القائمة الرئيسية

الصفحات

مات إدريس البصري: سقطت شماعة عصر الرعب فمن الشماعة الحالية؟


02/09/2007 

قد يكون الأخ الصحفي مروان سوداح من الأردن مصيبا تمام الصواب حين قال أن الصحافة في المملكة المغربية مخترقة مثلها مثل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني من طرف مؤسسة القصر أو حزب الملك وزبانية المخزن. وليس من محض الصدف يا أخينا مروان إن يصنف المغرب بكل فخر في قائمة الدول التي عرفت تراجعا في حرية الصحافة والكلمة، فهو أصلا لم يدخل في أي عصر من العصور في أية لائحة لها علاقة بالتقدم وبحرية التعبير والصحافة والديمقراطية، أما في حقل الحقوق المدنية فهو اشهر دولة في كل الأوقات وبدون منازع في مجال انتهاك حقوق الإنسان، وبتعبير دقيق، حقوق الصحراويين المدافعين عن استقلالهم والمغاربة الحالمين بمغرب ديمقراطي. فمنذ السبعينات لم يخلو تقرير لأية منظمة مختصة في مجال حقوق الإنسان من ذكر المغرب كمملكة تنتهك الحقوق البشرية بكل وحشية وسفور، بل انه في لوائح منظمة العفو الدولية يقع في ذيل اللائحة وبعد إسرائيل وحسبه ذلك فخرا.
ففي مجال حرية الصحافة لا بد أن المغرب يعتبر اشهر دولة في قمع الكلمة والحرف والحبر واللسان واشهر عدو تاريخي لمن يتجرأ ويفكر بصوت مسموع. ولهذا لا عجب إن يكون مجال حرية التفكير والصحافة هو اشهر مجال يتعرض للقمع البشع وللمصادرة العلنية في المغرب خاصة ما يتعلق منه بحرية التعبير في المجال السياسي ومحيط المملكة الذي يعتبر من الطابوهات. 
مات من كان يوصف بعدو الكلمة فمن هو عدوها الآن.؟
وحين نخوض في بحر الحديث عن قمع الكلمة في المغرب لا بد إن يحضر إلى المخيلة إدريس البصري المسكين، شبح عصر الرعب في المغرب، والذي تزامنت وفاته مع صدور تقرير أخير لمنظمة صحفية يضع المغرب في قائمة الدول التي عرفت تراجعا في حرية الصحافة، وتشهد فيه قاعات الظلم محاكمات ضد الصحفيين المغاربة. إن كل هذا قدرا جاء في وقته لينصف إدريس البصري ويمحو عنه الدعوى المرفوعة ضده وهي عدو الصحافة. 
وللذين لا يعرفون من هو إدريس البصري هاكم تعريفا موجزا له:" عاش إدريس البصري مثل شماعة للممكلة المغربية لمدة حوالي سبع سنوات ونصف، أو بعبارة مماثلة مثل مجرم يجوب شوارع المدينة مفروض عليه أن يقر بجريمة يحمل دمائها في يديه رغم أنه لم يكن سوى منفذها وليس آمر ارتكابها، أو إذا شئنا الدقة أكثر عاش هذا الرجل مثل سكين قتلت بها يد قوية برئ فحملت دم الجريمة .
من هو المجرم في هذه الحالة هل هو السكين أم اليد التي طعنت بها.؟ في المنطق اليد هي المجرمة، لكن في المغرب – وفي المغرب وحده-السكين هي المذنبة... 
هو رجل تؤخذ منه العبرة، وهو موعظة لمن يتعظ؛ حمل كل الجرائم على عاتقه. لقد كلفه الحسن الثاني بمهمتين قذرتين هما التنكيل بالشعب الصحراوي والتنكيل بالصحافة في المغرب. هو رجل أغبى من دجاجة، ظن أن للملوك عهود وذمة؛ خدم القصر أكثر من عشرين سنة من عمره وحمل اسم "جزار الصحراويين" "وعدو الصحافة"، " ورمز عصر الرعب" ولو كان هناك شخص يمكن أن تجازيه المملكة وملوكها على لعق أحذيتهم كان سيجازى هو، لكن ما حدث له كان قمة في التراجيديا، وكان درسا لمن لا زال يفكر في خدمة الملوك. قبل تنحيته قامت المملكة بمصادرة كل ما يملك وجمدت أرصدته في البنوك سريا ولم تترك له سواء دارا حقيرة صغيرة في فرنسا. قام الملك الجديد بتنحيته مثلما فعل للكثير من ديكور قصور والده ورماه في مزبلة التاريخ من جملة الأشياء التي رمى كرمز للماضي القذر. ولم يتركه لهذا المصير المذل فقط بل مسح فيه دم السكين. حرض القصر عليه صحافته وأبواقه فنعتته بأنه كان هو رأس كل خطيئة في عصر الحسن الثاني وأن هذا الأخير كان نقيا بريئا وملاكا. جعلوه شماعة لكل رذائل الملك الراحل فصار مثل الأجرب ينتقل من مكان على مكان مطاردا من طرف عصي الجميع حتى دفع الأمر بوزير الداخلية الذي أتى بعده إن يرفض تجديد أوراقه وجواز سفره، ولأنه غبي ذهب إلى فرنسا وبدأ يناكف الحية وهو في جحرها مثلما فعل المهدي بن بركة الذي كانت نهايته تراجيدية في "بلد النور" . 
تنحى إدريس البصري قسرا في نوفمبر 1999م وبتنحيته قال المغرب بصوت واحد :" انتهى الظلم، عاشت العدالة." 
وظنت الصحافة غير المأجورة وغير المخترقة وبعض المدافعين عن حقوق الإنسان أن الطاغوت انتهى، وأن عصرا مشرقا قد حل على مملكة الظلمات. في هذه السنة( 2007) تكون حوالي ثماني سنوات قد مرت على إقالة البصري فاقد البصر والبصيرة، لكن ساء الوضع أكثر؛ فالصحراويون لا زالوا يجلدون وبسوط اشد من سوط إدريس البصري ولا زالت حقوقهم تنتهك بأبشع أسلوب من عصر البصري والصحفيون لا زالت أفواههم مكممة ولا زالت أقلامهم مكسرة ولازال حبر كلمتهم يدلق أمام أعينهم ولا زالت أفكارهم متحجرة في حلوقهم. فهل بعد ثماني سنوات لازال يظن الناس أن البصري كان هو رأس الأفعى في المغرب أم كان سمها.؟ 

الآن فوق كل قلم صحفي عصا مخزنية.

ورغم حلول العصر الجديد وانتهاء مدة "أعطوا للملك الشاب فترة حتى يتمكن من ترتيب مغرب مخرب" لازال المغرب في مجال حقوق الإنسان وحقوق الكلمة هو مغرب الحسن الثاني ومغرب المملكة في كل العصور، وعلى المغاربة أن يراجعوا مواقفهم من إدريس البصري ويعترفون الآن أن الملك الجديد " الديمقراطي" قد جعل منه شماعة علق عليها كل رذائل والده وأعماله البشعة. إن الحقيقة أن الوضع لم يكن من اختراع البصري لإن هذا الأخير ذهب ومات، لكن الوضع هو استراتيجية ملكية متعفنة لا تتنفس إلا الهواء الملوث ومتى شمت الهواء النقي ماتت. 
ففي العصر الجديد توجد الآن عصا فوق رأس كل صحفي مغربي ويوجد مخبر يتشمم رائحة الحبر في كل مطبعة وتوجد محكمة تنتظر كل صحفي غير قابل للاختراق. 

ولا يمكن أن نمر دون أن نذكر بعض غرائب العصر الجديد الذي ظن الناس أن سوط البصري قد رفع عنهم فيه، وأنه كان حالة شاذة. فالذي حدث من محاكمات للصحافة في العصر الجديد لم يحدث من قبل والعالم يشهد على ذلك؛ فالصحفي علي لمرابط كان أول ضحية للعصر الجديد، فقد يكون ظن إن العصا رفعت من فوق الرأس، فأراد أن يتنفس بحرية ويفكر بصوت مسموع فكان جزاءه الذي يعرف الجميع مما لا داعي لإعادته. وفي أيامنا هذه يتعرض مصطفى حرمة الله وبن شمسي لبدعة أخرى من بدع العصر الجديد، فهم يحاكمون ويغرمون بسبب مقال أو كلمة أو رسما كاريكاتوريا للملك وربما يقول قائلهم كان إدريس البصري شماعة فقط.
ومن وقائع العصر الجديد التي تشبه إلى حد ما النكتة أن صحيفة مغربية صودرت بسبب بسيط هو أنه ظهر للرقيب فيها كلمة "الصحراء الغربية" وهم كانوا ينوون كتابة الصحراء "المغربية" لكن سقط حرف " الميم" (التي أشار إليها صديقنا عبدالله ولد بونا سابقا) فقامت الدنيا ولم تقعد، تمت محاسبة المحرر والطباع والمصحح، وبسبب الدقة في التحري أتى المحرر بالأصل المكتوب باليد، وقالت الطًباعة أنها كتبتها صحيحة، وحلف المصحح أنه وجدها مكتوبة هكذا وأنه لم يغير فيها أي شيء. 

وفي الأخير حمل صاحب العصا عصاه وأمر بتنحية كل المتهمين بالواقعة التي تعتبر "خيانة وطنية" سببها نسيان حرف مفروض عليه بالقوة أن يدخل على كلمة لم يدخل عليها تاريخيا وهو غريب عليها غربة الجمل في البحر وغربة السمكة في الرمال. أما تفسيرنا نحن الصحراويين لما حدث فهو أن لا الصحفي ولا الطباعة ولا المصحح نسوا الحرف بسبب خوفهم من عصا المخزن، ولكن كلمة " الغربية"هي التي رفضت الحرف الغريب الغازي الذي دخل عليها.

والآن من هو المرشح ليكون شماعة العصر الجديد، أم أن شبح إدريس البصري سيتهم هذه المرة بقمع حرية الصحافة وحقوق الإنسان في المغرب بعد تنحيته وحتى بعد موته.
الكاتب : السيد حمدي يحظيه
sidhamdi@yahoo.fr

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...