كثر الحديث في الفترة الاخيرة عن جدوائية الحركيات في ظل استمرار المضي في تكريس الرداءة واستنساخ التجارب الفاشلة في تضخيم المناصب وتجاوز القوانين واعتماد معايير القبلية والولاءات بدلا من الكفاءة والتقييم الموضوعي للاشخاص، في مؤشر على بداية انتكاسة في معالجة تداعيات المشهد الداخلي بعد المؤتمر السادس عشر للجبهة في ممارسة فجة لمرحلة الصرامة التي بدأت تفضحها الاخطاء الجسيمة في التسيير والتعيينات على أساس الولاءات والانتقام من المعارضين لسياسة الفشل وهذا ما تجسد في مختلف التعيينات التي اجراها رجل الصرامة الخارح من المؤتمر السادس عشر للجبهة بدون اجماع وطني.
ومع المسؤولية المناطة بالقيادة السياسية في تنفيذ مخرجات المؤتمر السادس عشر من برنامج عمل وطني وقانون أساسي، في احترام لخيارات القاعدة الشعبية التي عبرت عن رفضها لواقع الضعف الذي تمر به القضية الوطنية منذ المؤتمر الاستثنائي.
لكن بعد المؤتمر السادس عشر ومرحلة استئناف الكفاح المسلح في مرحلة حساسة من تاريخ شعبنا، لم يعد امام الرئيس من منفذ للتهرب من مسؤولياته القانونية والاخلاقية والتاريخية في قيادة حركة تحرير لا تزال تراوح مكانها منذ وقف اطلاق النار دون تحقيق الهدف الذي تأسست لاجله.
ومع انشغال الراي العام الوطني بموضوع الحركيات وغياب رؤية واضحة ومعايير شفافة لها، يتبادر السؤال الجوهري حول أهمية التعيينات واستحداث المناصب الجديدة والاهداف المتواخاة منها والغايات التي تصبو اليها.
وهل تعتمد معايير تستجيب لتطلعات الجماهير ومعالجة مكامن الضعف، وتفعيل مبدأ المحاسبة واستبدال من لم ينجح في مهامه بمن هو اكثر قدرة وكفاءة، ام مجرد تدوير لارضاء البعض على حساب الاخر وايجاد مناصب تستوعب عدد اكبر من القيادات والاطر على حساب الاداء وثقة الجماهير.
وما معنى و ما جدوائية هذه التعيينات ؟
في ظل وجود مئات الشباب خريجي الجامعات ينتظرون لا أفق أمامهم ،
لا احد اكثر منهم معرفة و علاقات بالدول التي درسوا بها و بدلا من انتقاء مجموعة منهم لتفعيل انتشارنا و توسيع دوائر التضامن معنا في عديد الدول وفي مقدمتها الجزائر الجديدة، الجاري الحديث لان تكون ب 100 ولاية .
الدولة الجاعلة من قضيتنا واحدة من أولوياتها ، ان لم تكن هي أولى الأولويات و كل اجهزة و هيئات السلطة و الأحزاب و المجتمع المدني ترحب بنا ( الخطاب السياسي أثناء الانتخابات منح لقضيتنا كل عناصر الأهمية و الاهتمام ) ، فبدل ان نغتنم الفرص المتاحة و نعين كفاءات في المستوى المطلوب ، نعتمد نفس الأساليب والحسابات الضيقة و نستخرج من ( مستودع المنتظرين لتوريطهم في مهام ووظائف تفوق مؤهلاتهم.
و في الأفق افتتاح الموسم السياسي ، والموسم الاجتماعي و ما لا يحصى من الفعاليات التي تستوجب حضورنا و وجود رسل يبلغون رسالتنا في هذه الظرفية الحافلة بالتحديات.
خاصة ان العلاقة مع الحليف مستهدفة من قبل العدو والمرحلة الاخيرة اتسمت بالتسيب والفوضى مع انتشار الحبوب المهلوسة التي بتت تنقل في سيارات تحمل ترقيما رسميا ودبلوماسيا ما يضع مصداقية الحركة والدولة على المحك امام تنامي الجريمة وتسجيل حوادث للقتل العمد في ظرف وجيز في سابقة تنذر بالخطر الداهم.
كما تأتي الحركيات في ظل تراجع خطير تمر به الخارجية الصحراوية مع توقف قوافل الدعم الإنساني بسبب فضائح الفساد وتشريع الاحتلال المغربي لعدد كبير من القنصليات لدول افريقيا اعضاء في الاتحاد الافريقي بالمناطق المحتلة من الصحراء الغربية في غياب للدبلوماسية الصحراوية في القارة الافريقية التي تعيش الكثير من سفارات الدولة الصحراوية حالة من الشغور والغياب الطويل للدبلوماسيين عن العمل.
مع التراجع الدبلوماسي في اوروبا وخاصة اسبانيا التي يتواجد بها اكبر ثقل دبلوماسي بعد الموقف الاخير لحكومة سانتشيز والذي يدعم بشكل علني وصريح الاحتلال المغربي في الصحراء الغربية.
إن أهمية الحركية تكمن في إحداث الجديد في سياسات وأهداف التنظيم باستحداث طرق وأساليب عمل جديدة من أجل التحسين المستمر في الأداء التنظيمي سواءً كان ذلك على مستوى الهياكل التنظيمية للحركة او الدولة أو على مستوى العاملين في المؤسسات الوطنية و التنظيم السياسي للجبهة أو على مستوى البيئة الخارجية بما يتوافق والتغيرات المستمرة في المحيط الاقليمي والدولي ومن أجل مساعدة التنظيم على تحقيق أهداف ومكاسب إضافية وتحقيق الاهداف المسطرة في البرامج السياسية و الاجتماعية وتحسين الاداء على مختلف الاصعدة.
ففي ظل التطور الذي يشهده العالم نجد أن الانظمة والحكومات تحرص دائما على مواكبة التغييرات المختلفة سواء كان ذلك بسبب العوامل الاقتصادية، العوامل السياسية، والعوامل الاجتماعية مع مرعاة التكيف مع وضعية الحرب والسلم، مما يساعدها على الاستمرار والبقاء والنمو بشكل أفضل وقد تقوم السلطة من أجل ذلك بعمل تغييرات وتعديلات في الهيكل التنظيمي بما يتضمنه من استحداث في المناصب والمسؤوليات أو مجال ألاهداف والسياسات بشكل عام وذلك تكيفاً مع الظروف والتغييرات الجديدة أما على مستوى الأفراد والعاملين فتتضح أهمية التغيير في صقل سلوك وقيم واتجاهات الأفراد بحيث تمكنهم من الاستجابة للتغييرات الكبيرة المحيطة بهم وذلك بغرض رفع مستواهم الوظيفي وكفاءتهم الإنتاجية وتشجيع العاملين على ممارسة الرقابة الذاتية وزيادة الرضا الوظيفي ورفع مستوى الثقة والولاء التنظيمي بحيث ان التغيير على مستوى الهرم يجعل الجسم يشعر بالتنقل بين فترة واخرى وما في ذلك من ديناميكية تحرك المياه الراكدة وتشجع على الابداع في كل مرة يتم فيه التحديث.
ويهدف اي تغيير وزاري او او دبلوماسي بالدرجة الأولى الى الانتقال من الواقع الحالي الى واقع مستقبلي أي تجاوز حال راهنة والانتقال إلى أخرى فالمؤسسة التي تشهد من حولها تطورات متسارعة وفي كل المجالات لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي ولا أن تهرب من التغيير لأنها إن فعلت تكون قد حكمت على نفسها بالهلاك فظاهرة التغيير هي ظاهرة ثابتة ومنذ فجر التاريخ وان اختلفت سرعة هذه الظاهرة عبر العصور.
ان انسداد افق الحل السياسي امام التحولات الامنية والاقتصادية والسياسية الاقليمية والدولية تبرز مدى الحاجة الى ادراك متطلبات المرحلة الحساسة وهو ما يدشن معركة سياسية ودبلوماسسية مع العدو ويبرز مدى استعداده في اطار التحضير لها بما يتماشى وحالة الحرب التي استئنفت منذ 13 نوفمبر2020
خاصة ان الدولة الصحراوية تتمتع بمكانة قانونية داخل الاتحاد الافريقي واستطاعت فرض وجودها من خلال ربح الجبهة القانونية التي حققت فيها القضية تطورات مهمة على صعيد الامم المتحدة قبل مجي إدارة ترامب التي عملت مع الاحتلال المغربي على التأثير على الطبيعة القانونية لعدالة القضية خاصة من منظور القانون الدولي وهو ما مهد للطعن الاوروبي في قرار محكمة العدل الاوروبية، مع مايعرفه ملف الثروات الطبيعية من صعوبات في ظل استنزاف خيرات الشعب الصحراوي وعدم توسيع مجال المرافعة عن موضوع حقوق الانسان وهو ما يستدعي متابعة مستمرة لتطورات هذه الملفات وتكوين مكاتب مؤهلة بشريا وتقنيا تسهر على ربح هذه المعارك وجعلها اسلحة جديدة لارغام الاحتلال المغربي على احترام حق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال.
ما يجعل أي حركية مرهونة بمدى القدرة على تجاوز التعينات القائمة على منطق الشمول الاجتماعي وتعزيز قوة اللوبيات المتنفذة وهو ما يعمق الفشل والتراجع ويكرس واقع الجمود المهدد للوجود اصلا.
إذ لا يمكن لأيّ متابع للمشهد الداخلي إلا أن يقرّ بأنّ السياسة المتبعة في عدة مجالات وفي مقدمتها الجانب العسكري والأمني والتعاطي مع الامم المتحدة في المصير وجمود العمل الدبلوماسي في الكثير من المواقع وتراجع الخدمات الاساسية وغليان الجبهة الاجتماعية، ونزيف الهجرة من المخيمات تعد أحد الأسباب الرئيسية في التاثير على المعنويات العامة ما يستوجب الحفاظ على المكاسب المحصلة بالدماء والمعاناة وصيانتها والعمل على ترسيخ وحدة الشعب و دعم الاستقرار في المنطقة و إعلاء كلمة القانون.
فالظروف الراهنة التي تمر بها القضية الوطنية بالغة الصعوبة، حيث تحاك مؤامرة دولية للقضاء على المشروع الوطني الصحراوي من خلال تحالف الاحتلال المغربي مع قوى الشر الصهيونية والضغط على دول مؤثرة في القضية الصحراوية كاسبانيا للانسياق في المؤامرة، مع تواطؤ الامم المتحدة مع الاحتلال المغربي في وضع القضية في الثلاجة وتجميد مهمة المبعوث الاممي الى الصحراء الغربية مع إقبار دور بعثة الامم المتحدة لتنظيم الاستفتاء ويقابل هذه التطورات الخطيرة ضبابية للرؤية في معالجة الملف من قبل القيادة السياسية التي تتعامل مع هذه التحديات بإصدار البيانات.
اضافة الى سياسة العبث في التعاطي مع الوضعية الأمنية ودور الاجهزة العسكرية والامنية المختلفة في استتباب الامن و محاربة الخارجين عن القانون و تهريب الممنوعات ،في ظل مستجدات أملتها الظروف و إخفاقات أمنية أسس لها غياب القرار السياسي السليم الذي يستند إلى خطة أمنية قوية تتصدي لكل الظواهر و السلبيات، رغم الجهود التي تبذلها المؤسستان الأمنية والعسكرية ،خلال السنوات الأخيرة ،لمحاولة تدارك الوضع ،اعتبارا من الإحساس المجمع على أن تدهور الحالة الأمنية أمر مرفوض وأنّ الحالة التي وصلنا إليها كانت ،نتيجة اختلالات واسعة شهدتها الساحة الأمنية أسس لها غياب الوعي بخطورة المرحلة و ضربات العدو و مخططاته المكشوفة و الهادفة إلى النيل من إرادة الشعب و التأثير على صموده.
ورغم أن كل الظواهر المتفشية و التي لم تسلم منها أعرق و أقوى الدول في العالم ،يراهن الكثيرون على حتميتها عبر التعايش معها و كأنها قدر مكتوبا إلا أن ذلك و بالنظر إلى واقعنا و تعدادنا السكاني يجعلها كلمة حقّ أريد بها باطل.
وبخلاصة ومن نافلة القول ان أي حركية او تدوير لا يراعي مصالح الشعب وصيانة المكتسبات يبقى ضمن مسلسل ضبابية الرؤية الذي ينزل من الهرم الى القاعدة ليزيد من اعبائها اليومية في مواجهة واقع يزداد تعقيدا يوما بعد اخر ويحتاج لارادة سياسية تمتلك الشجاعة وادوات التاثير وتخرج بفعلها عن نطاق الكلام والشعارات الرنانة التي لم تعد تسمن ولا تغني من جوع.