هل يمكن أن يصدق أحد أن أجهزة الإستخبارات المغربية قد تكون متورطة في التخطيط لعمليات إرهابية، أو حتى في تنفيذها؟؟
وبالرغم من غرابة هذا السؤال وما قد يعنيه، إلا أن هناك إشارات قوية، وشهادات لا يمكن تجاوزها تدل على أن هذه الأجهزة قد قامت على الأقل بمحاولة إرغام معتقل سياسي صحراوي إسمه محمد الديحاني، على العمل تحت إمرتها للقيام بعمليات إرهابية واتهام "القاعدة والبوليساريو" بالمسؤولية عنها، عمليات وجرائم كان من المنتظر ارتكابها بمدينة العيون، عاصمة الصحراء الغربية الواقعة تحت احتلال المغرب منذ سنة 1975. والفكرة كانت بخلاصة أن يقبل هذا الشاب التورط، ويتم اعتقاله في عملية مسرحية مغطاة إعلاميا بشكل واسع كما تعودت المخابرات القيام به لإشهار العمليات التي تنظمها من حين لآخر لزعزعة الراي العام المغربي والدولي. ثم يقوم بعد الإعتقال بالإدلاء بتصريحات تتهم صراحة جبهة البوليساريو بأنها تقف وراءه، وانها هي من يعطيه التعليمات، وكل هذا يستهدف صورة الكفاح السلمي والمشروع للشعب الصحراوي ضد استمرار احتلال بلاده، وتشويه صورة جبهة البوليساريو كحركة تحرير تتعاطى بإيجابية مع المنتظم الدولي والأمم المتحدة منذ سنة 1991 لحل نزاع الصحراء الغربية على اسس سلمية، ووفقا للقانون الدولي.
ولم يكن لهذه القصة أن تكشف للرأي العام لو أن محمد الديحاني كان قد انهار وخضع للتعذيب والإبتزاز في زنازين سجن "تمارة" السري جنوب مدينة الرباط، حيث قضى 6 أشهر في حالة اختفاء قسري منذ اختطافه يوم 28 أبريل 2010. ويبدو أن المعتقل قد تعرض للتعذيب والمعاملات المهينة للكرامة منذ اليوم الاول لاختطافه، ولعشرة يام متواصلة ذاق فيها كل فنون "الديمقراطية المخزنية"، قبل أن يعرض عليه جلادوه أن يتعاون معهم ليوقفوا تعذيبه. وقبل محمد أن يتعاون، معتقدا أن الموضوع يتعلق بالحديث عن قناعاته، وتقديم أي معلومات، لكنه فوجئ في اليوم الموالي بتغير تعامل الجلادين معه، حيث قدم له الطعام، وسمح له بتنظيف نفسه إلى غير ذلك، ليجد نفسه في غرفة مع مجموعة من الأشخاص بلباس مدني، وأمامهم على الطاولة جوازات سفر مزورة، ومبالغ هائلة من المال، وبعض الأسلحة.
وكم كان رعب محمد كبيرا حين سمع من أفواه هؤلاء المسؤولين المغاربة وعناصر المخابرات عن الفكرة الجهنمية التي يحيكونها له. لقد طلبوا منه أن يتعاون وأن يقبل بإصدار بيانات باسمه على أساس أنه إرهابي، في حين يتكفلون هم بتنفيذ عمليات إرهابية في العيون المحتلة ضد مقر بعثة الأمم المتحدة، وضد بعض الزوار الأجانب، وضد السجن لكحل، وضد الحزام الناقل للفوسفات إلى آخر ذلك من العمليات التي كانت ستودي بحياة الكثيرين. وكم كان رعب محمد كبيرا، حيث أدرك أن ما يريده هؤلاء هو استعماله في خطتهم الجهنمية هذه قبل التضحية به لاحقا ككبش فداء. ثم أنه لم يكن يوما متعصبا دينيا، لهذا حاول قدر استطاعته إقناع مخاطبيه أنه لا يستطيع القيام بهذا وأن هذه اللعبة أكبر منه بكثير ولن تنطلي على أحد لأنه معروف أنه ليس متعصبا. ورغم الضغط، والتهديد، رفض نهائيا القبول بالمشاركة في هذه الجرائم، وفضل أن يعود للتعذيب وسوء المعاملة على هذا الإنتحار. وفعلا أعيد محمد للتعذيب وظل يعاني منه في سجن تمارة ستة اشهر، إلى غاية يوم 29 اكتوبر 2010، حيث تم تسليمه للشرطة القضائية المغربية، ونقله لسجن سلا2 على اساس أنه اعتقل في ذلك اليوم.
وتم تقديم محمد للمحاكمة بتهم إرهابية سنة كاملة بعد ذلك، يوم 27 اكتوبر 2011، ليعلن أمام القاضي انه اعتقل خلاف ما جاء في المحضر ستة اشهر قبل ذلك، وانه سجن وعذب في المعتقل السري "تمارة" الذي تشير تقارير دولية أنه يستعمل من طرف المخابرات المغربية لتعذيب سجناء سياسيين، وإسلاميين، بما في ذلك لصالح المخابرات الأمريكية وغيرها في إطار ما يعرف بالتعاون في الحرب على الإرهاب، حيث يستفيد العالم من الخبرة المغربية في التعذيب وانتزاع الإعترافات.. لكن القاضي لم يعر تصريحاته اهتماما، ولا نفعت احتجاجات الدفاع، ولا طلباته إجراء الخبرة الطبية على الضحية لتحديد ما إذا كان قد تعرض فعلا للتعذيب كما يقول. وكل هذا مناف للقانون المغربي نفسه، ناهيك عن القانون الدولي. القاضي، وبناء على محاضر الشرطة القضائية المفبركة حكم على محمد بعشر سنوات سجنا نافذا.
أما عن التهم التي تبنتها النيابة العامة المغربية، فقد كانت من الغباء، والسوء بحيث لا تصلح حتى قصصا لفيلم مخابرات رديئ، لكنها هي نفس التهم التي تحدثنا عنها سابقا، الفرق الوحيد أنها حسب المحكمة لم تنفذ بل كانت تحت الإعداد من طرف محمد.
عائلة الضحية، مدعومة من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ومن طرف الجمعية الصحراوية لضحايا الإنتهاكات الجسيمة المرتكبة من طرف الدولة المغربية، نظمت ندوة صحفية يوم 8 مايو 2012 الماضي، برئاسة رئيسة الجمعية المغربية، السيدة خديجة الرياضي، وبمشاركة رئيس الجمعية الصحراوية، ابراهيم دحان، ووالد الضحية، عبد المولى الديحاني، للكشف عن ملابسات القضية للرأي العام وللإعلام المغربي، الذي لم يكتب حرفا واحدا في الموضوع للاسف الشديد كما هو الشأن كلما تعلق الأمر بالكشف عن جرائم نظام المغرب ضد الصحراويين. والد الضحية وابراهيم دحان ذكرا للحضور تفاصيل شهادة المعتقل السياسي، محمد الدحاني، وما جرى معه منذ اليوم الأول.
وخلال الندوة علم الجميع أيضا أنه وبالإضافة إلى الجرائم التي كانت المخابرات المغربية ستنفذ في الصحراء الغربية المحتلة قبل اتهام الديحاني بها، فقد حاول جلادوا المعتقل إقناعه أيضا بتبني عمليات إرهابية بإيطاليا منها واحدة ضد بنك، لأن الضحية كان مقيما بإيطاليا ما بين سنة 2002 و 2008 ويعرفها جيدا.
الضحية كان ايضا قد اكد للعائلة أن الضغوط لم تتوقف يوما حيث مورست عليه وهو في سجن سلا2، مع اختلاف وحيد هو أنه في هذا السجن كان قادرا على الأقل على التواصل مع المعتقلين السياسيين الصحراويين الـ7، الذين كانوا هناك وكان الإعلام الدولي يتابع قضيتهم، بالإضافة إلى أنه تمكن من تمرير شهادته للعائلة ولعدد كبير من الزوار.
وفعلا، فقد تعرض محمد الديحاني للتعذيب وللتنكيل، وحوكم بعشر سنوات سجنا نافذا، ولكن الأخطر من كل ذلك أن قصته وشهادته تدل على أن المخابرات المغربية تلعب بالنار، وأن التحاليل التي كانت تتهمها بالتورط بشكل او بآخر في الإرهاب الذي اندلعت ألسنة لهبه في المنطقة منذ سنوات، كانت تحاليلا منطقية. فيبدو أن عددا من التحاليل والمقالات تحمل الأجهزة المغربية بل والنظام المغربي المسؤولية المباشرة أو غير المباشرة عن عدد كبير من العمليات المشبوهة تتعلق بترويج المخدرات في شمال إفريقيا ودول الساحل وصولا إلى إسرائيل، بل ان كل الإشارات تفيد بسيطرة المغرب على هذه الجارة، وتحكمه في مساراتها، هذا التحكم أعطاه القدرة على الإتصال بعدد كبير من المجموعات الإرهابية التي تلاقت مصالحها مع المهربين، وتجار المخدرات. بل ولا يستبعد بتاتا أن تكون للمخابرات المغربية يد مباشرة في عملية اختطاف الرهائن الثلاثة من مخيمات اللاجئين الصحراويين في شهر اكتوبر 2011، وفي تشكيل المجموعة الإرهابية الجديدة التي لم تظهر إلا بعد هذه العملية لتعلن عن تأسيسها وانشقاقها عن القاعدة التي تبرأت من العملية برمتها آنذاك.
وفي نفس السياق يمكن ايضا وضع عملية اكتشاف اسلحة في أمغالا في الجزء الذي يسيطر عليه الجيش المغربي يوم 5 نوفمبر 2011، اسبوعا واحدا بعد تقديم محمد الديحاني للمحاكمة، والتي حظيت بتغطية إعلامية غريبة وغامضة في نفس الوقت أعلنت فيها وكالة الأنباء المغربية عن اعتقال 27 شخصا متورطا، ثم انتهت العملية كما بدأت دون المزيد من المتابعة.
إن ماساة محمد الديحاني تؤكد وبقوة التصريحات التي أعلنها عبد الحق لعيايدة، مؤسس المجموعة الإرهابية الجزائرية، والذي اعلن للخبر في شهر أغسطس 2007 أنه حين كان في ايدي المغاربة تعرض للمساومة من طرف المخابرات المغربية، التي حاولت إقناعه بأن تدعمه للعودة للجزائر سرا، على أن يقوم بتجنيد طلبة صحراويين، ويبعث بهم للتسلل إلى الحدود المغربية حيث من الفترض إرسالهم للصحراء الغربية للقيام بعملية إرهابية ليتم إعتقالهم من طرف المخابرات المغربية وتقديمهم للإعلام على اساس أنهم مبعوثين من طرف جبهة البوليساريو للقيام بعمليات إرهابية باسمها.
إن المغرب يلعب بنار الإرهاب، لكنه يتناسى أنه سيكون أكثر بلدان شمال إفريقيا تأثرا حينما تنتشر هذه النار في المنطقة لتحرق الأخضر واليابس، كما أن هذه المؤامرات التي تحيكها مخابرات الرباط ضد دول الجوار، والتي تشير أدلة عديدة إلى امتدادها حتى مالي، لا تتماشى بتاتا مع ادعاءات القصر المغربي وحكومته بأنه يريد إعادة إطلاق اتحاد مغاربي، وفتح الحدود مع الجزائر. كما أن تورط المغرب مع فرنسا في عدد من العمليات المشبوهة في إفريقيا، خصوصا في مالي، تدل على أن المغرب قد اختار الوقوف إلى جانب الإستعمار الجديد القديم، لأنه يدرك جيدا أنه دولة احتلال.
-----------------
ملاحظة: تم نشر الموضوع باللغة الفرنسية في جريدة "ليبرتي" الجزائرية
