حين تتحرك عقارب الزمن وتقف ولو لبرهة عند الرقم 18 تتوقف معه الذاكرة الصحراوية عند هذا الحدث انه حدث فقدان الفقيد محمد سيد إبراهيم بصيري ذلك الرجل الذي قدر له مع قصر عمر حركته أن يوقد للصحراويين مشعل الثورة رغم ظلام المنطقة آنذاك وضبابية المشهد فيها وان يفك خيوط العنكبوت التي نسجتها اسبانيا وتمسكت بها سنين عديدة لتجهيل شعبنا واحتلاله.
لم يكن بصيري إذن رجلا عاديا بل كان استثنائيا في تاريخ شعبه وحادثة لن تتكرر في التاريخ فقد كان نادر زمانه وعملاق من عمالقة الفكر والسياسة الصحراوية , انه بالفعل لن يتكرر كان يستطيع ان يعيش كأي إنسان عادي ولا يدونه التاريخ لكن الرجل أراد ان يثور ويقود .. أراد أن يثأر لشعب يئن تحت وطأة القهر والفقر والجهل .. أراد أن يجتث شعبه من براثن الاحتلال البغيض انه بإرادة حقيقية أراد ان يخلد في ذاكرة شعبه... كان يريد ان يقول لنا انه يريد أن ينقش اسمه في قلب كل صحراوي ففعل , كان يريد ان يقول انه لن يعود انه لن يتكرر فعاد من جديد ثائرا ومناضلا وملهم شعب فظل يتردد اسمه على كل الشفاه رغم ان الكثير منها لم تره ولم تلقاه.
أين بصيري؟
تضاربت الروايات حول مصير الرجل فبعضها انه فقد والبعض الأخر انه استشهد تحت التعذيب , لكن من يصدق هذه أو تلك , فالرجل لم يقد للمحاكمة ولم يعرف له مصير واسبانيا لم تقدم عنه أي معلومة سوى صورة له يحمل رقم السجن أو بعض الروايات التي تقول انه سلم للمغرب .
لا احد في اسبانيا يتجرأ على قول الحقيقة ولكنها ستقف يوما ما أمامهم عارية الصدر لتقول أين بصيري ... لا احد يعرف شيئا والعيون لا تعرف عنه أيضا اللهم إلا السجن لكحل الذي وقف فيه مكبلا بين جدرانه شامخا كالجبل لكن متى ستنطق جدران هذا السجن ؟ هل سننتظر هذا النطق المستحيل أم أن اسبانيا لابد أن تترجل وتزيل عنها مساحيق التكتم بعد أن حصحص الحق وان لها أن تنصف الرجل وتخبر شعبه قبل أن ينطق السجن لكحل أو سجن تينيريفي....؟
كلنا يعرف أن ب صيري رحل كلمح البصر وجدران السجن لن تنطق بحقيقة ما جرى والجلادون ذهبوا إلى مزبلة التاريخ واسبانيا أيضا لاعتبارات سياسية لن تبوح بشيء , هل فعلا انه مازال حيا في السجن يطفئ شموع عمره ويمضغ السجن أحلامه مضغا أم انه عذب حتى الاستشهاد نظرا لخطورته على اسبانيا كونه كشف حقيقتها وعراها أمام الزملة وتبعه شعبه ؟
الشيء الأقرب للتصديق انه استشهد تحت التعذيب واليوم اسبانيا مطالبة أمام ضميرها ومسئولة سياسيا وأخلاقيا للكشف عن مصير الفقيد والاعتذار لشعبه كونه زعيم يدين له شعبه بالكثير كونه أول سياسي زرع بذور الوعي في شعبه وفضل السجن والاختفاء و الاستشهاد وفضح اسبانيا بعد أن ظلت تردد أنها لن تترك الصحراويين.
بقلم : الشاعر محمود خطري