(كاتب وإعلامي- الصحراء الغربية)
إن قرار محكمة العدل الأوروبية يُعتبر منعطفًا حاسمًا في المعركة القضائية بين جبهة البوليساريو والمغرب، حيث يمثل انتصارًا للشرعية الدولية ووقوفها إلى جانب الشعب الصحراوي في كفاحه الطويل ضد الاستعمار، والنضال من أجل الحرية والاستقلال.
المغرب، الذي راهن لعقود على الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، يجد نفسه اليوم محاصرًا بعد الإقرار بأحكام نهائية صادرة عن الغرفة العليا لمحكمة العدل الأوروبية. هذه الأحكام تؤكد بشكل لا لبس فيه أن الصحراء الغربية هي “إقليم منفصل ومتميز” ولا يتمتع المغرب بأي سيادة أو تفويض لإدارته، ولا يمكن إدراج الإقليم المحتل في أي اتفاقيات للتجارة أو الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب.
وقد تم إيقاف جميع هذه الاتفاقيات القائمة، وتحميل المفوضية الأوروبية جزءًا من المسؤولية، كونها انتهكت حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير من خلال إبرام صفقات تجارية مع الاحتلال المغربي.
هذه الهزيمة المدوية التي مني بها النظام المغربي، بعد رفض المحكمة الأوروبية لجميع الطعون المقدمة من طرف الاتحاد الأوروبي وتبني أحكام الغرفة الأولى للمحكمة، تشكل أرضية جديدة لجبهة البوليساريو للمطالبة بجبر الأضرار التي لحقت بالشعب الصحراوي وتعويضه عن ثرواته المنهوبة، بالإضافة إلى ملاحقة كل المتورطين مع الاحتلال المغربي في النهب الممنهج لثروات الصحراء الغربية.
بدون شك، سيشكل القرار ضربة موجعة للاقتصاد المغربي بعد فسخ العقود والاتفاقيات المتعلقة بالأنشطة التجارية التي تشمل أراضي ومياه الصحراء الغربية، خاصة العائدات الكبيرة من نهب الثروات الصحراوية. سيخسر المغرب مئات التراخيص التي كان يمنحها في مجال الصيد البحري داخل المياه الصحراوية، دون استشارة الشعب الصحراوي، الذي يُعتبر المالك الحصري لثرواته الطبيعية.
ويؤكد قرار محكمة العدل الأوروبية مجددًا أن الشعب الصحراوي لا يمكن إخضاعه لاتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي دون موافقته. هذه الموافقة يجب أن تُمنح من خلال الممثل المعترف به دوليًا للشعب الصحراوي، وهي جبهة البوليساريو، وهو ما أكدته المحكمة في قرارها النهائي.
وبالعودة إلى أطوار المعركة القضائية بين جبهة البوليساريو والمغرب، نجد سبعة أحكام رئيسية صدرت من محاكم الاتحاد الأوروبي على مدار فصول المعركة القضائية. بدأت أول نتائجها في 2015 حين ألغت المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي تطبيق اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب على الصحراء الغربية.
وفي 2016 أكدت محكمة العدل الأوروبية هذا القرار، وحكمت بعدم انطباق الاتفاقية على الصحراء الغربية. وفي 2018، أعلنت محكمة العدل الأوروبية أن اتفاقية الصيد بين الاتحاد الأوروبي والمغرب غير قابلة للتطبيق على الصحراء الغربية. وفي نفس العام، حكمت المحكمة العامة بعدم صحة اتفاقية الطيران بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لنفس الأسباب.
وفي 2021 أكدت المحكمة العامة مرة أخرى أن الاتفاقيات المعدلة للتجارة والصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي لا يمكن تطبيقها قانونيًا على الصحراء الغربية دون موافقة شعبها، وهو ما أكده الحكم النهائي الصادر عن الغرفة العليا لمحكمة العدل الأوروبية، والذي لا يقبل الطعن.
هذا الحكم يفرض على الاتحاد الأوروبي احترام قرارات محكمته والتفاوض مع جبهة البوليساريو بدلًا من المغرب في ما يتعلق بثروات الصحراء الغربية.
في النهاية، جاء قرار المحكمة الأوروبية كرد صريح على المواقف الأحادية لبعض الدول الأوروبية المنحازة للاحتلال المغربي في قضية الصحراء الغربية، وعلى رأسها فرنسا والحكومة الإسبانية. يمثل القرار إحراجًا لهذه الدول داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه.
كما يُعتبر القرار انتصارًا للشعب الصحراوي والقانون الدولي، ويُضاف إلى ترسانة القرارات واللوائح الأممية والوثائق التاريخية التي تدعم شرعية كفاح الشعب الصحراوي وحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال.
ولا شك أن الدول الأوروبية ستحترم قرارات محاكمها، التي وُضعت من أجل الاحتكام إليها، خاصة في حالات النزاع، وهو ما عبرت عنه الخارجية الألمانية بقبول حكم محكمة العدل الأوروبية الذي يبطل اتفاقيات التجارة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب المتعلقة بالثروات المستغلة في الأراضي الصحراوية المحتلة.
قالت المتحدثة باسم الخارجية الألمانية إن “محكمة العدل الأوروبية حكمت مؤخرًا لصالح شعب الصحراء الغربية، مؤكدة أن الاتفاقات الموقعة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب عام 2019 كان ينبغي أن تحظى بموافقة شعب الصحراء الغربية، وبالتالي فإن الاتفاقات باطلة”. وأضافت المتحدثة: “نحن نقبل حكم محكمة العدل الأوروبية الصادر في 4 أكتوبر بشأن الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في مجال الصيد البحري والزراعة”.
هذه التصريحات تعكس مدى التأثير الكبير لقرارات محكمة العدل الأوروبية داخل دول الاتحاد الأوروبي، والقيمة القانونية التي يكتسبها الحكم النهائي بعد رفض الطعون التي تقدم بها مجلس ومفوضية الاتحاد الأوروبي ضد قرار المحكمة العامة الأوروبية، الذي يقضي بإلغاء اتفاقيتين بين المغرب والاتحاد الأوروبي لأنهما تشملان الصحراء الغربية المحتلة بطريقة غير قانونية.