الحمد للهِ الَّذِي شرعَ الشرائعَ رحمةً وحِكْمةً طريقاً وسنَناً، وأمرنَا بطاعتِه لا لحَاجتِهِ بلْ لَنَا، يغفرُ الذنوبَ لكلِّ مَنْ تابَ إلى ربَّه ودَنا، ويُجزلُ العطَايَا لمَنْ كان مُحسناً {وَالَّذِينَ جَـهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت: 69] أحْمده على فضائلهِ سِرّاً وعلَناً، وأشهد أنْ لا إِله إِلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له شهادةً أرْجو بها الفوزَ بدارِ النَّعيمِ والْهنَا، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولهُ الَّذِي رفَعَه فوقَ السموات فدَنَا، صَلَّى الله عليه وعلى صاحِبه أبي بكر الْقائمِ بالعبادةِ راضياً بالعَنا، وعلى عُمرَ المجدِّ في ظهور الإِسلام فمَا ضعُف ولا ونَى، وعلى عثمانَ الَّذِي رضيَ بالْقَدرِ وقد حلَّ في الفناءِ الفنا، وعلى عليٍّ الْقريبِ في النَّسب وقد نال المُنى، وعلى سائرِ آلِهِ وأصحابه الكرام الأمَنَاء، وسلَّم تسليماً.
فِقْهُ زكَاَةِ الفِطْرِ وَأَحْكَامُهَا
تعريف زكاة الفطر:
الزكاة لغة: النماء، والزيادة، والطهارة، والبركة، يقال: زكى الزرع: إذا نما وزاد ( )
الفطر: اسم مصدر، من قولك: أفطر الصائم، يفطر إفطاراً؛ لأن المصدر منه: الإفطار، وهذه يراد بها الصدقة عن البدن، والنفس، وإضافة الزكاة إلى الفطر، من إضافة الشيء إلى سببه؛ لأن الفطر من رمضان سبب وجوبها، فأضيفت إليه؛ لوجوبها به، فيقال: ((زكاة الفطر)).
وقيل لها: فطرةٌ؛ لأن الفطرة: الخلقة، قال الله تعالى: {فِطْرَةَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} ( )
أي جبلته التي جبل الناس عليها، وهذه يراد بها الصدقة عن: البدن، والنفس، كما كانت الأولى صدقة عن المال ( )
زكاة الفطر اصطلاجاً: ((هي الصدقة تجب بالفطر من رمضان، طهرة للصائم: من اللغو، والرفث)) ( )
وقيل: ((إنفاق مقدار معلوم، عن كل فرد مسلم يُعيله، قبل صلاة عيد الفطر، في مصارف مخصوصة)) ( )
حُكْمُ زكاة الفطر:
زكاة الفطر واجبةٌ بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب، فقد قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}
وأما السنة:
فعن عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين ... ))
وأما الإجماع:
فأجمع أهل العلم: أن صدقة الفطر فرض، قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض، وأجمعوا على أن صدقة الفطر تجب على المرء، إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، وأولاده الأطفال، الذين لا أموال لهم، وأجمعوا على أن على المرء أداء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر))
حكمة زكاة الفطر:
1 - طُهرةٌ للصائم، من اللغو والرفث.
2 - طعمةٌ للمساكين، وإغناء لهم عن السؤال في يوم العيد.
3 - مواساةٌ للمسلمين: أغنيائهم، وفقرائهم ذلك اليوم.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين ... )) ( )
شروط وجوب زكاة الفطر:
1- الإسلام:
فتجب على كل مسلم: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجل أو امرأة، صغيرٍ أو كبيرٍ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان، على كل نفس من المسلمين: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجلٍ أو امرأةٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ)) ( )
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وجملته أن زكاة الفطر تجب على كل مسلم، مع الصغر والكبر، والذكورية والأنوثية, في قول أهل العلم عامة، وتجب على اليتيم, ويخرج عنه وليه من ماله، وعلى الرقيق)) ( )
2- الغنى:
وهو أن يكون عنده يوم العيد وليلته صاع، زائد عن قوته وقوت عياله، وحوائجه الأصلية ( )
3- دخول وقت الوجوب:
وهو غروب الشمس من ليلة الفطر؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان)) ( ) وذلك يكون بغروب الشمس، من آخر يوم من أيام شهر رمضان، فمن أسلم أو تزوج، أو وُلِدَ له ولد، أو مات قبل الغروب لم تلزمه فطرتهم، وإن غربت وهم عنده ثم ماتوا فعليه فطرتهم؛ لأنها تجب في الذمة، فلم تسقط بالموت ككفارة الظهار ( )
زكاة الفطر تلزم المسلم عن نفسه وعن من يعول ممن تلزمه نفقته: قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن صدقة الفطر تجب على المرء إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، وأولاده الأطفال الذين لا أموال لهم، وأجمعوا على أن على المرء أداء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر))( )
فظهر أن الفطرة تلزم الإنسان القادر عن نفسه، وعن من يعوله، أي يمونه، فتلزمه فطرتهم، كما تلزمه مؤنتهم، إذ وجد ما يؤدي عنهم ( )؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة الفطر، عن الصغير، والكبير، والحر، والعبد، ممن تمونون)) ( )
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه، وعن كلِّ من تجب عليه نفقته، ومنهم الزوجة؛ لوجوب نفقتها عليه)) ( ). ويبدأ بنفسه إذا لم يجد لجميع من ينفق عليهم, ثم من يليه في وجوب النفقة ( )؛ لحديث جابر - رضي الله عنه -، وفيه: ((ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا)) يقول: فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك ( ).
وعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفضل الصدقة، أو خير الصدقة عن ظهر غنىً، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول)) ( )
ويستحب إخراج زكاة الفطر عن الحمل؛ لفعل عثمان - رضي الله عنه - ( )
وتخرج عن المملوك يخرجها سيده عنه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس على المسلم في فرسه، ولا في عبده صدقة إلا صدقة الفطر)) ( )
وقت إخراج زكاة الفطر:
1. وقت الوجوب: غروب شمس آخر يوم من رمضان
زكاة الفطر لا تجب إلا بغروب شمس آخر يوم من رمضان: فمن أسلم بعد الغروب، أو تزوج، أو وُلِد له وَلدٌ، أو مات قبل الغروب لم تلزم فطرتهم ( )
قال العلامة ابن باز رحمه الله: ((الواجب ... إخراجها قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد)) ( )
ولا يجوز تأخيرها بعد الصلاة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرةً للصائم: من اللغو، والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) ( )
فمن أخَّرها بعد الصلاة بدون عذر، فعليه التوبة، وعليه أن يخرجها على الفور، قال العلامة ابن مفلح رحمه الله: ((وفي الكراهة بعدها وجهان، والقول بها أظهر؛ لمخالفة الأمر، وقيل: تحرم بعد الصلاة، وذكر صاحب المحرر أن أحمد رحمه الله: أومأ إليه، وتكون قضاءً، وجزم به ابن الجوزي)) ( )
2. وقت الجواز: قبل العيد بيوم أو يومين( )
عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين)) ( )
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((ووقتها ليلة عيد الفطر إلى ما قبل صلاة العيد؛ ويجوز تقديمها يومين أو ثلاثة))
3. وقت الاستحباب:إخراج زكاة الفطر يوم الفطر قبل صلاة العيد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما( )، وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما ((فمن أداها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)) ( )
مقدار زكاة الفطر وأنواعها:
مقدار زكاة الفطر صاع( ) من قوت البلد الذي يأكله الناس، وقد ثبت في حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي ذكرته آنفاً أنه قال: ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير ... )).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه كان يقول: ((كنا نخرج زكاة الفطر: صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب)). وفي لفظ للبخاري: ((كنا نعطيها في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - ... )).
قال أبو سعيد: "وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر".
يجوز إخراج زكاة الفطر من الطعام الذي يعد قوتاً للناس، أي ما يقتاته المسلمون، ولا تقتصر على ما نصَّ عليه (الشعير، والتمر، والزبيب) بل نُخْرِج من الأرز، والذرة، والعدس... وغيرهم مما يعتبر قوتاً. وهذا أصح أقوال العلماء – وهو مذهب الشافعية والمالكية – واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -.
فتفسير الطعام هنا ببعض أنواعه لا يعني قصره على هذه الأنواع، فالرسول صلى الله عليه وسلم لمّا فرض هذه الأنواع فلأنها كانت قوت أهل المدينة، ولو كان هذا ليس قوتهم بل يقتاتون غيره، لم يكلفهم أن يخرجوا مما لا يقتاتون، ويدل على أن الأمر فيه سعة، وأنه غير مقتصر على هذه الأنواع
وعلى هذا يجوز إخراجها من كل ما يعد قوتاً لأهل بلده: من أرز أو فول أو عدس أو القمح أو الدقيق أو التمر أو الفاصوليا أو اللوبيا أو المكرونة... أو غير ذلك مما يعد قوتاً في بلده، وهذا أصح أقوال العلماء، وهو مذهب الشافعية والمالكية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -.
حيث قال شيخ الإسلام – رحمه الله - في "الاختيارات الفقهية":
ويجزئه في الفطرة من قوت بلده، مثل الأرز وغيره، ولو قدر على الأصناف المذكورة في الحديث، وهو رواية عن أحمد وقول أكثر العلماء.
وقال ابن القيم – رحمه الله -: وهو الصواب الذي لا يقال بغيره، إذ المقصود سد خلة المساكين يوم العيد، ومواساتهم من جنس ما يقتات أهل بلدهم.
لكن ذهب البعض إلى: أنه ينبغي الاقتصار على الأنواع التي ذكرت في الحديث فقط وهي: الشعير أو التمر أو الأقط أو الزبيب أو السلت.
وهذا ما ذهب إليه الحنابلة فقالوا: لا يجزئ إلا التمر والشعير والبر.
وأنكر ابن حزم على الإمام مالك - رحمه الله – عندما أجاز إخراج زكاة الفطر من غير الأصناف المذكورة في الحديث، فقال ابن حزم في "المحلى"( ):
العجب كل العجب من إجازة مالك إخراج الذرة والدقيق والأرز لمَن كان ذلك قوته، وليس شيء من ذلك مذكوراً في شيء من الأخبار أصلاً.
وقال الموفق المقدسي في "الكافي"( )
ومَن قدر على هذه الأصناف الأربعة لم يجزه غيرها؛ لأنه المنصوص عليها، فأيها أخرج أجزأه سواء كان قوته أو لم تكن لظاهر الخبر.
والراجح: والذي تطمئن إليه النفس هو الرأي الأول، وإن زكاة الفطر تشمل كل ما كيل عن الطعام، ولا تقتصر على ما نص عليه الحديث، بل تخرج من كل ما يقتاته المسلمون.
وأما: "فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير" فلأن هذا كان قوت أهل المدينة، ولو كان هذا ليس قوتهم بل يقتاتون غيره، لم يكلفهم أن يخرجوا مما لا يقتاتون، كما لم يأمر بذلك في الكفارات، فقد قال تعالى في الكفارة: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}( )، وصدقة الفطر من جنس الكفارات، فكلاهما متعلق بالبدن، بخلاف صدقة المال، فإنها تجب بسبب المال، من جنس ما أعطاه الله " ( )
جدول توضيحي للصاع من الأصناف المختلفة، وما يقاربه بالكيلو تقريباً:
م الصنف وزن الصاع بالكيلو تقريباً
1 صاع الأرز 2.300 كجم
2 صاع اللوبيا 2.000 كجم
3 صاع الفاصوليا 2.650 كجم
4 صاع التمر المتوسط 3.000 كجم
5 صاع العدس الأصفر 2.250 كجم
6 صاع العدس بجبَّة 2.250 كجم
7 صاع الفول 2.500 كجم
8 صاع الزبيب 1.600 كجم
والاحوط في تقدير الصاع إخراج ثلاثة كيلو جرامات من أي نوع فيما عدا الزبيب.
تنبيه:
يجوز إخراج زكاة الفطر من الحنطة – أي الدقيق -، وهو مذهب أصحاب الرأي.
أهل زكاة الفطر الذين تدفع لهم: الفقراء والمساكين
عن ابن عباس رضي الله عنهما ((فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين ... )) ( )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
((ولا يجوز دفع زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة، وهو من يأخذ لحاجته لا في الرقاب، والمؤلفة قلوبهم وغير ذلك)) ( )
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
((وكان من هديه - صلى الله عليه وسلم - تخصيص المساكين بهذه الصدقة, ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه، ولا من بعدهم، بل أحد القولين عندنا: أنه لا يجوز إخراجها إلا على المساكين خاصة, وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية)) ( )
وقال الشوكاني رحمه الله عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
((وفيه دليل على أن الفطرة تصرف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة)) ( )
قال العلامة ابن باز رحمه الله:
((زكاة الفطر شرعها الله مواساةً للفقراء والمحاويج، وطعمة للمساكين)) ( ). وقال في موضع آخر: ((ومصرفها الفقراء والمساكين)) ( ).
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ذكر القولين:
((هناك قولان لأهل العلم: الأول أنها تصرف مصرف بقية الزكوات، حتى المؤلفة قلوبهم والغارمين ... والثاني أن زكاة الفطر مصرفها للفقراء فقط، وهو الصحيح)) ( )
ويجوز دفع زكاة الفطر عن النفر الواحد لشخص واحد، كما يجوز توزيعها على عدة أشخاص)) ( )
مكان زكاة الفطر وحكم نقلها:
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن: (( ... فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) ( )
قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى: ((والسنة توزيعها بين الفقراء في بلد المزكي، وعدم نقلها إلى بلد آخر؛ لإغناء فقراء بلده وسد حاجتهم ... )) ( )
وقال رحمه الله عندما سئل عن حكم نقل زكاة الفطر: ((لا بأس بذلك, ويجزئ إن شاء الله في أصح قولي العلماء، لكن إخراجها في محلك الذي تقيم فيه أفضل وأحوط، وإذا بعثتها لأهلك؛ ليخرجوها على الفقراء في بلدك فلا بأس)) ( )
حكم دفع القيمة في زكاة الفطر:
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا تجزئ القيمة؛ لأنه عدول عن المنصوص)) ( )
وقد ذكر ابن قدامة – رحمه الله - في "المغني" ( ) عن الخرقي – رحمه الله - أنه قال: ومَن أعطى القيمة لم تجزئه.
وقال ابن قدامة – رحمه الله – : قال أبو داود: قيل لأحمد - وأنا أسمع -: أعطي دراهم – يعني في صدقة الفطر- قال: أخاف ألا يجزئه خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ( )
وذكر ابن قدامة أيضاً عن أبي طالب قال:
قال لي أحمد: لا يعطي قيمته، قيل له: قوم يقولون عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة، قال: يدعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: قال فلان؟!، قال ابن عمر؟!: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير"، وقال الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}( )
ثم قال: قوم يردُّون السُّنَّة، ويقولون: قال فلان... وقال فلان.
(وظاهر مذهبه أنه لا يجزئه إخراج القيمة، وبه قال مالك والشافعي )( )
وقال مالك كما في "المدونة لسحنون":
"لا يجزئ الرجل أن يعطي مكان زكاة الفطر عرضاً من العروض، قال: وليس كذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم ".
وقال مالك أيضاً: يجب في زكاة الفطر صاع من غالب قوت البلد في السنة.
وكذلك قال الشافعي – رحمه الله -: يجب في زكاة الفطر صاع من غالب قوت البلد في السنة.
وقال ابن تيمية – رحمه الله - كما في "مجموع الفتاوى":
أوجبها الله تعالى طعاماً كما أوجب الكفارة طعاماً،
وقال كذلك كما في "الاختيارات الفقهية": لا يجزئ إخراج قيمة الطعام.
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله - كما في "فتح الباري" :( )
وكأن الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة، دل على أن المعتبر والمراد إخراج هذا المقدر من أى جنس.
قال صاحب كتاب "كفاية الأخيار":
وشرط المجزئ من زكاة الفطر أن يكون حبَّاً، فلا تجزئ القيمة بلا خلاف( ).
قال النووي – رحمه الله - كما في "شرح مسلم" ( )
"أنه ذكر أشياء قيمتها مختلفة، وأوجب في كل نوع منها صاعاً، فدلَّ على أن المعتبر صاع، ولا نظر إلى القيمة، وقال أيضاً: ولم يُجِز عامة الفقهاء إخراج القيمة "
وقال النووي – رحمه الله - كما في "المجموع":
لا تجزئه القيمة في الفطرة عندنا، وبه قال مالك وأحمد وابن المنذر.
وقال أبو إسحاق الشيرازي الشافعي:
ولا يجوز أخذ القيمة في شيء من الزكاة؛ لأن الحق لله وقد علَّقه على ما نص عليه، فلا يجوز نقل ذلك إلى غيره، كالأضحية لما علقها على الأنعام لم يجز نقلها إلى غيرها
وقد ذهب إلى منع دفع القيمة كذلك ابن حزم – رحمه الله - في "المحلى"( ) فقال: ولا تجوز قيمته أصلاً، ولا يجوز إخراج بعض الصاع شعيراً وبعضه تمراً، ولا تجزئ قيمته أصلاً؛ لأن كل ذلك غير ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو جعفر الهندواني (حنفي):
دفع الحنطة (أي: القمح) أفضل في الأحوال كلها؛ لأن فيه موافقة للسنة وإظهار للشريعة.
وقال أبو بكر الأعمش وهو حنفي أيضاً:
أداء الحنطة أفضل من أداء القيمة؛ لأنه أقرب إلى امتثال الأمر، وأبعد عن اختلاف العلماء، فكان الاحتياط فيه.
وذهب الشوكاني – رحمه الله - في "السيل الجرار":
إنها لا تجزئ بالقيمة، إلا إذا تعذَّر إخراجها طعاماً، وهو ظاهر كلامه في "الدراري المضية" حيث قدَّرها بصاع من القوت المعتاد عن كل فرد.
قال العلامة ابن باز رحمه الله:
((ولا يجوز إخراج القيمة عند جمهور أهل العلم، وهو أصح دليلاً، بل الواجب إخراجها من الطعام، كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -)) ( )
وقال رحمه الله:
(( ... زكاة الفطر عبادة بإجماع المسلمين، والعبادات الأصل فيها التوقيف، فلا يجوز لأحد أن يتعبد بأي عبادة إلا بما ثبت عن المشرِّع الحكيم عليه صلوات الله وسلامه)) ( )
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
((ولا يجوز إخراج زكاة الفطر نقوداً؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت على وجوب إخراجها طعاماً، ولا يجوز العدول عن الأدلة الشرعية؛ لقول أحد من الناس)) ( ). قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). ( ) وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))
مسائل هامة في زكاة الفطر
1- زكاة الفطر عن الخدم:
إن كان الخادم ممَّن تجب نفقته على المؤدي؛ أدَّى عنه، كأن يكون أجيراً عنده لمدة طويلة أو لمدة محددة يجب عليه فيه النفقة عليه.
وأما إذا كان أجيراً لعمل معين ولا يلزمه النفقة عليه، لم يلزمه أداء زكاة الفطر عنه.
قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ في "الموطأ":
ليس على الرجل في عبيده، ولا في أجيره، ولا في رقيق امرأته زكاة، إلا مَن كان منهم يخدمه ولابد له منه، فتجب عليه، وأما إن كان الخادم كافراً أو من أهل الكتاب فلا يخرج عنه زكاة الفطر.
2-زكاة الفطر عن الحفيد الذي تلزم نفقته:
الجدُّ عليه فطرة ولد ولده الذي تلزمه نفقته، وبه قال الشافعي وأبو ثور.
وقال أبو حنيفة: لا تلزمه.
والراجح هو القول الأول
3-لا زكاة للزوج على زوجته قبل الدخول بها:
لا يلزم الرجل إخراج زكاة الفطر عن زوجته التي لم يدخل بها؛ لأنه لا تلزمه نفقتها.
4- لا زكاة للزوج على زوجته الناشز:
إذا نشزت المرأة في وقت زكاة الفطر، ففطرتها على نفسها لا على زوجها.
5- لا زكاة للزوج على زوجته الكتابية:
إذا كانت الزوجة كتابية فلا يخرج عنها زكاة الفطر.
6- لا يلزم في زكاة الفطر أن يكون مَن يُخرِجها صائماً:
لا يلزم في زكاة الفطر أن يكون مَن يُخرِجها صائماً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والصغير والكبير"، حتى لو نفست المرأة جميع الشهر، فالواجب إخراج صدقة الفطر أيضاً.
7- جوازُ التوكيل في إخراج الزكاة:
يجوز التوكيل في إخراج الزَّكاة، بأن يُعطِي لغيره قيمة الصدقة؛ فيشتري الطعام ويُخْرِجْها عنه طعاماً.
8-حكمُ دفعِ زكاة الفطر إلى الكافر أو الذِّمي:
قال ابن المنذر – رحمه الله -: أجمعت الأمة أنه لا يجزئ دفع زكاة المال إلى ذمي، واختلفوا في زكاة الفطر فذهب الجمهور: مالك، والليث، وأحمد، وأبو ثور، والشافعي: إلى أنه لا يجوز دفعها إلى الكافر أو الذمي
وعن عمرو بن ميمون وعمرو بن شرحبيل- ومرة الهمداني:
أنهم كانوا يعطون منها الرهبان.
وجوَّز أبو حنيفة: دفع الفطرة إلى الكافر.
وَأَخِيرًا
إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَحْظَى بِمُضَاعَفَةِ هَذِهِ الأُجُورِ وَالحَسَنَاتِ فَتَذَكَّرْ قَوْلَ سَيِّدِ البَرِّيَّاتِ: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»
فَطُوبَي لِكُلِّ مَنْ دَلَّ عَلَى هَذَا الخَيْرِ واتَّقَى مَوْلَاهُ، سَوَاءً بِكَلِمَةٍ أَوْ مَوْعِظَةٍ اِبْتَغَى بِهَا وَجْه اللهِ، كَذَا مِنْ طَبْعَهَا رَجَاءَ ثوابها وَوَزَّعَهَا عَلَى عِبَادِ اللهِ، وَمَنْ بَثَّهَا عَبْرَ القَنَوَاتِ الفَضَائِيَّةِ، أَوْ شَبَكَةِ الإِنْتِرْنِت العَالَمِيَّةِ، وَمِنْ تَرْجَمَهَا إِلَى اللُّغَاتِ الأَجْنَبِيَّةِ، لِتَنْتَفِعَ بِهَا الأُمَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ، وَيَكْفِيهُ وَعْدُ سَيِّدِ البَرِّيَّةِ:: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ»
أَمُوتُ وَيَبْقَى كُلُّ مَا كَتَبْتُه فيَالَيْتَ مَنْ قَرَأَ دَعَا لَيَا
عَسَى الإِلَـــــــهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنَى وَيَغْفِرَ ليِ سُوءَ فَعَالِيا
كَتَبَهُ
أَبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ أَحْمَدُ مُصْطَفَى
dr_ahmedmostafa_CP@yahoo.com
(حُقُوقُ الطَّبْعِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ عَدَا مَنْ غَيَّرَ فِيهِ أَوْ اسْتَخْدَمَهُ فِي أَغْرَاضٍ تِجَارِيَّةٍ)
*****
الفِهْرِسُ
مُقَدِّمَةٌ 3
تعريف زكاة الفطر: 4
شروط وجوب زكاة الفطر: 7
وقت إخراج زكاة الفطر: 11
مقدار زكاة الفطر وأنواعها: 14
جدول توضيحي للصاع من الأصناف المختلفة، وما يقاربه بالكيلو تقريباً: 19
أهل زكاة الفطر الذين تدفع لهم: الفقراء والمساكين 20
مكان زكاة الفطر وحكم نقلها: 22
مسائل هامة في زكاة الفطر 28
1- زكاة الفطر عن الخدم: 28
2-زكاة الفطر عن الحفيد الذي تلزم نفقته: 28
3-لا زكاة للزوج على زوجته قبل الدخول بها: 29
4- لا زكاة للزوج على زوجته الناشز: 29
5- لا زكاة للزوج على زوجته الكتابية: 29
6- لا يلزم في زكاة الفطر أن يكون مَن يُخرِجها صائماً: 29
7- جوازُ التوكيل في إخراج الزكاة: 29
8-حكمُ دفعِ زكاة الفطر إلى الكافر أو الذِّمي: 30
وَأَخِيرًا 31
الفِهْرِسُ 33