القائمة الرئيسية

الصفحات

رحلة في طلب العلم من الصحراء الغربية تعانق المعرفة بزاوية العلامة عبد الرحمن الثعالبي


شهدت السنوات الاخيرة رغبة كبيرة للعائلات الصحراوية في تسجيل ابنائها في المدارس القرآنية بالداخل والخارج، ما يعكس الحرص على غرس بذور الخير في نفوس الابناء وتلقينهم العلوم الشرعية وهم في سن الزهور، وقد عملت الوزارة المنتدبة للشؤون الدينية على تسهيل المهمة من خلال بناء وتأطير عدد كبير من المدارس والاقسام القرآنية بمختلف الولايات، وتوفير الظروف الملائمة لتمدرس ناجح، مع التنسيق المحكم مع الدولة الجزائرية الشقيقة التي فتحت ذراعيها لاحتضان الطلبة الصحراويين في مختلف المدارس القرآنية وفي ربوع جزائر العلم والمعرفة.
وخلال هذه الوقفة نستعرض عينة من هذه التجارب حيث كانت لنا زيارة الى زاوية العلامة عبد الرحمن الثعالبي في مدينة خميس يسر والتي تأسست خلال عام 1990م وتم تدشينها سنة 1994م واختار مؤسسوها أن يكون مقرها داخل الكنيسة الكاثوليكية التي بناها الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1958م للتنصير وضرب الهوية الوطنية الجزائرية آنذاك.
وقد وقفت الزوايا شامخة، في وجه الحرب الثقافية والدينية للاستعمار الفرنسي وسياساته الرامية إلى طمس هوية الشعب الجزائري.

وتلعب الزوايا اليوم دورا محوريا في تحفيظ القرآن الكريم وقد اصبحت زاوية العلامة عبد الرحمن الثعالبي من الزوايا  الرائدة في القطر الجزائري، حيث أصبحت بفضل الله من أكبر المؤسسات الدينية والاجتماعية التي يتهافت على التسجيل فيها طلبة من كل ولايات الجزائر ومن كل الأعمار، حتى اصبح لها، صيت كبير داخل وخارج الجزائر، حيث تحتضن مئات الطلبة من مختلف الجنسيات ومنذ سنوات وهي تستقبل الطلبة الصحراويين في برنامج علمي ومعرفي ثري، يبدأ من صلاة الفجر واستظهار الالواح وينتهي بحلقة دراسية بعد صلاة العشاء.

وانت تدخل الى زاوية العلامة عبد الرحمن الثعالبي، ينتابك شعور بهيبة المكان وانت تنظر الى المعالم الدينية والزخارف التي ترسم لوحة عن هذا الصرح العلمي الذي يسابق الزمن في تلقين الاجيال ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وكأنه ينشد عاليا، قول عبد الحميد بن باديس :
شَـعْـبُ الْجَـزَائِـرِ مُــسْــلِــمٌ ..... وَإِلىَ الْـعُـرُوبَةِ يَـنْتَـسِـبْ
مَنْ قَــالَ حَـادَ عَـنْ أَصْـلِـهِ ..... أَوْ قَــالَ مَـاتَ فَـقَـدْ كَـذَبْ
أَوْ رَامَ إِدْمَــــــاجًـــــا لَــــهُ ..... رَامَ الْـمُحَـالَ مِنَ الطَّـلَـبْ
يَـا نَـشْءُ أَنْــتَ رَجَــاؤُنَـــا..... وَبِـكَ الصَّبَـاحُ قَـدِ اقْـتَرَبْ
خُـــذْ لِلْـحَــيَــاةِ سِــلاَحَــهَـا..... وَخُـضِ الْخُطُوبَ وَلاَ تَهَبْ
وَارْفَــــعْ مَـنَـارَ الْــعَــــدْلِ..... وَالإِحْسَانِ وَاصْدُمْ مَنْ غَصَبْ
وَاقْـلَــعْ جُــذُورَ الْخَائِــنِيـنَ..... فَــمِــنْـهُـــمُ كُـــلُّ الْــعَــطَــبْ
كل شيء مرتب بالزاوية، الادارة التي تضبط معلومات كل المنتسبين للزاوية ونظامها الداخلي وبرنامج التدريس، حجرات الدراسة وقاعة المحاضرات وغرف النوم والمطبخ.
تستقبل الزاوية الطلبة الصحراويين منذ سنوات وهذه السنة يدرس بها اكثر من 20 طالبا، بعضهم حفظ نصف القرآن الكريم فيما يتفاوت حفظ البقية بين الربع والثمن وكلهم امل في ختم كتاب الله عز وجل والتزود بما امكن من علوم الشريعة والفقه والادب.
الشيخ نور الذي لا تفارق الابتسامة محياه، هو القائم على الزاوية، بقلبه الطيب الذي احتضن العدد الكبير من الابناء بالحب والحنان والرعاية والحرص على تربيتهم، حتى اصبحوا جزء من اسرته.
يستيقظ الجميع على صوت المؤذن، "الصلاة خير من النوم" لأداء صلاة الصبح التي تمثل البداية ليوم دراسي شاق ومتعب ولكن ثماره تفوق كنوز الدنيا، حيث يبدأ الطالب يومه باستظهار اللوحة التي كتبها ويرتل الآيات أو يجودها معتمدا على التقنيات والأحكام التي تعلمها على المدرسين والتحلق حول شيخ الزاوية في دروس علمية في الاخلاق والسيرة النبوية بشرح كتاب الرحيق المختوم والاحكام الفقهية وفق الفقه المالكي الميسر والعقيدة الاسلامية وقواعد اللغة العربية وشرح الاجرومية.
ويتم التركيز على حفظ القرآن الكريم و احكام التلاوة بشرح المختصر الجامع في رواية ورش عن نافع بالإضافة الى دروس في المواريث في الشريعة الاسلامية، دون اهمال الدروس في التربية البدنية فالعقل السليم في الجسم السليم، ورحلات للترفيه وتشجيع المتفوقين في الدراسة، في برنامج متكامل يقدم للطالب وفق سنه ومستواه الدراسي، لبناء شخصيته المعرفية وتأهيله تأهيلا كاملا.

تعتمد الزاوية في تحفيظ القرآن الكريم على الألواح، لأنها أسهل طريقة، خاصة وأن المتعلم يعمد إلى كتابة الآيات بنفسه باعتماد الحبر التقليدي، وهو حبر خاص يصنعه المتعلم من صوف النعاج، حيث يذيبه على النار حتى يصبح أسودا، ثم يخلطه بالماء، وخاصية هذا الحبر أنه لا يزول من على اللوح المكتوب إلا بفركه بالصلصال والماء، كما يمكن إعداد هذا الحبر بمواد اخرى مثل مزج مسحوق الفحم والصمغ العربي ولكل بلد طريقته في ذلك وفق ما هو متاح من مواد صالحة لذك.
ويختم الطلبة حفظ القرآن الكريم بالزاوية في العادة في مدة قد تصل إلى سنتين أو أكثر.
ومن اجل تشجيعهم وابراز كفاءاتهم، تساهم الزاوية سنويا خلال شهر رمضان المبارك لمختلف مساجد ولاية بومرداس بحفاظ يؤمون صلاة التراويح، وقد ارتقى طلبة الصحراء الغربية خلال شهر رمضان المبارك بترتيل القرآن الكريم في عدد من المساجد ونالوا التكريم المستحق.
كما تنظم الزاوية خلال كل رمضان برنامجا تضامنيا خاصا للفقراء والمعوزين من المجتمع من أجل تجسيد معاني التكافل والتضامن الاجتماعي.
وانت تخرج من هذا الصرح العلمي العامر بذكر الله، ستودعك الابيات الشعرية المشهورة للعلامة عبد الرحمن الثعالبي والتي يقول فيها :
إن الجزائر في أحوالها عجب... 
ولا يدوم بها للناس مكروه.
ما حلّ عُسر بها أو ضاق مُتسع ... 
إلا ويُسر من الرحمن يتلوه.

حمة المهدي- بومرداس - الجزائر 

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...