منذ انطلاقة فكرة التحرر الوطني، ومرورًا بتجسيدها عبر تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، ثم إعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، كان وليّنا الشهيد الولي مصطفى السيد، رحمه الله، رمزًا وقائدًا استثنائيًا في مسيرة التحرير.
كان في مقدمة الصفوف، يجسد المعنى الحقيقي للقائد المثالي: المعلم، والمربي، والشيخ، والسياسي، والعسكري.
لم تكن أفعاله مجرد شعارات تُلقى على المنابر، بل كانت واقعًا يُترجم في كل خطوة.
منذ اللحظة التي أعلن فيها ثورة الشعب الصحراوي ضد الاحتلال والاستعمار، كان الشهيد الولي مصطفى السيد في طليعة الميدان.
لم يتراجع يومًا ولم يختبئ خلف الصفوف، بل قاد العمليات العسكرية بشجاعة، كان يبث الروح المعنوية في نفوس رفاقه، يوجههم بحكمة ويضع كل فرد في مكانه المناسب وفقًا لقدراته، في مشهد يختزل معنى القيادة الحقيقية.
لم يكن همه سوى تحرير الوطن، ودفع ثمن حريته كاملاً، دون مساومة أو تخاذل.
ولعل أروع ما يُذكر في مسيرته أنه ختم حياته في الميدان شهيدًا، مضحيًا بنفسه في عملية نواكشوط.
هذه العملية لم تكن مجرد حدث عابر، بل كانت رسالة بليغة عن طبيعة القائد الذي لا يطلب من جنوده شيئًا إلا بعد أن يكون أول من يقوم به، وكما فعل، لحق به رفاقه الذين كانوا قادة ميدانيين وشهداء في سبيل الوطن، رافضين أن تكون الثورة مجرد كلمات دون أفعال.
في المقابل، وفي صفحات أخرى من التاريخ الحديث، تبرز رموز مشابهة لقادة استشهدوا في سبيل أوطانهم، مثل الشهيد يحيى السنوار في قطاع غزة. هذا القائد الذي لم يكتفِ بالقيادة من بعيد، بل اختار أن يكون في الصفوف الأمامية مع جنوده، مدافعًا عن وطنه وعرضه، لم يكن السنوار حالة فردية، بل كان جزءًا من سلسلة من قادة وجنود آمنوا بأن الحرية تُنتزع بالتضحية والبذل.
الخلاصة: القيادة بالأفعال لا بالأقوال
إن التاريخ لا يخلد إلا القادة الذين كانت أفعالهم تتحدث قبل أقوالهم، لقد جسد جيش التحرير الشعبي الصحراوي أروع الملاحم البطولية، وانتصر في معارك عدة، ليس فقط بالعتاد أو العدة، بل بالإيمان العميق بالله الواحد الأحد ثم بعدالة قضيته.
لكن المؤسف أن الشعب الصحراوي، مثل كثير من الشعوب، ابتُلي في بعض مراحل مسيرته بقادة جعلوا من النضال شعارًا، واختاروا حياة الرفاهية بعيدًا عن معاناة الشعب.
هؤلاء، مهما علت أصواتهم، لن يجدوا مكانًا في صفحات التاريخ التي يكتبها الرجال الحقيقيون، أولئك الذين تتطابق أفعالهم مع أقوالهم، والذين يسيرون بخطى ثابتة نحو الحرية، دون أن يغريهم طريق الراحة أو يُثنيهم الإغراء عن واجبهم.
في النهاية، يبقى السؤال: هل نحن بحاجة إلى قادة جدد يعيدون إحياء روح الشهيد الولي مصطفى السيد؟
بقلم: محمد لمين حمدي.