القى رئيس الجمهورية ، الأمين العام للجبهة السيد إبراهيم غالي كلمة ، بمناسبة الاحتفالات المخلدة للذكرى 49 للوحدة الوطنية ، واليوم الوطني للمجلس الإستشاري التي جرت اليوم بولاية العيون ، تطرق فيها مغازي ودلالات الوحدة الوطنية ، متطرقا إلى أوجه الكفاح الوطني .
نص الكلمة :
كلمة الأخ إبراهيم غالي، رئيس الجمهورية، الأمين العام للجبهة، بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين لقيام الوحدة الوطنية
ولاية العيون، 12 أكتوبر 2024
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوات الإخوة أعضاء المجلس الاستشاري،
الحضور الكريم،
تحل اليوم الذكرى التاسعة والأربعون لقيام الوحدة الوطنية، أم المكاسب، الجامعة الشاملة لكل الصحراويات وكل الصحراويين، أينما تواجدوا، تحت لواء الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ومبادئها وأهدافها في العيش الحر الكريم فوق ربوع الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، المستقلة السيدة على كامل ترابها الوطني.
وشكل ملتقى عين بنتيلي التاريخي نقطة تحول مفصلية في تاريخ الشعب الصحراوي المعاصر، وقد التأم فيه جمع الصحراويين، في تحرك واعي، مسؤول وحاسم، نظمته وخططت له الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، بقيادة مفجر ثورة العشرين ماي الخالدة، شهيد الحرية والكرامة، الولي مصطفى السيد.
لقد اجتمعت كلمة الشعب الصحراوي خلف طليعته وممثله الشرعي والوحيد، وسارعت جماهير شعبنا، من كل حدب وصوب، للانضمام إلى خيمة الوحدة الوطنية، والانخراط في صفوف الثورة ومعاقل الكفاح، في الداخل كما في الخارج، وفي المقدمة جيش التحرير الشعبي الصحراوي.
ونحن إذ نخلد هذه الذكرى الخالدة، ونترحم على أرواح كل شهداء شعبنا الذين ضحوا من أجل عزة وكرامة وحرية هذا الشعب، من أمثال الفقيد محمد سيد إبراهيم بصيري والرئيس الشهيد محمد عبد العزيز، فإننا نقف وقفة تقدير وإجلال لكل أولئك الذين ساهموا في هذا الإعلان التاريخي، خاصين بالذكر هنا الآباء والأعيان الموقرين، من رحل ومن لا يزالون يواصلون معنا مسيرة الكفاح، وهم الذين سارعوا إلى الانخراط، بلا تردد، في مهمة وطنية سامية، وانضموا إلى كل مواقع الفعل والنضال، وسخروا جهدهم وحكمتهم ومكانتهم، بكل تفانٍ وإخلاص، لتجذير عرى التلاحم والتماسك والوحدة الوطنية.
لقد كانوا كذلك أعضاء مؤسسين وفاعلين في المجلس الاستشاري الصحراوي، وساهموا في تطوير عمله ودوره داخل الجسم الوطني، وها هو اليوم، وقد جدد وطور تشكيلته، ودعمها بالخبرات والكفاءات، من مختلف الأعمار والمستويات، يقوم بمهامه كمؤسسة دستورية إلى جانب بقية الهيئات والمؤسسات، بمساهماته المحمودة في المجهود الوطني، في شتى الساحات والمجالات.
وفي أفق حلول الذكرى الرابعة لاستئناف الكفاح المسلح، وفي هذه المناسبة الخالدة، نوجه باسمكم جميعاً تحية حارة وخاصة إلى مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي، إلى الأبطال الأشاوس المغاوير الذين يدكون معاقل العدو، ويكبدونه الخسائر، معنوياً ومادياً وبشرياً، ويقودون باقتدار معركة شعبنا المقدسة، ويجسدون خير تجسيد إرادته وإصراره على المضي بها حتى استكمال مسيرة التحرير الوطني.
الأخوات الإخوة،
لقد شهد شهر أكتوبر عديد المحطات البارزة في تاريخ الشعب الصحراوي. فيوم 20 أكتوبر 1974، اليوم الوطني للعمال، والذي تحل هذه السنة ذكراه الخمسون، يحيلنا إلى العملية البطولية التي نفذها مناضلو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ضد آلة النهب في الحزام الناقل للفوسفاط في بوكراع، والتي شكلت تحولاً نوعياً في المقاومة والكفاح ضد الوجود الاستعماري الإسباني في بلادنا.
ولا يمكن إلا أن نعرج على تلك الملاحم البطولية التي سطرها جيش التحرير الشعبي الصحراوي في شهر أكتوبر في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وإضافة إلى التصدي لجحافل الغزو في 31 أكتوبر، أين قبض على أول أسير مغربي نذكر، على سبيل المثال لا الحصر، معارك السمارة والمحبس والكلتة وازمول النيران وغيرها.
وكان يوم 10 أكتوبر 2010، اليوم الوطني للخيمة، حدثاً مميزاً أيضاً، باعتباره الشرارة الأولى في ملحمة اقديم إيزيك التي جسدت بالملموس الرفض الصحراوي الأبدي لواقع الاحتلال المغربي الغاشم.
هذه المحطات وغيرها يجب أن تكون حاضرة اليوم بقوة لدينا جميعاً في كفاحنا الوطني، وعلى كل الجبهات، نستلهم منها روح التحدي وقوة التصدي للمستعمرين الغزاة، وبشكل خاص على صعيد المقاومة في الأرض المحتلة وجنوب المغرب، أين تشن دولة الاحتلال المغربي حملة شعواء، غير مسبوقة، تستهدف اجتثاث الوجود الصحراوي من جذوره، بعمليات إجرامية، لا تتوانى عن الهدم والتدمير والاستيلاء على أراضي وممتلكات المواطنين الصحراويين العزل.
وفي الوقت الذي نتوجه فيه بالتحية إلى بطلات وأبطال انتفاضة الاستقلال، وفي مقدمتهم معتقلو اقديم إيزيك ورفاقهم الأسرى المدنيون في السجون المغربية وعائلاتهم، فإننا نطالب الأمم المتحدة ومجلس الأمن بتحمل المسؤولية والتحرك العاجل لوضع حد لهذه الوحشية الاستعمارية التي تتم على مرأى ومسمع من بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، وتمكين البعثة من آلية لحماية حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة ومن تأدية مأموريتها، وفق خطة التسوية الأممية الإفريقية لسنة 1991، الاتفاق الوحيد الذي حظي بموافقة وتوقيع الطرفين ومصادقة مجلس الأمن بالإجماع.
الأخوات الإخوة،
وشهد شهر أكتوبر كذلك محطات قانونية، تصب في صالح الحقوق المشروعة للشعب الصحراوي وقضيته العادلة. ففي 16 أكتوبر 1975، أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي قرارها التاريخي الذي ينفي، وبشكل قاطع، أية سيادة للمملكة المغربية على الصحراء الغربية، ويؤكد على وجوب تمكين الشعب الصحراوي من الممارسة الفعلية والأصيلة لحقه في تقرير المصير.
بعد هذا القرار بتسع وأربعين سنة، في 04 أكتوبر 2024، أعادت محكمة العدل الأوروبية، في حكمها النهائي، التأكيد على الحقائق الراسخة في قضية الصحراء، لتؤكد من جديد بأنه لا سيادة للمغرب على الصحراء الغربية، وأنها والمملكة المغربية بلدان منفصلان ومتمايزان.
لا نحتاج إلى كبير عناء للتوصل إلى نتيجة واضحة وجلية من قرار محكمة العدل الدولية وحكم محكمة العدل الأوروبية والمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ومن الاستشارة القانونية للأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومن ميثاق وقرارات الأمم المتحدة ومن القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي وغيرها من النصوص القانونية الدامغة.
فالنتيجة المنطقية هي أن نظام المخزن المغربي يمارس، منذ 31 أكتوبر 1975، عملية غزو توسعي واحتلال عسكري لا شرعي وهمجي في تراب الجمهورية الصحراوية، وأن كل ما قام ويقوم به هناك هو محض ممارسات استعمارية. وكما أن الاستعمار والاحتلال يشكل، وفق الأمم المتحدة، جريمة ضد الإنسانية، فإن كل الاتفاقيات والتعاملات لشركاء أجانب مع المحتل المغربي، تمس أراضي الصحراء الغربية أو أجواءها أو مياهها الإقليمية، إنما هي عملية لصوصية بامتياز، تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وتتنافى مع القيم والأخلاق والأعراف.
وقد شكل حكم محكمة العدل الأوروبية انتصاراً كبيراً للشعب الصحراوي، من حيث هو انتصار للحق والقانون والعدالة والشرعية. ويبدو أن وقع الصدمة كان كبيراً على نظام المخزن المغربي، ما خلق لديه ارتباكاً واضحاً، حتى وصل به الأمر إلى نفي أية صلة له بالموضوع، مع أنه الطرف الثاني في الاتفاقيات الباطلة بحكم القانون، والطرف الرئيسي في عملية سطو واعتداء ونهب وسرقة وانتهاك للقانون.
بل تجاوز الأمر حدود الأدب والأخلاق واللياقة، حيث تهجم المخزن علناً على أعلى مؤسسة قضائية أوروبية، ليس فقط بالرفض المتوقع للحكم، ولكن بالتشكيك في نزاهة القضاة واحتقار كفاءتهم ونعتهم بالسطحيين. ربما لم يستوعب وزير الخارجية المغربي ونظام المخزن عموماً أن يكون هناك قضاء نزيه، لا تتحكم فيه أساليب الرشوة المغربية الممنهجة ولا يخضع للابتزاز، بالتجسس عبر برنامج بيغاسوس وغيره من الأساليب.
لكن الأغرب والأدعى إلى الاستهجان بل والسخرية أنه بعد أيام قليلة من إعلان أعلى هيئة قضائية في أوروبا النفي الكامل والمطلق لأي سيادة مغربية على الصحراء الغربية، وأنها والمغرب بلدان منفصلان ومتمايزان وأن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير يُعلى ولا يُعلى عليه، يطلع علينا ملك المغرب في خطابه أمام برلمانه يوم أمس الجمعة ليزعم أن إعلان ماكرون التخلي عن مقتضيات الشرعية الدولية ودعمه للاحتلال المغربي اللاشرعي للصحراء الغربية هو انتصار "للحق والشرعية". الأوروبية. هل نسى ملك المغرب أن فرنسا بلد أوروبي وهو ملزم باحترام قرارات العدالة الأوروبية؟. لكن يبدو أن محمد السادس قد ورث من الحسن الثاني القدرة على التحريف والتلفيق والمغالطة، وهو الذي اعتبر أن قرار محكمة العدل الدولية سنة 1975 كان لصالح أطروحته التوسعية، رغم وضوحه الكامل في نفيه القاطع لأي سيادة مغربية على الصحراء الغربية، ونصه الصريح على تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير.
في كل الأحوال، نحن نتوقع من الاتحاد الأوروبي الامتثال الكامل والصارم لحكم مؤسسته القضائية الأسمى، وأن تصحح المفوضية والمجلس الأوروبي الخطأ الجسيم المتمثل في توقيع اتفاقيات لا شرعية مع دولة الاحتلال والتوسع المغربية، لنهب ثروات شعب أعزل ومظلوم في إقليم ينتظر تصفية الاستعمار، ومسجل لدى الأمم المتحدة على هذا الأساس.
إن احترام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الأوروبي، وبالتالي احترام حق الشعب الصحراوي، غير القابل للتقادم أو المساومة أو التنازل في تقرير المصير والاستقلال، باعتباره صاحب السيادة الوحيد على الأرض وثرواتها، والحصول على موافقته في كل ما يتعلق بها، من خلال ممثله الشرعي والوحيد، جبهة البوليساريو، هو السبيل الشرعي، العملي والواقعي لحل نزاع الصحراء الغربية، وضمان السلم والاستقرار والتعاون السليم بين أوروبا وجيرانها في كامل المنطقة.
الأخوات الإخوة،
في مناسبة كهذه، لا يفوتنا أبداً أن نتوجه بتحية التقدير والعرفان إلى كل أشقاء وأصدقاء وحلفاء الشعب الصحراوي في كل أنحاء المعمورة. وخير من يجسد مواقف الدعم والتضامن والمساندة مع قضية شعبنا العادلة هي الجزائر الشقيقة، بقيادة أخينا السيد الرئيس عبد المجيد تبون. إنها جزائر المواقف المبدئية المنسجمة مع الشرعية الدولية ومبادئ ثورة الأول من نوفمبر المجيد. الجزائر التي لا تدخر جهداً لدعم القضايا العادلة في العالم، وفي مقدمتها القضيتان الفلسطينية والصحراوية. وإننا بالمناسبة نجدد تضامننا مع الشعب الفلسطيني الشقيق وحقه الأبدي في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، وندين بأشد العبارات الأعمال الإجرامية الوحشية التي ترتكبها القوات الصهيونية في حق المدنيين العزل في فلسطين ولبنان.
الأخوات الإخوة،
إن التطورات الحالية، فيما يتعلق بالقضية الوطنية، تذكرنا بتلك الظروف العصيبة التي كانت قائمة إبان إعلان قيام الوحدة الوطنية الصحراوية. هناك تعنت وهروب إلى الأمام من لدن نظام المخزن المغربي، يذكر بالشعور الزائف بالتفوق والغطرسة الذي ميز خطاب المخزن سنة 1975. هناك إذن تهديد صريح ناجم، ليس فقط عن تبعات هذا الهروب إلى الأمام، ولكن أيضاً عن مستوى التكالب الاستعماري والتآمري، مثل ما حدث سنة 1975، لقوى الظلم والطغيان والاستعمار والصهيونية.
وقد انخرط نظام المخزن، بلا حدود ولا قيود، في لعبة التحالفات المريبة والمفتوحة مع هذه القوى، وأظهر مطلق الاستعداد للقيام بكل الأدوار القذرة في المنطقة، بما في ذلك الضخ الممنهج لمخدرات المملكة ودعم وتشجيع عصابات الجريمة المنظمة، بكل أشكالها، والجماعات الإرهابية وتمرير الأجندات الخبيثة، لتعيث فساداً وتخريباً ودماراً في المنطقة. وفي الوقت نفسه، تعمل دولة الاحتلال المغربي، بكل السبل، مهما كانت خستها ودناءتها، لاستهداف جبهتنا الداخلية وإضعاف وكسر شوكة المقاومة والصمود، وخاصة من خلال ضرب عمودها الفقري، أي الوحدة الوطنية الصحراوية.
لكن هيهات. فالشعب الصحراوي سيكون بالمرصاد للمحتل المغربي والمتكالبين معه، تماماً كما حصل لهم سنة 1975، حين أرادوا القضاء المبرم عليه وحكموا عليه بالزوال. وهكذا، فحين زحفت قوات الاحتلال المغربي لاجتياح بلادنا في 31 أكتوبر لتجد الصحراويين، رغم قلة الإمكانيات وصعوبة الظروف، قد أعدوا العدة لمواجهة الغزو، فوحدوا جهودهم ونظموا صفوفهم وجعلوا من الوحدة الوطنية عهداً مقدساً لا يحتمل التردد أو التراجع، وخياراً أبدياً لا بديل عنه، وصمام أمان وضماناً للنصر المنشود، وصخرة من الصمود والبطولة والإقدام، تتحطم عليها كل مخططات الاستعماريين وأعوانهم.
هذه رسالة الذكرى التاسعة والأربعين لإعلان الوحدة الوطنية؛ تصعيد الكفاح على جميع الجبهات، وفي المقدمة جيش التحرير الشعبي الصحراوي وانتفاضة الاستقلال في الأرض المحتلة وجنوب المغرب، برص الصفوف وتكريس التلاحم والوحدة، والتحلي بمزيد من اليقظة والحذر والاستنفار لإفشال مؤامرات ودسائس العدو المتزايدة، والمضي على درب الوفاء لعهد الشهداء، درب الكفاح والنضال والتضحية والعطاء، والالتفاف حول مبادئ وأهداف رائدة الكفاح، الطليعة الصدامية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، حتى النصر والتحرير.
وحدتنا وحدة من حديد وستظل سائرة
نموت موحدين ولن نعيش مقسمين
تصعيد القتال لطرد الاحتلال واستكمال السيادة.