القائمة الرئيسية

الصفحات

هل ينسحب المغرب من منظمة الإتحاد الإفريقي (2)


من المهم عند الخوض في السياسة التمييز  بين الأهداف الاستراتيجية، والنجاحات التكتيكية التي تسوق للرأي العام للتغطية أحيانا على إخفاقات كبرى. وزير الخارجيه المغربي ناصر بوريطة بارع في هذه الأخيرة.
دعونا نخوض في بعض الحقائق الجوهرية حتى لا تغيب عنا الرؤية الكلية، ونتيه في التفاصيل والتبسيطات، بشأن فشل إستراتيجية المغرب بخصوص الإتحاد الأفريقي طيلة العقود الماضية. 
أولا، الاحتلال المغربي انسحب من منظمة الوحدة الأفريقية عام 1984 ، ولا أعتقد أن ثمة من يجادل بأن تلك نكسة وهزيمة مدوية. 
الحسن الثاني لما انسحب وصف المنظمة بأنها عبارة عن "مجاري للصرف الصحي" و"قرع الطبول". عقود بعد ذلك، انضم ملك المغرب محمد السادس إلى منظمة "الصرف الصحي" وقرع هو نفسه الطبول في إحدى جولاته الأفريقية قبل الإنضمام (أنظر الصورة المرفقة).
ماذا كانت أهداف المغرب الكبرى ( سطر تحت أهداف كبرى) وشروطه من أجل العودة؟ كانت تتمثل أساساً في طرد الجمهورية الصحراوية. ظل المغرب 32 سنة خارج المنظمة، وأنفق الأموال وأغدق الرشاوي، ومنح الهبات، ووضع مختلف الاستراتيجيات.
 هل تمكن من تحقيق هدفه بطرد الجمهورية الصحراوية؟ بالطبع لا. لماذا برأيكم؟ هناك سببين، إما نتيجة ضعف المغرب، أو بسبب قوة الجمهورية الصحراوية وحلفائها. 
البعض يفضل أن يعزي السبب إلى ضعف المغرب على أن يعزى إلى قوة الجمهورية الصحراوية، لكن سأترك لكم تحديد الإختيار الذي يناسبكم.
في يناير 2017، إنضم المغرب إلى منظمة الإتحاد الأفريقي، وصادق على ميثاقها التأسيسي، و جلس مرغما إلى جانب الجمهورية الصحراوية. مهما كانت اهدافه ونواياه من وراء الإنضمام، ألا يعد ذلك هزيمة مدوية وفشل استراتيجي؟ بالطبع، لأن هدفه الإستراتيجي كان الإنضمام إلى المنظمة بعد أن يتم طرد الجمهورية الصحراوية، و لم يتحقق ذلك.
دعونا الآن ننظر إلى المسألة من زاوية أخرى وهي أن المصادقة على الميثاق التأسيسي للاتحاد الافريقي والجلوس مع الجمهورية الصحراوية هو اعتراف ضمني بها. 
إنضمام المغرب ينطوي، بحذ ذاته، على تكلفة سياسية باهضة، والتيار التقليدي المغربي المناهض للانضمام قبل طرد الجمهورية الصحراوية يدرك ذلك. وذلك ما يبرر غياب المغرب أكثر من ثلاثة عقود خارج المنظمة. يعني مثلما يقول المثل الحساني " صام عام وافطر على جرادة"  المغرب صام ثلاثة عقود وأفطر على جرادة.
يعتقد التيار البرغماتي الداعم للإنضمام أن قلب المعادلة بالدفاع عن ما يسميه "الوحدة الترابية" من داخل المنظمة، قد تكون أكثر نجاعة من القيام بذلك من خارجها،  والخروج من العزلة المستديمة،  التي يبسطها البعض بتسميتها "سياسة الكرسي الشاغر".
الحقيقة أن المغرب كان أمام خيارين أحلامها مر؛ إما البقاء خارج المنظمة، وما يترتب عن ذلك من تكاليف سياسية وعزلة داخل المنظمات متعددة الأطراف، أو الإنضمام وتحمل تبعات ما يترتب عن الجلوس إلى جانب الجمهورية الصحراوية. 
المغرب اتجه إلى الخيار الثاني ويراه أخف الضررين، رغم التكاليف السياسية المترتبة عنه، لأن الخيار الأول أثبت فشله طوال ثلاثة عقود الماضية. 
لا أدري ماذا يجعل البعض يتوهم أن مقاربة التيار البرغماتي بالانضمام ستكون أكثر نجاحاً من وجوده خارج المنظمة؟ في الحقيقة لا يوجد ما يؤشر على ذلك، رغم أن المغرب تقلد مناصب داخل المنظمة، ولا يزال يتبغ سياسة الرشاوي والاغراءات والمضايقات التي تعد جزء من سياسته الخارجية.
يقول المغرب أن هناك 34 دولة دعمته للإنضمام للإتحاد الإفريقي، السؤال هو لماذا لا تدعمه لطرد الجمهورية الصحراوية أو منعها من المشاركة في قمم الشراكة؟ لماذا لم تنسحب معه أي من هاته الدول الأفريقية لما قرر مقاطعة قمة تيكاد الأخيرة في تونس؟
لماذا حضر ملك المغرب قمة الشراكة الإستراتيجية بين الإتحاد الإفريقي والإتحاد الأوروبي التي انعقدت في بروكسل في أبريل 2022، وقاطعت دولته قمة تيكاد في تونس في أغسطس 2022 ورفض الدعوة للحضور  قمة تكتل البريكس الأخيرة في جنوب أفريقيا التي شاركت فيهما الجمهورية الصحراوية.
المغرب غامر بالجلوس مع الجمهورية الصحراوية داخل الإتحاد الإفريقي، اعتقاداً منه أنه سيحصر دورها هناك ويخنق تحركاتها، لكن لم يكن يتوقع أن مشاركتها ستتجاوز أروقة الإتحاد الإفريقي. لذلك أصبح متناقضا مع نفسه تارة يحضر بعض قمم الشراكة وتارة يقاطعها.
من جهة يطالب زعماء الدول الأفريقية أن لا يستقبلوا رئيس للجمهورية الصحراوية إبراهيم غالي ، لكن المغرب يجلس مع الجمهورية الصحراوية في القمم الإفريقية والدولية.
كان المغرب يقول إن الجمهورية الصحراوية دولة "وهمية"، فأصبح يعترف ب"الوهم" ويجلس معه. هذا هو منطق الإستعمار الأعوج، لكن الحقيقة الصارخة أن إنضمام المغرب للإتحاد الأفريقي هو تكريس وجود الجمهورية الصحراوية، وتعبيرا عن فشله الإستراتيجي، وتعميق متناقضاته على الساحة الأفريقية والدولية.
السؤال المطروح ماذا لو فشلت مغامرة التيار البراغماتي المغربي من داخل المنظمة، مثلما فشل لما كان خارجها. الراجح أنه سينسحب مثلما انسحب عام 1984، ويقول إنها منظمة "صرف صحي" و"قرع طبول".
د. بلة لحبيب ابريكة

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...