إقتصاد الحرب و حرب الإقتصاد.
سيكون من الصعب علينا الحديث هنا عن الإقتصاد بصفة عامة, حديثنا اليوم سنحاول فيه فصل" الزرع" عن" النخالة"، لأن الحديث عن الإقتصاد بالمفهوم المتعارف عليه، سيفتح علينا أبواب جهنم الأكاديمية و المعرفية و العلمية.
في بواكير الثورة، كان هدف الرجال المؤسسون توفير ظروف الحياة، و لا - أقول ظروف العيش - لشعب فر من أمام آلة القتل و الدمار المغربية.
رغم ضيق ذات اليد و رغم الظروف الصعبة و رغم التجويع و القصف و الحصار، نجح أولئك الرجال.
لمن، لا يتذكر، - أنا، أتذكر تلك الليالي جيدآ - ، تخيلوا معي شعبآ أعزلآ، مطاردآ من الشمال و من الجنوب و يجد نفسه على أرض جرداء، لا ماء فيها و لا نبات.
أرض ليس فيها إلا شعبآ مضيافآ و رجال صدقوا.
تحيط بك صحراء قاحلة من كل جانب و أعداءك أكثر من أصدقائك أنت تفكر في تأسيس دولة.
كل ما لديك من زاد، هو شعبآ مؤمنآ، صادقآ و شجاعآ.
تم تأسيس دولة و تم تأسيس جيش و تم تأطير شعب و تم الوقوف في وجه آلة القتل و الدمار.
من، هنا يمكننا أن نبدأ الحديث عن" إقتصاد"الحرب.
هناك عبارة متداولة, تقول بأن "الإقتصاد نصف المعيشة".
و لكن, أي معيشة؟
في حالتنا نحن، الإقتصاد" نصف الحرب و نصف النصر".
هل يمكننا نحن الصحراوييون - مثلآ - في مخيمات العزة و الكرامة و في المناطق المحتلة و في الشتات, الحديث أي نوع أنواع من " الإقتصاد"؟
عن الدخل القومي، عن نصيب الفرد من هذا الدخل، عن مصادر الدخل؟
دعونا من باب الإعتداء على المفاهيم, نطلق عليه جدلآ" الموارد المتاحة"، بدل الإقتصاد.
نحن، نعيش تحت سياط ظرفين قاهرين، يفرضان علينا إختيار المصطلحات بدقة.
ظروف اللجؤ و ظروف الحرب و لذلك وجب علينا تكريس كل موارد اللجؤ لربح الحرب.
نحن شعب يعيش على الدعم الدولي الإنساني، لا موارد لدينا، يمكننا الإعتماد عليها لربح معركتنا ضد الطبيعة و ضد ظروف اللجؤ و قساوة الحياة و ضد عدو أباد نصفنا و يجهز عدده و عديده، لإبادة النصف الآخر.
لا مفر من فتح قوسين أخلاقيين، مرتبطين بإقتصاد" اللجؤ".
هناك، رجال و نساء و - خصوصآ بعد وقف إطلاق النار-، بكد اليد و بعرق الجبين، إستطاعوا تكوين روؤس أموال" أحل من العلك".
هؤلاء، جزء طبيعي و شرعي من توفير عوامل الصمود.
ما يجب الإشارة له هنا، هو تلك روؤس الأموال، ألتي" أحرم من العلك".
رؤوس أموال فيها رائحة دماء الشهداء و مبللة بدموع الأطفال و فيها أنين الثكالى و الأرامل .
قانونآ سرقة و شرعآ أموال سحت.
هؤلاء، جزء من كسر الإرادة و جزء من تسميم الحياة و جزء من فرض نوع من" الطبقية الثورية"، نحن في أشد الغنى عنها.
إنهم طفيليات حربنا مع العدو.
على فكرة، هناك شعار حمله، أوئل المبشرون، الشيوعيون ضد آخر حكومة في عهد القيصر الروسي، نيكولاي الثاني، حكومة" كيرينسكي".
الشعار، يقول"كيرينسكي، إذا لم تستطيع أن تساوي بيننا في الغنى، فساوى بيننا في الفقر، جزاك الله عنا كل خير".
دولة أو شعبآ، لا يطعم جيشه، سيطعم جيشآ آخرآ.
و لكنه سيطعم، جيشآ محتلآ لأرضه، منتهك لعرضه.
وصلنا بهدؤ لعجالة اليوم.
إقتصاد الحرب و حرب الإقتصاد.
في بداية حديثنا، إتفقنا على مبدأ، أنه لا إقتصاد لنا.
قبل عودتنا للكفاح المسلح بسنوات، كنت في جلسة عشاء مع شخصين من قيادتنا.
أحدهما، من القيادة" التاريخية" و الثاني حديث نعمة بالأمانة و بالحكومة.
دخلت معهما جدالآ ساخنآ.
موضوع الجدال كان" الإقتصاد".
قلت لهما، تعالا و من باب الأمانة العلمية و الأدبية، نتفق على المصطلحات.
قلت لهما، في وضعنا نحن، هناك "إقتصاد" الدعم الإنساني و هناك" إقتصاد" الربع و هناك" إقتصاد" المعرفة.
أنتما، تكفلا ب " الإقتصادين " الأولين و أنا سأكفيكما شر" إقتصاد"المعرفة.
سأل، القائد" التاريخي، عن معنى إقتصاد المعرفة.
قلت له، تباركلا، سولتني عن شيء نعرفو.
إقتصادك، انت و زميلك يتطلب الإستثمار في الموارد و إقتصادي أنا، يتطلب إستثمار مواردكما أنتما في عقلي أنا، لأنتج لكما" بضاعة" خفيفة و خطيرة، تسمى" المعرفة".
أنتما كانت حربكما، حرب موارد و نحن حربنا حرب معرفة.
إذا كان، ذلك القائدين، يتذكران تلك الجلسة، فقد جرى الحديث ليلتها عن" الدرون" و عن المشاكل ألتي سببتها درون" بريقدار تي بي 2" التركية لجيوش المشير" حفتر" الزاحفة لإحتلال"طرابلس.
و عن ما فعلته بعد ذلك بالقوات الأرمنية في معارك"نقورنو كاراباخ".
معجزة جوية و جسم حديدي، صمم للقتل و لتغيير الموازين.
اليوم، أريد تذكير أولئك القائدين، بأن التاريخ أنصف وجهة نظري و أن "إقتصاد" الدعم و" إقتصاد" الربع، لن يقدما الكثير لجبهتنا الأمامية و اليوم، لا جبهة لنا غيرها.
اليوم، كل شيء من أجل الجبهة.
فيما يخص، "إقتصاد" الدعم و" إقتصاد" الربع، لن أقول فيهما، أكثر مما يقول المشارقة، في العلاقة الجدلية، بين المندوب و المباح و المحرم.
" بعد عن الشر و غني لو".
الخير، كل الخير في إقتصاد المعرفة، فهو الذي يمكنه تقديم الدعم التقني و الفني و المعرفي، لرجال يفترشون الأرض و يلتحفون السماء في إنتظار" لمعيط".
لقد سقطت.
د : بيبات أبحمد