تابعت مثل جميع الصحراويين التغريدات (النعيق) التي صدرت مؤخرا عن كل من الإعلامي والمحلل السياسي الفلسطيني عبد الباري عطوان، والإعلامي الفلسطيني في قناة الجزيرة جمال ريان وغيرهما من الفلسطينيين، بعد زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الأخيرة إلى المملكة المغربية. وعبر عطوان أنه مصدوم من المغرب مع كثير من الكلام والتحليل الحشو الذي لا يغير شيئا بالنسبة لمواقف الرجل الحربائية من القضية الصحراوية، وظهر ريان ممتعضا في تغريدته على تويتر بكلمات قليلة لن تشفع لكلماته النابئة التي وصف بها نضال الشعب الصحراوي مباشرة على الهواء عندما أدار حلقة نقاش قبل سنوات على قناة الجزيرة غير المتزنة.
لم يكن العرب عموما شعوبا ونخب منصفين لشعبنا في نضاله مع إستثناءات قليلة، والجامعة العربية هي المنظمة الوحيدة التي لا تناقش القضية الصحراوية رغم الإنتماء الذي لا يبدو مشرفا. وعبر تاريخ الكفاح المرير للشعب الصحراوي من أجل الحرية وتقرير المصير، وهي نفسها مطالب الشعب الفلسطيني، لم يكن الإخوة في فلسطين خاصة السلطة والنخبة ذوي مواقف مشرفة من نضال الشعب الصحراوي تليق بثوار مثلهم رغم التطابق حد الكمال بين القضيتين والتطابق حد التماهي بين القرارت الأممية ومعطيات القانون الدولي المتعلقة بهما، وهنا لا يمكنني أن أعتبر عامة الشعب الفلسطيني قد تعاملت مع مأساتنا بمثل تلك الرعونة التي يتصرف بها قادته ورموز نخبته، فربما كان الشعب الفلسطيني غارقا هو الآخر في حربه ضد إسرائيل ولم يجد فرصة للتعبير عن موقفه من القضية الصحراوية.
وللتاريخ، أسرد هنا مجموعة من المواقف التي لاتشرف الفلسطينيين رموزا ونخبة من كفاح الشعب الصحراوي:
- كان ياسر عرفات من ضمن الزعماء الأكثر إلحاحا على جنوب أفريقيا بعدم الإعتراف بالجمهورية الصحراوية، وكثيرا ما تململ وتردد في مصافحة الرئيس الصحراوي في عدة لقاءات حضراها معا.
- في الكثير من الفعاليات والمنابر، وفي عدة طبعات من مهرجانات دولية للشباب العالمي (جنوب أفريقيا/الجزائر/فنزويلا)، وهو منبر معروف للنضال من أجل حقوق الشعوب تجرأت الوفود الفلسطينية للوقوف إلى جانب الوفود المغربية وترديد شعارات معادية لحرية الشعب الصحراوي، وأكثر من ذلك حملوا العصي والهراوات نصرة للمغرب في عراكه مع ممثلي الشعب الصحراوي.
- حماس (وكنا نأمل منها القليل من الإعتبار الديني على الأقل لشرعية كفاحنا بعد إستحالة الإعتبار السياسي) أعلنت وبدون حياء وفي واضحة النهار وفي وثيقة رسمية رفضها لتأسيس جمعية فلسطينية للتضامن مع نضال الشعب الصحراوي، وهو أمر مسموح في جميع بقاع العالم عدا الدول العربية.
- في مقر الأمم المتحدة، حيث تستند القضيتين الفلسطينية والصحراوية إلى شرعيتهما، تجرأت ممثل دولة فلسطين لدى المنظمة أن تطلب من ممثل دولة تيمور الشرقية أن يحذف من خطابه الفقرة المتعلقة بمطالبة بلده بكفالة حق تقرير المصير للشعب الصحراوي. عجبا يا لها من وقاحة.
- في ندوة دولية في السويد، تجمع الكثير من الأحزاب الإشتراكية وحركات التحرر وموضوعها مسؤوليات الأمم المتحدة عن إستكمال تقرير المصير عبر العالم، كان ضيف الشرف قائد ورمز فلسطيني، تعمد عدم الإشارة إلى إقليم الصحراء الغربية بصفته أكبر إقليم لم يحظ بهذا الحق رغم وجود الخريطة أمامه، مما حذا بممثل الصحراء الغربية في الندوة إلى تنبيهه لذلك، وإمعانا في العزة بالإثم لم يذكر الإقليم أمام المنتدبين وأكتفى بإبتسامة أفعى صفراء مسمومة وكلمة نعم وواصل حديثه السمج الذي يرى فقط حقه ولا يرى حقوق الآخرين.
- لم يذكر التاريخ حتى هذه اللحظة (حسب علمي وإطلاعي) أن مسؤولا من فلسطين تكبد عناء الإشارة إلى عدالة القضية الصحراوية في اي محفل مهما كان مع عدم إغفال الزيارة التاريخية للقائد الفلسطيني جورج حبش للدولة الصحراوية 1979 والتي لم يتبعها أثر ملموس. وبالمقابل كثيرا ما صدح الشعب الصحراوي مسؤولين ونخبة وعامة بنصرة الحق الفلسطيني، وكثيرا ما وضع النشطاء الصحراويين الكوفية الفلسطينة على رقابهم نصرة لفلسطين، وما سلف كان الجزاء.
- بعد الإعلان عن التطبيع القديم الجديد بين المملكة المغربية ودولة إسرائيل، ظهرت الآف التصريحات الإستنكارية والمنددة من فلسطين مسؤولين ونخبة وعامة وتطرقت إلى الأبعاد اللامتناهية والخطيرة لهذا التطور المشين، ورغم حضور المبرر الذي لا غبار عليه لم يجرؤ أو يبادر أي فلسطيني إلى ذكر القضية الصحراوية والتعبير عن نصرة الشعب الصحراوي الذي يناضل ضد المملكة المغربية التوسعية.
هذا بالتأكيد غيض من فيض من تنكر الإخوة في فلسطين وغيرهم من العرب لحق الشعب الصحراوي في الحرية وتقرير المصير، وليس هناك مبرر ولا أساس يقبل العذر في ذلك، فالقضية الصحراوية واضحة شرعا وقانونا، وإذا كان دعمها يجوز فسيكون الفلسطينيين الأكثر تأهيل لذلك الدعم نظرا للتشابه الكبير بين القضيتين. أمر محير ومقزز ما يقوم به البعض من النخبة في فلسطين تجاه كفاحنا وحقنا في الحرية، كان الأجدى على الأقل أن يطبقوا أفواههم وإن لم يناصروا الحق فلا يعينون على الظلم.
وبالعودة إلى عطوان وريان وهما الأكثر نعيقا ضدنا أتساءل بحرقة، هل شعرا الآن فقط بخطورة إسرائيل، هل تطلبت إستفاقتهما كل هذا الوقت ليتعرفا على حقيقة الوجه الآخر للمملكة المغربية ونظامها المخزني. لن ينسى الإنسان الصحراوي كأي مظلوم في الأرض من أعانه ومن أعان عليه، ولا نتذكر من عطوان إلا التنكر، ولا من ريان إلا كلماته الدنسة حول كفاحنا والشعوب جزء من التاريخ ليس فيهما من ينسى.
حمادي البشير