصفتها “ضيوفًا”، لكنها تصرفت كأنها أصحاب القرار، متجاوزة حدود الضيافة إلى التدخل السافر في الشؤون الداخلية.
موريتانيا والموقف المتزن
لطالما التزمت موريتانيا موقف الحياد في النزاع المغربي الجزائري حول قضية الصحراء الغربية، إدراكًا منها لحساسية الملف وتعقيداته الإقليمية. لكنها في الوقت ذاته، لا يمكن أن تسمح لأي طرف – سواء كان مغربيًا أو غيره – بفرض موقف معين داخل حدودها، أو الإساءة لشعب آخر تحت مظلة “النقاش الأكاديمي” أو “الندوات الفكرية”.
إهانة الصحراويين على أرض موريتانيا.. تجاوز غير مقبول
الصحراء الغربية ليست قضية مغربية بحتة، بل هي ملف دولي لا يزال مطروحًا على طاولة الأمم المتحدة، وحق تقرير المصير لشعبها جزء من مناقشات لم تُحسم بعد. لذلك، فإن أي محاولة لفرض سردية أحادية في بلد مثل موريتانيا تُعدّ انتهاكًا لسيادتها، وإهانة لمبادئها التي قامت على التوازن واحترام حقوق الشعوب.
لا يمكن أن نقبل أن تتحول نواكشوط إلى منبر لتوجيه الإهانات لشعب شقيق، لمجرد أن بعض الأطراف ترغب في إرضاء جهات معينة على حساب الحقيقة والعدالة. فموريتانيا ليست ساحة لخوض معارك الآخرين، ولن تكون أداة يستخدمها أي طرف في صراعاته السياسية والدبلوماسية.
مطالب مشروعة.. وموقف وطني حازم
بناءً على ما حدث، فإننا نطالب الدولة الموريتانية، وكل الجهات التي ساهمت في استضافة هذا الشخص، بتوضيح موقفها مما جرى. كما ننتظر اعتذارًا رسميًا وصريحًا من الجهات التي نظمت هذا اللقاء، احترامًا لكرامة الصحراويين، وتأكيدًا على أنّ موريتانيا لن تقبل بأي مساس بسيادتها أو محاولة فرض مواقف تتناقض مع سياستها المتوازنة.
إن احترام سيادة موريتانيا هو خط أحمر، ولن نسمح لأي كان – مهما كان منصبه أو صفته – بأن يتجاوزه باسم “النقاش” أو “الرأي الآخر”. فحرية التعبير لا تعني فرض المواقف، والضيافة لا تعني السماح للضيف بالتحكم في مضيفيه!
د.محمدعالي الهاشمي
موقع الحقيقة الموريتاني