بعد قرابة ثلاثين سنة من مرحلة غامضة يسميها تيار المحاربين (وقف إطلاق النار)، ويطلق عليها الساسة (اللاحرب واللاسلم) بينما يتمتع ثلة من المنتفعين منها بنغمة تسميتها مرحلة السلم، وفي مرحلة حرجة من تاريخ حرب التحرير إتسمت بأنتهاج المحتل لسياسات خطيرة ذات بعد إستراتيجي يهدف إلى تشريع إحتلاله لأرضنا، وكان ساستنا أو لنقل أغلبهم يهيم في عالم بعيد عن المعطيات على أرض الواقع، إستيقظ ولاة الأمر ويقول رأي أنهم أرغموا على مغادرة المخدع الوثير وأعلنوا النفير.
كان صوت النداء صداحا وهادرا وقويا، ورغم ضجيج البوق فإنه كان يشبه النغمة الموسيقية لدى عامة الصحراويين لأنهم كانوا عبر العقود الثلاثة قد ملوا وتعبوا من سماع أهازيج وموسيقى أخرى لا علاقة لها بما يطربهم، ويلامس معاناتهم، فهبوا خفافا وثقالا يحملون أكفانهم تلبية لصوت يملأهم الحنين له، ويعلقون الآمال عليه بعد أن كاد اليأس يملأ قلوبهم شوقا للخروج من تلك الدوامة الغامضة.
لا ينبغي النفخ في مكبر الصوت والبدء في تحريك واقع معين إلا بعد أن تكون القيادة قد أجرت دراسات معمقة لهذا الواقع وتوصلت إلى مآلات تغييره وتحريكه، ووضعت على طاولة صنع القرار الخطوات والإجراءات والخطط التي سيتم بها التصرف والعمل وفقا لنتائج التحليل والدراسة،
ولا يطلق النفير إلا وترتبت عنه العديد من المعطيات الجديدة والتداعيات المعقدة، ولا يعلن عنه إلا لتحقيق غايات معينة منها الآني (تكتيكي) ومنها بعيد المدى (استراتيجي)، ويتوقف النجاح في تحقيق مأربه على مدى دراية ووعي واستعداد القائمين على الشأن العام بكل تلك الملابسات، ووجود الإرادة الصادقة والقدرة على التعاطي ومقاومة تأثير النتائج المتوقعة والغير محسوبة الحدوث.
تدخل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب عامها الرابع منذ أن قطعت حبل الصمت الذي طال أكثر مما ينبغي وفق وصف أغلب مؤتمراتها الشعبية العامة خاصة منذ مؤتمرها الحادي عشر، ومن الضروري أن تكون على بينة من ما تم جنيه من هذا الموقف، وهل تسير الأمور وفق ماهو مخطط لها، وهل تم التعامل والتعاطي الموفق مع التداعيات والمعطيات الناجمة عنه.
بقراءة بسيطة للمشهد الصحراوي منذ 13 نوفمبر 2020 إلى الآن يتضح أن هناك إنقسام على التقييم بين من يراه قد زاد تعقيدا وأن النفير مبحوح وغير واضح النبرات، ومن يرى أن الخطوة كانت جريئة وأن ثمارها تنضج ببطء، الفريق الأول يرى أن كل ما يتعلق بالقطيعة مع بند وقف إطلاق النار وماتم إتخاذه من خطوات لم يكن مدروسا بل جاء مفاجئا وبدون تحضير لا قبله ولا بعده، بينما يرى فريق الانتهاء من مرحلة اللاحرب واللاسلم أن الأمور قد نفذت بإتقان وفي الوقت المناسب وأنها تسير بوتيرة متأنية وتحقق الغاية المرجوة منها، ويبقى الفريق الثالث الذي يحب السلم ويسعى إليه ولو على أرض الغير ينظر من بعيد نظرة الصياد إلى الفريسة الغافلة ينتظر اللحظة المناسبة لحصد المزيد من المكاسب.
وفي خضم كل ما سبق، ومحاصرا بموج كالجبال من الآلام والآمال يبقى الشعب الصحراوي يعاني الحرمان من حقه في تقرير المصير، فالمنتظم الدولي الذي إستعانت به البوليساريو بحسن نية أو عن جهل به هو الذي رماها في متاهة الإنتظار، والبوليساريو التي جمعته على تعهد منها بتمكينه منه لازالت الراعي الشرعي الوحيد للتوصل إليه، والحال هكذا يصبح شبيها بحالة من قرر تحدي قمة جبلية شاهقة فصعد الجبل إلى المنتصف وتنبه فجأة إلى أنه لم يتمرن بما يكفي ليواصل إلى القمة، وليس مستعدا لتحمل تبعات الإنزلاق إلى القاع. وبالرجوع إلى أن جبهة البوليساريو تحمل على عاتقها عهدا لهذا الشعب يصبح من المباح التساؤل هل هي قادرة بشكلها الحالي على الخروج من هذه الوضعية؟
حمادي البشير