أكد مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الدول العربية والإفريقية، مسعد بولس، أن الطريقة الوحيدة لإنهاء النزاع بالصحراء الغربية، تكمن في التوافق بين الطرفين المعنيين مباشرة بالصراع، وهما جبهة البوليساريو الصحراوية والنظام المغربي، وفق رضا وقبول الجانبين، بناءً على بنود القرار 2797، الذي ضمن تقرير المصير للشعب الصحراوي.
وقد نالت القضية الصحراوية كثيراً من الدعم بالدورة ال80 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، المنعقدة في أكتوبر الماضي، تمظهر في تدخلات قادة الدول والرؤساء، وعلى مستوى نقاشات اللجنة الرابعة المعنية بتصفية الاستعمار، حيث شددوا على تنفيذ حلّ سريعٍ وعادلٍ للنزاع الحاصل في الصحراء الغربية وتمكين شعبها من حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والإستقلال.
وفي هذا الشأن، قال الخبير الأمني بشؤون الساحل وغرب أفريقيا، مدير وكالة (ECSaharaui) الصحفية، لحبيب عبد الحي، أن هناك عشرات القرارات الأممية التي تؤكد صراحة على شرعية موقف جبهة البوليساريو، وتضمن حق استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي، وهي مبادرات ملزمة لم ينفذها المغرب قط.
وأوضح الخبير الصحراوي، لحبيب عبد الحي، في حوار خص به جريدة “أفريكا نيوز”، أن مجلس الأمن الدولي اعتمد ما يُقارب 80 قرار أممي بشأن الصحراء الغربية، معظمها بالإجماع، من بينها خطة التسوية لعام 1990، وخطة بيكر لعام 2003، التي أكدت في مجملها أن القضية تتعلق بعملية تصفية استعمار، ولا يمكن حلها إلا عبر تمكين الشعب الصحراوي من حقه غير المشروط في تقرير المصير.
لماذا حاول المغرب إظهار انتصار موهوم بعد صدور القرار 2797؟
تستغل الآلة الدعائية المغربية دائما قرارات مجلس الأمن، لشنّ حرب معلومات تستهدف بشكل خاص بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية والشعب الصحراوي وقضيته العادلة.
وفور صدور القرار المثير للجدل رقم 2797/2025 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بشأن الصحراء الغربية، بدا أن بعض الصحف العالمية البارزة قد أخرجت من جعبتها “بدلاتها الصفراء”، وكادت أن تزيّن أكمامها بصورٍ مصغرة للملك محمد السادس. وهذه العناوين المضللة من قبيل: “بعد 50 عاماً، آخر مستعمرة في إفريقيا تقترب أكثر من أن تصبح إقليماً مغربياً”، “الغنيمة السياسية التي قد تخلد حكم محمد السادس”، “ترامب يقدم للملك الصحراء الغربية على طبق من فضة”، “تغيير في الصحراء الغربية”، كل هذه العناوين أثارت جدلاً واسعاً وخلفت انطباعاً بعدم الحياد.
المعالجة السطحية التي قدمتها تلك الوسائل الإعلامية لمضمون القرار، الذي يمدد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية “المينورسو”، لامست حدّ الإثارة الإعلامية، وعكست صدى احتفالات المستوطنين المغاربة في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية.
الصحف والوكالات والفضائيات المعنية، مثل رويترز، سكاي نيوز، الحرة و العربية و حتى الجزيرة، ركّزوا فقط على سردية خطة الحكم الذاتي المغربية، التي لا وجود قانوني لها بعد، وتجاهلوا الدعوة الواضحة في القرار إلى «حلّ متوافق عليه، يتماشى مع مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، ويكفل حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير». ويعدّ ذلك انحرافاً مؤسفاً من مؤسسات إعلامية مرموقة وسقوط غير مهني لها في رواية الدعاية الاستعمارية المغربية.
كيف فشلت الولايات المتحدة في فرض سردية المخزن ؟
التحركات المتسارعة في نيويورك، لفرض حلّ خارج إطار الأمم المتحدة، تكشف مخاوف أعمق تتعلق بمستقبل النظام الملكي في المغرب.
وبشكل متعجل، حاول معدّو المسودة الأولى للقرار نقل “وصفات سياسية” من مناطق أخرى لتقويض حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال. غير أن «طوق النجاة» الذي ألقي إلى ملكٍ مأزوم ونظامٍ فاقد للبوصلة، تسرب منه الهواء سريعاً.
ورغم أن النص النهائي للقرار جاء بعد تنقيحات عميقة، ولم يخلُ من ثغرات وتناقضات، فإنه أعاد ملف الصحراء الغربية إلى صدارة الاهتمام الدولي، وأكد بوضوح أن الطريق الوحيد للحل يمر عبر تقرير المصير، ومفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، وهي مفاوضات يرفضها المخزن منذ عام 2019.
من جهتها، أكدت جبهة البوليساريو أنها لا تمانع في طرح المقترح المغربي للحكم الذاتي كخيار ضمن عملية تفاوض شاملة، شريطة أن يكون القرار النهائي بيد الشعب الصحراوي وحده عبر استفتاء حرّ ونزيه. وبالتالي، لا جديد في هذا الطرح، كما أن المناورات السياسية لا يمكن أن تحدد مسبقاً نتائج عملية تفاوضية لم تبدأ بعد.
رغم المناورات المغربية، بقيت القضية الصحراوية في الواجهة الدولية، ما وراء ذلك؟
على مدى نصف قرن، اعتمد مجلس الأمن الدولي ما يُقارب 80 قرار أممي بشأن الصحراء الغربية، معظمها بالإجماع، من بينها خطة التسوية لعام 1990، وخطة بيكر لعام 2003، التي أكدت جميعها أن القضية تتعلق بعملية تصفية استعمار لا يمكن حلها إلا من خلال ممارسة الشعب الصحراوي لحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير.
ورغم محاولة الرواية المغربية تصوير الأمر بشكل مغاير، فإن الشعب الصحراوي كان ولا يزال الجهة الوحيدة المخولة لتحديد مستقبل الإقليم عبر استفتاء حرّ، بعيداً عن أي ضغط عسكري أو إداري.
كيف ترد على مطالب القرار 2797؟
حتى وإن بدا أن القرار الأخير يميل جزئياً إلى الموقف المغربي، فإن هناك عشرات القرارات الأممية الأخرى التي تؤكد صراحة شرعية موقف جبهة البوليساريو، وهي قرارات لم ينفذها المغرب قط. وباستثناء الولايات المتحدة وفرنسا وسيراليون، لم تدعم أي من الدول الأعضاء الأخرى خطة الحكم الذاتي خلال مداولات التصويت، بل شددت على حق تقرير المصير، وتمديد ولاية المينورسو، واستئناف المفاوضات.
وفي موقفٍ لافتٍ، أعلنت المملكة المتحدة دعمها في الوقت ذاته للحكم الذاتي وتقرير المصير للشعب الصحراوي معاً.
كما أظهرت مناقشات مجلس الأمن الدولي، أن بعض الأعضاء الدائمين، مدفوعين بالمصالح الاقتصادية أو الحنين الاستعماري، مارسوا ضغوطاً لتمرير أجنداتهم، دون اكتراث بتداعيات ذلك على القانون الدولي.
هل نجح أعداء الشعب الصحراوي في تحقيق مبتغاهم، وما مستقبل النظام المغربي؟
لم ينجح أعداء الشعب الصحراوي في تحقيق مبتغاهم، لكنهم خطوا خطوة إضافية في تقويض النظام الدولي القائم. أما التهويل الإعلامي بشأن “نجاحات” الدبلوماسية المغربية، فليس سوى محاولة يائسة لمنح الحياة لنظام وظيفي فاقد التأثير.
القوى نفسها التي حاولت عام 1975 إلقاء الشعب الصحراوي في البحر، لا تزال مصرة على مسعاها بعد مرور خمسين عامًا. لكنها فشلت آنذاك، ولن تنجح اليوم ولا في المستقبل.
حوار / فارس ڤليل - جريدة افريكا نيوز
