وكان لدور الداعية الإسلامي الشيخ عبدا لله بن ياسين موجه ومؤسس الدولة المرابطية منذ مطلع القرن الحادي عشر، أهمية كبيرة في تاريخ المنطقة، فبفضله عم المذهب المالكي الصحراء الغربية. كما رسخ المسلمون في بلاد الصحراء أساس نظام اجتماعي متطور وأنعشوا الحياة الاقتصادية هناك، وخاصة تجارة الذهب من مالي التي كانت تعرف في ذلك الوقت باسم السودان.
وتوالت الهجرات العربية إلى الصحراء الغربية خلال الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر. فوصلت إليها قبائل من بني حسان وبني هلال عن طريق مصر وتغلغلت بواسطة سيطرتها في منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب ومجمل أراضي موريتانيا. وبفضل شدتها تزايد نفوذها وطبعت المنطقة بطابعها العربي الإسلامي المميز.
عرف الصحراويين قديما بنظامهم المتميز والمتمثل في مجلس ايت أربعين، بمعنى حكم الأربعين، وهو عبارة عن مجلس لأعيان القبائل تتم العضوية فيه على أساس الترشيح القبلي ورئاسته متداولة بين الأعضاء، وتصدر قراراته بالإجماع طبقا للأعراف والتقاليد وعلى قاعدة الشريعة الإسلامية.
أيت أربعين هي السلطة العليا التي تضم في تشكيلتها وجهأ الأعيان من المجتمع الصحراوي الذين يتم تفويضهم لتمثيله. ويقوم المجلس بسن القوانين الملزمة للجميع ويسهر على الدفاع عن الوطن، تأمين المراعي، حضانة أبار المياه، الحفاظ على ألاماكن الصالحة للحرث والإشراف على توزيعها وحدود التماس مع الجيران. كما أنه مفوض للتفاوض باسم المجتمع. وقد تختلف التأويلات لمعنى الاسم ( ايت أربعين ) أو مجلس الأربعين كما يسميه البعض، فهناك من يرى أن الاسم يدل على عدد الأعضاء حيث أنه كان يتكون من أربعين عضوا. وهناك من يرى أن كلمة أربعين مرتبطة بعمر العضو حيث لا تمكن العضوية في المجلس إلا بعد بلوغ سن الأربعين.
وهناك الكثير من المراجع تشير إلى تراث ايت أربعين المكتوب، ومنها ما ذكره الاسباني خليو كاروباروخا في كتابه دراسات صحراوية وكتاب جامع المهمات لمؤلفه المرحوم محمد سالم لحبيب الحسين، ونورد هنا نموذجا من التشريع الذي تبنته أيت أربعين في وثيقة مؤرخة في 24 ذو الحجة 1165 هجرية، والتي يؤكد فيها المجلس على انه من بين الأسباب التي دعت إلى قيامه:
1 ـ إقامة حدود الله.
2 ـ عدم وجود سلطان في الأرض غير سلطان القبائل.
3 ـ أهمية السلطة لما توفره من أمن وحماية للجميع.
وفي ما يلي مقتطفات من الوثيقة المذكورة: … (وجعلوا أيضا فرائض فرضوها على من تحدى وخالف ما هو الأصلح بهم عقوبة له إذ لا يردع ولا يجزا إلا بها). ونذكر من بين هذه العقوبات ما يلي:
1 ـ من أتلف حرث غيره فعقوبته 5 مثاقيل فضة.
2 ـ من سل مكحلة ( من اشهر سلاح ) في وجه أحد فعقابه خمسة مثاقيل فضة، وإن جرحه فابن لبون من الإبل.
3 ـ من أكل أموال أخر ظلما فعقوبته وعقوبة من يساعده أبن لبون من الإبل لكل واحد ويرد للمظلوم ما أخذ منه.
4 ـ من منع الشريعة ( أي دعاه القاضي ولم تستجب ) يغرم بعشرة مثاقيل فضة.
5 ـ كل قبيلة تعلن العداوة لقبيلة أخرى تدفع عشرة نوق (عشراوات).
هذه البنود القانونية التي يعود تاريخها إلى أكثر من قرنين ونصف من الزمن تبرهن أن الصحراويين لا يقبلون الفوضى ويرفضون شريعة الغاب. وكل دارس متأني سيجد أنها تمجد الإنسان والقيم الأخلاقية وتكتسي طابع شمولي وارتباط عميق بالشريعة الإسلامية الحنيفة كمرجع أساسي وعادات وتقاليد شعب عربي نبيل في تعامله ومعاملاته كعماد وركيزة ثابتة.
وبالرغم من صعوبة الظروف الطبيعية وتخلف وسائل الحياة عموما، قاوم الشعب الصحراوي العديد من المحاولات الأجنبية التي سببها الطمع في القوافل التجارية قديما والبحث عن مواقع استراتيجية على شوا طي أفريقيا التي اتجهت إليها الأنظار بعد النهضة الأوروبية ونظرا للأهمية الاستراتيجية للصحراء الغربية والمتمثلة في :
1 ـ موقع جغرافي يربط إفريقيا بأوروبا.
2 ـ قربها من جزر الكناري الاسبانية.
3 ـ شوا طي غنية بمختلف أنواع الأسماك.
4 ـ قنطرة عبور للقوافل التجارية شمالا وجنوبا.
هذه الأسباب وغيرها تفسرها المحاولات الاستعمارية المتتالية على الصحراء الغربية، على مر القرون الماضية.