القائمة الرئيسية

الصفحات

شهادة لسجين الرأي الصحراوي : " تعرضت للاختطاف والاغتصاب ولكنني مستمر في نضالي من أجل حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير"


شهادة سجين الرأي الصحراوي السابق ونائب رئيس تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان " كوديسا " الديش الداف. 
العنوان:
تعرضت للاختطاف والاغتصاب ولكنني مستمر في نضالي من أجل حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. 
"... في حدود منتصف الليل اقتحمت فرقة "كومندو" تابعة لقوة الاحتلال المغربي منزلي بالعيون المحتلة وقامت بمداهمته واختطافي..."،
 هكذا استهل السجين السياسي السابق " الديش الداف " شهادته عن الفظاعات والمعاملة الوحشية التي ظل يعيشها منذ اختطافه وخلال فترة سجنه ضمن مجموعة " اكديم ازيك ".
تلك التجربة المريرة والمأساوية التي شكلت وصمة عار على الضمير الإنساني.

اسمي: " الديش الداف " نائب رئيس تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الانسان بالصحراء الغربية CODESA واحد مؤسسي مخيم " أكديم إزيك " وعضو لجنة الحوار المنتدبة عنه.
بينما كنت أتأهب للنوم انا وزوجتي ليلة 02 دجنبر من سنة 2010، تعرض منزلنا للمداهمة من طرف قوة تابعة لقوة الاحتلال المغربي مدججة بالأسلحة عناصرها مُقنعة والمعروفة في الوسط الصحراوي منذ زمن الاختطاف القسري بتسمية " فرق الموت زوار الليل ".
أصدقكم القول ان قلت ان الإحساس السائد داخلي كان هو الشعور بالخوف والهلع، مباشرة وبدون مقدمات سأل أحد هؤلاء المقنعين بعد اقتحام المنزل في مشهد مرعب، عن اسمي؟ 
أجبت مسرعا ومحاولا التقاط انفاسي في مناورة أعرف أنها ستبوء لا محالة بالفشل، قلت لهم اسمي" أحمد " نسبة إلى أخي، في محاولة كما قلت للتضليل، لكن وبعد توجيه لكمة لزوجتي من طرف أحد العناصر المقنعة، لم أستطع تحمل المشهد أمامي مما جعلني أصرح بإسمي الحقيقي الديش الداف،
 كأنهم كانوا ينتظرون هذا الاسم بفارغ الصبر، فقاموا جميعا بالصراخ دفعة واحدة: "وجدنا الكلب"، بعدها مباشرة تم نزع بالقوة بيجامة النوم التي كنت ارتدي لأبقى بالملابس الداخلية فقط، بعدها امر قائدهم باقتيادي ورأسي إلى الأسفل...
التفت بسرعة البرق لعلي أستطيع طمأنة زوجتي بكلمات تقلل من روعها، لم أكن أعرف أنها أخر كلماتي التي سأقولها قبل اقتيادي، نظرت اليها بحسرة وهي تذرف الدموع من الرعب وهول المشهد، نظرة لا أستطيع نسيانها ما حييت، قلت لها مسرعا: " لا تخافي سأعود قريبا".
أطلق قائد المجموعة ضحكة ساخرة وسادية وهو يقول: " لا تقلق سنترك عناصرنا لإكمال السهرة مع زوجتك... " ويعني بذلك أن فرقة المقنعين التي اقتحمت المنزل ستقوم بالاعتداء على زوجتي، لم اتمالك بعدها نفسي من خوفي على زوجتي من جراء ما سيقع لها من طرف هؤلاء الجلادين.
تم تقيدي بأصفاد بلاستكية وتعصيب عيني بقطعة قماش ووضعي في سيارتهم، كان بجانبي جلادان تعرفت على عددهم من خلال الاصوات الصادرة، تحركت السيارة بسرعة كبيرة لتجوب احياء المدينة للتمويه والتضليل، لتصل الى وجهتها والتي اعتقد أنها ليست بالبعيدة.
وتحت وابل من السب والشتم والضرب والتهديد تم انزالي بعنف من السيارة ليتم خلع ملابسي الداخلية لأبقى عاريا، قاموا بوضعي فوق كرسي، وغيروا الأصفاد التي كانت تكبلني بأخرى ثم قاموا بتصفيد رجلاي كذلك، سمعت صوتا قادما من خلال خطواته لتبدأ رحلة العذاب تحت كم من الاسئلة المتوالية عن علاقتي ب " مخيم اكديم ازيك " وعن سبب عدم رفع الاعلام المغربية وعلاقتي بوزارة الأرض المحتلة للدولة الصحراوية.....
استنطاق تعرضت خلاله للتعذيب الجسدي والنفسي بطرق مختلفة وبشعة وباستعمال آلة تعمل على شد شعر صدري ورجلي ثم اجلسوني على ركبتي ويدي ليتم اغتصابي بأداة حادة (لم أتعرف عليها) عبر ادخالها في فتحة الشرج، 
"سكت للحظة تم ذرف دموعا هزت كل الحاضرين، بعدها أصر على اكمال شهادته بألم بالغ":
في تلك اللحظة شعرت بالإذلال والانكسار وفقدان الكرامة مختلطا بصراخ يهز الجبل جراء الألم، لم يكتف جلادي بهذا الكم من السادية المقيتة، سمعت أحدهم يأمر بتشغيل محركات السيارات بالمرآب وهو يقول لي:
" ان صراخك لن يسمعه أحد بعد الآن فلتستمر في الصراخ ".
لا يمكن أبدا تخيل تلك المشاهد الفظيعة، لا أخفيكم سرا أنني تمنيت الموت لإنقاذي من هؤلاء الوحوش الادمية.
لم يسعفني جلادي حتى التقاط انفاسي، فأخذني إلى كرسي قريب من مكان جلوسي السابق تعرضت فيه للضرب مرة اخرى وانا مغشي في دمائي، حتى أن أحد أذناي فقدت حاسة السمع منها، عندما أحسست بمادة تنزل منها بعد ان وجهت لي ضربة بعصى حديدية مما نتج عنه بعد ذلك عاهة مستديمة لحاسة السمع.
بعد مرور ساعات من التعذيب المستمر، تقدم الي أحدهم موجها لي بعض الأسئلة من قبيل:
من كان يقوم بتمويل مخيم اكديم إزيك؟،
علاقتكم بالانفصاليين –حسب زعمهم-،
لماذا لم ترفعوا الاعلام المغربية بالمخيم؟
بعد انهاء اسئلتهم الجاهزة التي ستشكل أساس محاضر متابعتنا بعد ذلك ومغادرتهم لمكان التعذيب، سمعت صوت القرآن في هاتف أحد حراسي، لوهلة ظننته معجزة وسط هذا الظلام الدامس ستكون مخرج من النفق الذي أدخلوني إياه. تذكرت والدي الذي كان يرابط صباح كل يوم جمعة لسماع صوت القران في المذياع، استحضرت صورته أمامي ماثلة، وهو الشيخ الورع الذي كان عنوانا للتقوى، تذكرت ملامحه، جلوسه امام بيت المنزل على كرسي بلاستيكي بسبحته التي لا تفارقه ينتظر سماع صوت صومعة المسجد القريب من منزل عائلتي.
لم يترك لي الألم مزيدا من الصبر، ناديت الحراس بكل سذاجة مستنجدا:" اين يمكنني قضاء حاجتي -اي التبول والتغوط-؟"
لم يتردد فأجاب على الفور باستهزاء وتهكم: «في مكانك، هل لأمثالك الحق في قضاء حاجته والذهاب إلى المرحاض؟".
لقد اضطرني الالم لفعل ذلك حقا، امضيت الليلة كاملة على تلك الحال وانا جالس والبول يبلل جسدي ورائحته النتنة تجعلني أحس بالدوار.
لم أستطع من شدة الألم الذي لحق بأذني أن انام، مما جعلني اصرخ طوال الوقت الى أن جاء أحدهم سمعته يقول للحارس: " إن التعليمات التي جاءتنا تفيد أنهم يريدونه حيا".
تقدم نحوي ليهدئ من روعي، وعدني بأنه سينقلني للطبيب، أحسست بأمل العلاج، في تلك اللحظة من الضعف كنت مستعدا لأصدق أي وعد منهم رغم يقيني أن " ما في القنافذ أملس".
هذا ما وقع فعلا فقد تم اقتيادي الى مكان اخر بعد وضعي في سيارة، وضعوني بينهم مستلقي وهم يضعون ارجلهم على ظهري، لم أكن اعرف الوجهة، لكن كانت قريبة من مكان انطلاقتنا وبعد وصولنا تم انزالي من السيارة وامروني بالوقوف، سألني أحدهم:" من فعل بك هذا؟".
قلت له: "أنتم".
قال: " نحن لم نلمسك..."
بعد سماعي له يأمر أحد عناصر الدرك للاحتلال المغربي ان يأخذني للحمام لتنظيف اثار الدم بجسمي، أدركت مجددا أن المكان ليس بمستشفى بحضرة طبيب او ما شابه، بل ما زلت في أحد أماكن الاختطاف والاعتقال، إنهم فقط يتقنون لعبة توزيع وتبادل الأدوار.
أخذني أحد الحراس ليسكب الماء البارد على جسدي، اكتشفت أن إناء الماء متسخ، وان الماء غير صالح للاستعمال وتنبعث منه رائحة كريهة كرائحة الصرف الصحي.
تقدم الي ذلك الشخص الذي قدم لي نفسه بصفته طبيبا وقام بسكب كمية من سائل الكحول " la lacol " على أذني، حيث شعرت بالتهاب حاد أصبت بعدها بالإغماء جراء الألم.
افقت على صفعاته بقوة وهو يقول: " قم، قم، سأخسر مهنتي بسببك يا أبن العاهرة «، أمر الحراس بأخذي إلى الغرفة
وهو يقول " خذوه وضعوه مع الكلاب الأخرين " 
صعدوا بي درجا كبيرا، انتهى بوضعي في زنزانة صغيرة مساحتها لا تتعدى 3 أمتار × 3 أمتار وجدت داخلها رفاقي، بالكاد تعرفت عليهم، لم تكن حالتي أسوء من حالتهم فالجميع تعرضوا للتعذيب.
استلقينا وبجانبنا قوارير بلاستيكية ممتلئة بالبول بسبب اجبار رفاقي الذين سبقوني للمكان على قضاء حاجتهم بها وامرهم بشرب البول كلما طلبوا ماءا لسد رمقهم من العطش.
 بعد مرور الوقت، دخل علينا أحد الجلادين وهو يحمل محاضر معدة مسبقا، أرغمنا جميعا على توقيعها ونحن مكبلون لا نعرف ما كتب فيها، في اليوم الموالي تم أمرنا بالاستعداد للانتقال الى مكان اخر -سنعرف لاحقا أنها مدينة الرباط/ المغرب، تم ترحيلنا بواسطة طائرة عسكرية إلى المطار العسكري بالقنيطرة المغربية، وجدنا سيارات سوداء تنتظرنا، وضع كل معتقل بسيارة لوحده، كانت الوجهة هي المحكمة العسكرية بالرباط/ المغرب كما سأكتشف بعد ذلك.
بعد دخولنا لبهو المحكمة تم مرافقتنا الى مكتب داخل هذه الأخيرة، لأرفع رأسي محاولا استيعاب ما يحصل، كانت اليافطة الموضوعة على المكتب تشير الى أننا امام" قاضي التحقيق ".
 كان رجلا متقدما في العمر يضع بصارات طبية، وجهه عابس لا يبشر بالخير، استقبلني بدون تمهيد موجها إلى وعيده: " سأكمل حصص التعذيب لك وسترى ما ينتظرك " بعد أن اخبرته أنني تعرضت للاختطاف والتعذيب.
 بعدها مباشرة تم نقلي إلى السجن المركزي بسلا رقم 2/المغرب، تم ادخالي ورفاقي في زنازين انفرادية، قضينا داخلها مدة أربعة أشهر، لم أستطع ابدا الصمود داخلها نظرا لوضعي الصحي الذي ازداد تدهورا. خارت قواي كاملة، ونظرا للتدهور الحاد لحالتي الصحية، تم وضعي مع معتقلين سياسيين صحراويين اخرين من بينهم شهيد مجموعة " أكديم إزيك " محمد الأيوبي الذي كان يعاني من كسر على مستوى الكتف. بالكاد استطعنا لملمة جراحنا بإمكانات منعدمة فلم يكن اماننا إلا الايمان المطلق بعدالة الأفكار والمبادئ التي ندافع عنها والمتمثلة في الدفاع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والسيادة على ثرواتنا، وهي فقط من كانت الدواء والبلسم الذي جعلنا نقاوم ونرسم الأمل لغد ينتهي فيه هذا الكابوس...
في الختام أناشد كل الضمائر الحية والمنظمات الحقوقية والإنسانية في العالم من أجل:
كشف الحقيقة كاملة فيما تعرضت له أنا ورفاقي من مجموعة "أكديم ازيك" خلال الاختطاف والسجن والمحاكمة من جرائم فظيعة ومحاسبة المسؤولين عنها ومعاقبتهم.
تحرير كافة السجناء السياسيين الصحراويين بالسجون المغربية وفي مقدمتهم مجموعة " اكديم إزيك ".
انشاء آلية دولية لحقوق الإنسان لحماية المدنيين الصحراويين بالصحراء الغربية.
تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير والسيادة على ثرواته.  
المكتب التنفيذي لتجمع المدافعين الصحراويين
عن حقوق الإنسان بالصحراء الغربية
 CODESA.
10 كانون الأول/ دجنبر 2024

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...