القائمة الرئيسية

الصفحات

الصحراء الغربية: بين أوهام الغزو وأسطورة الصمود

    

منذ بداية الاجتياح المغربي لأرض الصحراء الغربية سنة 1975، والمدعوم آنذاك من بعض القوى العظمى كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، بُنيت في الرباط أوهام توسعية على تقديرات خاطئة، قال الحسن الثاني يومها إن “الأمر لا يعدو سوى جولة أسبوع” وإنه سيحتسي الشاي في العيون، وكأن شعبًا بأكمله ليس موجودًا، وأن الأرض يمكن أن تُسلب بقرار فوقي أو بمسيرة تمويهية.
لكن الأحداث – كما هي عادتها – عنيدة لا تغفر لمن يخطئ في قراءة إرادة الشعوب.
فما إن بدأ الغزو حتى انتظم الشعب الصحراوي في إطار الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، ليخوض حرب تحرير طويلة دامت 16 سنة، أثبت خلالها الصحراويون أنهم أبناء أرض لا تُباع ولا تُمنح.
ورغم الفارق الهائل في التسليح والعزة والعتاد، والدعم الدولي، تحولت الصحراء الغربية، إلى مدرسة مقاومة قلبت ميزان القوى، وجعلت الاحتلال يدرك أن المعركة ليست نزهة كما ظن، وأن الشعب الذي دحر الاستعمار الإسباني لن يخضع لهيمنة جديدة مهما كان ثمن الصمود، ومهما كانت التضحيات.
مع نهاية الثمانينيات، وبعد أن استنزفت الحرب المغرب بشريًا واقتصاديًا، تقدمت الرباط بطلب صريح إلى الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية لتنظيم استفتاء حر ونزيه لتقرير مصير الشعب الصحراوي.
لم يكن ذلك قبولًا أو موافقة فقط، بل مبادرة مغربية مكتوبة بكون الاستفتاء هو الطريق الوحيد لتسوية النزاع.
ومن هذا الطلب وُلدت خطة التسوية واتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991.

لكن، وبعدما أدرك المغرب أن صناديق الاقتراع لن تمنحه ما عجزت عنه القوة العسكرية، دخل في مسار تعطيل ممنهج، ليتراجع عن التزام كان هو نفسه من بادر إليه.

و من انتفاضة الاستقلال سنة 1999 إلى انتفاضة اقديم إيزيك 2010، مرورًا بعشرات الهبّات الشعبية داخل المدن المحتلة، أثبت الشعب الصحراوي أنه شعب لا يلين.
سقط شهداء، امتلأت السجون بالمعتقلين، وتوالت الانتهاكات، لكن الروح الوطنية لم تنطفئ، بل كانت تزداد رسوخًا كلما حاول الاحتلال خنقها.

خرق وقف إطلاق النار 2020: عودة الحرب وإنكار الحقيقة

عندما أقدم المغرب على خرق اتفاق وقف إطلاق النار في الگرگرات سنة 2020، عاد الصراع إلى الميدان.
لكن المغرب لم يسعَ فقط إلى تغيير الوقائع العسكرية، بل حاول أيضًا إنكار وجود الحرب من أصلها.

فبينما كانت البيانات الصحراوية تعلن عمليات يومية، وكانت آثارها تظهر في الميدان، خرجت الرواية الرسمية المغربية بسلسلة تبريرات غريبة عن سقوط قتلى جيشها:
مرة يقولون إنهم “ماتوا بسبب لدغات الأفاعي والعقارب”، ومرة بسبب “حوادث عرضية”، وأحيانًا بسبب “كورونا” داخل مناطق الاشتباك!

وكأن الصحراء مليئة بأفاعٍ لا تلدغ إلا الجنود في مواقع القتال، أو أن فيروس كورونا يمتلك القدرة على التمييز بين الجنود في الخطوط الأمامية وسواهم!
هذا الإنكار يكشف حجم الحرج الذي يعيشه الاحتلال، وعجزه عن مواجهة الرأي العام بالحقيقة:
الحرب قائمة، والخسائر واقعية، والاحتلال يفشل رغم محاولات التمويه.

ذهب الحسن الثاني، قبل ان يحتسي کأس الشاي، في العيون، وتبخرت أحلامه التوسعية، وجاء من بعده من ورث العرش… وورث معه الحرب والاحتلال والأزمة.
لكن ما لم يتغير بعد أكثر من نصف قرن هو أن الشعب الصحراوي باقٍ صامد، لأنه صاحب الأرض وصاحب الحق.
ومهما تبدلت الظروف، فإن الزمن – كما أثبت التاريخ – دائمًا ما يقف في صف الشعوب التي تقاتل من أجل وجودها.

لقد مرّت القضية الصحراوية بكل محطات الكفاح:
مقاومة مسلحة هزّت الاحتلال.
صمود مدني داخل المدن المحتلة رغم القمع.

بناء مؤسسات دولة في اللجوء.

حضور دبلوماسي دولي رغم محاولات الإقصاء.
وبقي الشعب الصحراوي واقفًا، ثابتًا، متمسكًا بحقه، مؤمنًا بأن الاحتلال مهما طال فهو إلى الزوال.
فالتاريخ لا يكتبه من يملك الدبابات، بل من يملك الإصرار والإرادة.
والأرض لا يستعيدها من يفاوض فقط، بل من يصبر ويصمد ويؤمن بأن الحق لا يموت… وإن طال الزمن.
سلامة مولود اباعلي

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...