لم تضع الحرب أوزارها بعد في الصحراء الغربية؛ فالعدو المغربي لا يزال يعد العدة على مختلف المستويات، لأنه يدرك أن الوضع الحالي، هو وضع دون الحرب وفوق السلم؛ إنه وقف لإطلاق النار، بدأت معه معركة من نوع آخر، معركة ناعمة وهادئة وبعيدة المدى أسلحتها هي الأيديولوجيا، والإعلام، والدبلوماسية، والأفكار، والإشاعة… إلى غير ذلك من أدوات الحرب النفسية.
في هذا المقال سأحاول التعريف بالحرب النفسية، مع إيراد شواهد من التاريخ تبين أن هذا الشكل من الحروب هو جزء لا يتجزأ من الحرب باعتبارها فعلا بشريا يستخدم فيه الإنسان كل طاقاته العقلية لتحقيق أهدافه في النصر؛ على أن أسلط الضوء في مقالات قادمة على دور شبكات التواصل الاجتماعي في الحرب النفسية وما ارتبط بها من ظواهر مثل الأخبار المزيفة.
ترتكز الحرب النفسية على إرهاب الخصم لتقليص إمكانيات نجاحه في المعركة؛ إنها تسعى من جهة لشل قدرات العدو، وهزيمته حتى قبل نشوب الحرب، ومن جهة أخرى فإنها تسعى لكسب “عقول وقلوب” الرأي العام الوطني، بل حتى الرأي العام في الدولة الخصم.
إن الحرب لا يتم حسمها في الخنادق فقط أو من الجو من خلال طائرات وصواريخ دقيقة؛ بل يجب حسمها أيضا في عقول مواطنينا الصحراويين وحتى عقول المواطنين المغاربة.
نجد في التاريخ شواهد على مدى فاعلية البعد النفسي في كسب المعركة، فالإنجيل مثلا يتحدث عن شخصية محارب تاريخي يسمى جدعون، الذي أقصى 25.000 جندي من أصل 40.000 من جنود جيشه، وذلك عقب اعترافهم بعد سلسلة من التحقيقات بخوفهم من الحرب؛ لقد كان المعيار النفسي هو الحاسم في عملية انتقاء المحارب جدعون للجنود الذين لهم استعداد نفسي ومعنوي لخوض المعركة.
أما المثال الكلاسيكي الذي يوضح أهمية العوامل النفسية وتطبيقها في المعركة، فيظهر في كتابات الاستراتيجي الصيني سون تزو سون Sun Tzu Sun، الذي تحدث عن إمكانية هزيمة العدو “دون إطلاق رصاصة واحدة”؛ ونجد أيضا مثالا آخر في حروب جنكيز خان، الذي تمكن من إضعاف إرادة القتال لدى الخصم من خلال ترويج إشاعات عن قوة جيشه وقدراته التي لا يستهان بها، وقد كانت خطته سهلة، وبارعة، وفعالة.
يرادف مصطلح حرب الأعصاب مصطلح حرب الإشاعة، الذي كان أحد المصطلحات التي استعملها الجنرال الأرجنتيني خوسيه دي سان مارتين Jose De San Martín، الذي يعتبر أحد رواد الحرب النفسية المعاصرة؛ لقد تمكن سان مارتين من إدارة المعركة النفسية ضد خصومه في البيرو، واستطاع بذلك الوصول للعاصمة ليما دون إطلاق رصاصة واحدة، مع فقدان القليل من جنوده في معارك محدودة، ومعزولة، ودون أهمية تذكر، مقارنة بالمعركة النفسية التي اعتبرها الجنرال الأرجنتيني هي أم المعارك.
لقد أصبحت العمليات النفسية جزءاً لا يتجزأ من الحرب بين الجيوش ابتداء من الحرب العالمية الأولى، فكل الدول المنخرطة في الحرب استخدمت جميعها تقريبا نوعا من أنواع الدعاية في استراتيجياتها وتكتيكاتها، وأغلب تلك الدول جهزت وحدات عسكرية متخصصة في الحرب النفسية.
وأثناء الحرب العالمية الثانية أصبحت الأنشطة الدعائية تعرف بـ”العمليات النفسية” أو “الحرب النفسية”.
يمكن القول أن قصف طوكيو بعد استهداف قاعدة بيرل هاربور من طرف اليابانيين، كان رد فعل يدخل في إطار الحرب النفسية؛ لقد كان انتقاما شرسا انتهك فيه الأمريكيون كل ما هو مقرر في القانون الدولي الإنساني، إلا أن قصف مدينتي هيروشيما وناكازاكي بالقنبلة الذرية في غشت سنة 1945 كان حدثا مرفوضا بشكل قاطع من طرف العالم، لأنه لم يكن مبررا على الإطلاق.
إن العامل الأساسي الذي أدى بأمريكا للقيام بتلك الأفعال الصادمة، كان إبراز تفوقها التكنولوجي والعسكري، في إطار خطة ردع بعيدة المدى، يشعر فيها الخصم بعدم القدرة المطلقة على تحقيق النصر.
أما في حرب فيتنام فقد اجترح الأمريكيون مصطلحا جديدا في الحرب النفسية وهو “معركة كسب عقول وقلوب الفيتناميين”.
لقد بينت الحروب المعاصرة أن الحرب يتم حسمها بالمزج بين أشكال ومناهج متعددة من النضال، بمعنى أن الدفاع عن الوطن والانتصار على الخصم لا يتم من خلال المعارك المسلحة، بل لا بد من تفعيل أشكال مواجهات أخرى، من قبيل المعارك السياسية، والأيديولوجية، والنفسية، وكل أشكال المعارك غير النظامية.
.........
بقلم: ناجي محمد منصور
الرسم المرفق لصفحة "المجد" الإلكترونية