تشير الوثائق والمراجع التاريخية الى ان اول علاقة لحركة الاستعمار الاوروبية بالصحراء الغربية تعود إلى القرن الخامس عشر ميلادي، عبر مملكتي قشتالة والبرتغال لكن أي من هاتين المملكتين لم تعمل على استعمال قوة حقيقية من اجل السيطرة او التواجد الاستعماري الدائم في المنطقة واكتفيا بإقامة موانئ على الساحل، مخصصة لتجارة "العبيد" التي كانت رائجة انذاك.
ومع توالي وصول البعثات الاستكشافية الأوروبية إلى الصحراء الغربية، ازداد الاهتمام الأوروبي بها، كمنطقة استراتيجية واقتصادية ومع هذا الاهتمام راجت تجارة الذهب وريش الطيور والصمغ العربي ويرجع المؤرخون ظهور أوائل الإسبان على سواحل الصحراء الغربية، الذين انطلقوا من جزر الكناري للقيام بالنشاطات نفسها التي قام بها البرتغاليون سنة 1444 حيث تم بناء أول مركز إسباني في الصحراء الغربية العام 1478م، ودخول بعثات استكشافية كنارية الى الصحراء الغربية في العام 1572م.
وترجح بعض المصادر أن علاقة إسبانيا بالمنطقة بدأت منذ سنة 1525، حيث كان البحارة الكناريون يقومون بالتبادل التجاري مع سكان الساقية الحمراء ووادي الذهب، وبفضل هذا الاحتكاك أصبح بعض السكان على إلمام نسبي باللغة الاسبانية. ـ
وهناك محاولات توغل مستمرة في المنطقة واستيلاء على بعض مناطق النفوذ فيها لعدد من الدول نذكرها وفق التسلسل الزمني، المغاربة 1583، احتل الهولنديون إقليم وادي الذهب (Rio de Oro) سنة 1638وهي التي سيتحكم فيها الإنجليز بشكل مؤقت عام 1665م وفي سنة 1727 سلم الهولنديون الإقليم إلى الفرنسيين.الإيطاليون 1869، عودة الإنجليز سنة 1872 ، البلجيكيون 1875، الفرنسيون 1880، الألمان 1883، الاسبان 1884.
وتعتبر سنة 1767 مفصلية في تاريخ الصحراء الغربية حيث تم توقيع معاهدة مراكش بين السلطان المغربي محمد بن عبد الله والملك الإسباني كارلوس الثالث، التي يقر فيها السلطان المغربي بأن لا سيادة له بعد واد نون جنوبا.
وتشير الوثائق التاريخية إلى اتفاقيات جرى إبرامها بين سنتي 1767 و1895، وتضمنت بوضوح أنّ ملوك المغرب القدامى كانوا يعترفون باستقلال أرض الساقية الحمراء ووادي الذهب عن المملكة المغربية وتشير نفس الوثائق الى أنّ الفترة المُشار إليها شهدت بروز قبائل الصحراء الغربية وتصديها للقراصنة الإسبان، ما دفع بإسبانيا للطلب من العاهل المغربي حينذاك “ محمد بن عبد الله” للتوسط لدى قبائل الصحراء الغربية، وهو ما جرى تتويجه باتفاقية للسلم والتجارة تمّ توقيعها بتاريخ 28 ماي 1767، عُرفت بمعاهدة مراكش ووقّع عليها ملك إسبانيا دون كارلوس الثالث والعاهل المغربي محمد بن عبد الله، وأقرّ فيها السلطان المغربي بأن لا سيادة له بعد “وادي نون”، وتلا ذلك عدة اتفاقيات أخرى بين عامي 1799 و1845 .
وعرف الشعب الصحراوي قديما بنظام متميز عرف بمجلس "ايد اربعين" او “آيت أربعين”، ويعني حكم الأربعين، وهو عبارة عن مجلس متكون من أعيان القبائل الصحراوية، تتم العضوية فيه على أساس الترشيح القبلي ورئاسته متداولة بين الأعضاء، ويصدر قراراته بالإجماع طبقا للأعراف والتقاليد السائدة ويتخذ من الشريعة الإسلامية مرجعية دينية ومصدرا للتشريع وتأسس هذا المجلس سنة (1752م 1165ه).
وكان هذا المجلس هو السلطة الفعلية والعليا في الصحراء الغربية، اضطلع بعديد المهام التي من بينها سنّ القوانين والسهر على الدفاع عن المجتمع واراضيه وممتلكاته وفض الخلافات بين المتخاصمين افرادا وجماعات، وتأمين المراعي وآبار المياه، الحفاظ على الأماكن الصالحة للحرث والإشراف على توزيعها وحدود التماس مع الجيران، كما أنه مفوض للحديث باسم الشعب مع الكيانات المجاورة والاجنبية وفق نظم وقوانين تم الاتفاق عليها وعقوبات وزواجر لمن خالفها.
وتقوم الجماعة او ايت اربعين مقام الحاكم في إقامة حدود الله.ومتابعة تطبيق العقوبات التي تشمل السرقات والاعتداء بالسلام والنزاعات على الاراضي والمراعي والمياه وانتهاك الحرمات واكل اموال الغير بالباطل وغيرها من القضايا التي كانت تشغل الاهتمام في ذلك الوقت، وقد ساهمت الجماعة في صيانة وحدة الهوية للشعب الصحراوي وحدوده الجغرافية من الاطماع الخارجية او الذوبان في الممالك والدول المجاورة.
ومع نهاية القرن الرابع عشر، وصلت جماعات من البرتغاليون والاسبان إلى شواطي الصحراء الغربية يحذوهم الأمل في الهيمنة على الطريق التجارية الصحراوية والسيطرة على منجم الذهب في مالي، وقد واجهتهم القبائل الصحراوية. ثم كان الاتفاق الأسباني ـ البرتغالي المعروف بمعاهدة ( ترويسياس) وفيها حصلت إسبانيا على حق إخضاع المنطقة الصحراوية.
وتجدد الاهتمام الاوروبي بمنطقة الصحراء الغربية مع القرن التاسع عشر، خلال "الصراع حول إفريقيا" الذي خاضته مختلف القوى الاستعمارية الأوربية سنة 1849، حبث وضع مؤتمر برلين اللبنات الاولى لتقاسم إفريقيا، وفيه اقر الأوروبيون لأسبانيا بحقها في استعمار إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب. وبذلك حصل الأسبان على ما كانوا يحتاجونه لتشريع احتلالهم للصحراء الغربية، حيث أعلنت الحكومة الإسبانية في شهر ديسمبر من تلك السنة، فرض الحماية على مناطق واد الذهب والخليج الغربي للصحراء الغربية، لتؤسس مستعمرة لها في الداخلة سنة 1885، أطلقت عليها Villa Cisneros وهو اسم اول مستوطن يستقر بها.
لقد تم رسم حدود الصحراء الاسبانية الواقعة تحت سلطة إسبانيا من خلال سلسلة من الاتفاقات الفرنسية ـ الإسبانية خلال الفترة التي سبقت 1912، إذ طالبت إسبانيا بالحصول على الساقية الحمراء ووادي الذهب، وفرض الحماية على اقليم طرفاية شمال الصحراء الغربية، لكن وبالرغم من ذلك كانت إسبانيا عاجزة عن السيطرة على كل المنطقة الصحراوية التي منحت لها، فحتى سنة 1916، بقيت Villa Cisneros، الموقع الأكثر تقدما لأسبانيا في المنطقة وخلال سنة 1916 سيطرت إسبانيا على طرفاية، ومن ثم، سنة 1920، أقامت مستعمرتها الثالثة في منطقة الكويرة.
وبالرغم من التنافس الاوروبي المحموم على الصحراء الغربية، ومحاولات التوطين والسيطرة، إلا ان المقاومة الصحراوية لم تخمد وظلت تؤرق المستعمرين وتغذي حالة الامتعاض السائدة من التواجد المشبوه لهم.
ومع بروز حركات التحرر الوطنية، وبداية المد التحرري الذي اجتاح العالم الثالث، صنفت الصحراء الغربية كواحدة من حالات تصفية الإستعمار في العالم، حيث تم إدراجها في جدول أعمال الأمم المتحدة منذ عام 1963 عندما وُضع الإقليم، المعروف آنذاك باسم الصحراء الإسبانية، على قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المتمتعة بالإستقلال الذاتي تحت البند الحادي عشر (XI)من ميثاق الأمم المتحدة. وقد كان إدراج الصحراء الغربية في قائمة تلك الأقاليم التي تعرضت شعوبها، للهيمنة الاستعمارية الأجنبية، بمثابة إعتراف بالشعب الصحراوي كشعبٍ مُستعمَر، وبالتالي إعترافا بحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال. ولهذا السبب، ظلت الجمعية العامة للأمم المتحدة تدعو باستمرار إلى ممارسة الشعب الصحراوي لهذا الحق وفقاً لقرار الجمعية العامة 1514 (XV) لسنة 1960،الذي تضمن إعلان منح الإستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.
وتماشيا مع لائحة الجمعية العامة 2625 (XXV) التي تعتبر أن "أية حيازة لإقليم عن طريق التهديد أو إستخدام القوة، أمرا غير قانوني"، ولهذا لم تعترف الأمم المتحدة قط بشرعية ضم المغرب لأجزاءٍ من الصحراء الغربية، وهو الشيء نفسه الذي ينطبق على موقف منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليا)
وفي إطار قرار الجمعية العامة 50/40، بدأ رئيس منظمة الوحدة الأفريقية والأمين العام للأمم المتحدة عام 1986 وساطة مشتركة بهدف الحصول على موافقة طرفي النزاع (جبهة البوليساريو والمغرب) على خطة تسوية يكون هدفها الرئيسي تمكين شعب الصحراء الغربية من ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال، وهكذا أعدت الأمم المتحدة بالإشتراك مع منظمة الوحدة الأفريقية خطة للتسوية قبلها الطرفان؛ جبهة البوليساريو والمغرب، في 30 أغسطس 1988 وتبنتها قرارات مجلس الأمن الدولي 658 (1990)، و690 (1991).
وتنص خطة التسوية على بدء سريان مفعول وقف إطلاق النار، يليها "تنظيم إستفتاءٍ بدون أية قيود عسكرية أو إدارية لتمكين شعب الصحراء الغربية من ممارسة حقه في تقرير المصير بالإختيار بين الاستقلال أو الاندماج مع المغرب"[الفقرة 1. S18.2130/ يونيو 1990]
وتعزيزا لموقف جبهة البوليساريو جاء الرأي القانوني لمستشار الأمم المتحدة للشؤون القانونية الصادر عام 2002 ليؤكد بوضوح بأن المغرب لا يمارس أية سيادة أو سلطة إدارية على الصحراء الغربية. كما أكد الرأي القانوني الصادر في 2015 من قبل مكتب المستشار القانوني لمفوضية الاتحاد الإفريقي على أنه "بما أن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية عضو مؤسس للإتحاد الافريقي، فيجب على جميع الدول الأعضاء في الإتحاد الافريقي الأخذ بعين الإعتبار مبادئ وأهداف الإتحاد الافريقي وخاصة ما تعلق بضرورة الدفاع عن سيادة وإستقلال إقليم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية". نفس هذا الرأي القانوني أكد بأن "المغرب ليس قوة مديرة لإقليم الصحراء الغربية طبقا للبند 73 من ميثاق الأمم المتحدة، ولا يمتلك السيادة على الصحراء الغربية وعليه فإن قضية الصحراء الغربية تبقى قضية تصفية استعمار معلقة ويجب حلها تماشيا مع لائحة الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514 (XV)" .
وعلاوة على ذلك يأتي الحكم التاريخي الذي أصدرته محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2016 الذي قضت فيه بأنه وفقا لمبدأ تقرير المصير ـ لا يمكن أن يُدرج الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية، بأي شكل من الأشكال، الصحراء الغربية في علاقاتهما التجارية دون موافقة مسبقة من الشعب الصحراوي. وفي 27 فبراير 2018، أصدرت نفس المحكمة حكمًا آخر يثبت بشكل قاطع أن الصحراء الغربية ليست جزءًا من المغرب، وأن الاتفاقات المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لا يمكن تطبيقها على أراضي الصحراء الغربية أوعلى مياهها الإقليمية.
وامام هذه الحجج والبراهين القانونية حاول المغرب تقويض العملية السياسية ووضع العراقيل امام بعثة الامم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية، بطرد المكون الاداري والسياسي تمهيدا لخرق وقف اطلاق النار والإتفاق العسكري رقم1 الموقع في 24 ديسمبر 1997 ، بين الجنرال بوراند لوبنيك عن بعثة المينورسو وإبراهيم غالي عن جبهة البوليساريو من جهة ، وبين بعثة الأمم المتحدة والمغرب في 22 يناير 1998 من جهة اخرى والتوسع نحو المزيد من الاراضي المحررة وهو ما عطل بشكل كلي عمل البعثة الاممية ونسف اتفاق وقف اطلاق النار بالهجوم العسكري على المدنيين الصحراويين المحتجين امام ثغرة الكركرات في 13 نوفمبر2020 وتحويل هذه الثغرة غير القانونية بالمنطقة العازلة إلى معبر للصادرات إلى موريتانيا ودول غرب إفريقيا وممرا للمخدرات ونهب خيرات الشعب الصحراوي.... يتبع
إعداد : حمة المهدي
ــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض المراجع:
وثائق تاريخية موثّقة تكشف:ملوك المغرب القدامى اعترفوا بالصحراء الغربية، مجلة الشروق الجزائرية، 2016/03/13
جامع المهمات، محمد سالم بن لحبيب بن الحسين بن عبد الحي، تحقيق وتقديم مصطفى ناعمي، 21 يونيو1940م ص 83
ـ "النشرة الماركسية العالمية" لعام 2002
مذكرة حول قضية الصحراء الغربية صادرة عن وزارة الخارجية الصحراوية يونيو 2018