في رمال الصحراء الغربية، حيث اختلطت رائحة التراب بالنضال والعزيمة، يرتفع اليوم صوت الخونة. أولئك الذين كانوا يوماً ما في قلب الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، يرفعون اليوم أصواتهم عالياً، ينددون بالتهميش والحگرة، وكأن الزمن أعطاهم الحق فجأة في الحديث باسم شعبٍ كانوا قد تخلو عنه.
أسماء مثل المحجوب السالك (الجفاف) والبشير الدخيل وكجمولة أبي، وغيرهم، تذكّرنا بأن الخيانة ليست فقط فعلًا سياسيًا، بل تجربة وجدانية معقدة. كانوا في الماضي مناضلين يحملون مباديء الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، واليوم يظهرون وكأنهم يطالبون بالاعتراف بمكانتهم، بعد أن فقدوا كل شيء: ثقة شعبهم، احترام أصدقائهم، وحتى وزنهم لدى من اصطفوا معهم.
حين غادر هؤلاء الجبهة، اعتقدوا أن الطرف الذي التحقوا به سيعاملهم كـ“مناضلين سابقين” أو “شركاء استراتيجيين”، وسيمنحهم مواقع وامتيازات تعوض خسارتهم الأخلاقية.
غير أن السنوات كشفت لهم حقيقة مُرّة:
الخيانة لم تكن تذكرة للترقي، بل كانت عبورًا نحو الهامش.
لم يحصلوا على ما تخيلوه، ولم يُعطوا مكانة تليق بحجم التحول الذي أقدموا عليه، بل وُضعوا على رفّ الاحتياط، يُستدعون عند الحاجة الإعلامية ويُهمَّشون في بقية الوقت.
هذه الخيبة العميقة هي أول سبب لارتفاع صوتهم اليوم.
المفارقة المؤلمة أن هؤلاء الخونة يعانون اليوم نفس ما يعانيه الصحراويون: غياب الاعتراف، التهميش، والحرمان من المشاركة الفعلية في صنع القرار.
إضافة إلى ذلك، يعيشون العزلة والتخوين من طرف المجتمع، حيث ينظر إليهم على أنهم قد خانوا القضية والشعب. هذا المزيج من التهميش الخارجي والغربة الداخلية يزيد شعورهم بالتمزق بين الماضي الذي تركوه والحاضر الذي لا يحتضنهم.
الصوت العالي الذي يرفعونه اليوم هو في الأساس صرخة من صمت داخلي طويل، صمت الضمير الذي يدرك أن ما غادروا ليس شيئًا بسيطًا، بل مشروعًا وحلمًا كاملًا.
كما يقول المثل التاريخي: “الخائن لا ينتمي إلى الماضي، ولا المستقبل، بل يعيش في زمن معلق”، وهو ما ينطبق على هؤلاء.
سلامة مولود اباعلي
