نظام المروك الذي لم يستطع خلال الخمسين سنة الماضية إقناع العالم بمغربية الصحراء بعدما عجز عن السيطرة عليها عسكريا في جولة أسبوع، يرهن المغرب أرضا وثروات للقوى الخارجية لعلها تزكي "مبادرة" الحكم الذاتي مع اقتراب موعد اجتماع مجلس الأمن بشأن النزاع في الصحراء الغربية في شهر أكتوبر القادم.
فبعد أن قايض القضية الصحراوي بارتمائه وليس تطبيعه في أحضان إسرائيل والسماح لبني صهيون الاستلاء على مقدرات الشعب المغربي بالتغلغل في البنية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المغربية الى درجة مراقبة المناهج الدراسية ومراجعة خطب صلاة الجمعة، مقابل أن يعترف له فقط "بمبادرة" الحكم الذاتي بأنها مبادرة( زوينة)، وبعد أن فعّل من جديد الحماية الفرنسية بفتح المغرب للرأس المال الفرنسي ليعوض هذا الأخير خسارته في افريقيا ولتعالج فرنسا أزمة ديونها المتراكمة، ينتقل هذه الأيام النظام المغربي الى السرعة القصوى في وضع البلاد في المزاد العلني لمن يدفع أكثر والدفع هنا هو من يعترف بأن " الحكم الذاتي" هو فارس أحلام الصحراء الغربية التي لا يحق لها أن تختار غيره !!
في هذا الإطار نشاهد التنسيق المتواصل بين المروك واللوبي اليهودي في واشنطن من جهة وبين المروك وفرنسا من جهة أخرى في محاولة لإيجاد "للمبادرة" تغطية سياسية في مجلس الأمن من أمريكا في وقت تتكلف فرنسا بالجانب التقني للملف وذلك من خلال العمل على خطة للحكم الذاتي معدلة و مفصلة حسب ما أوردته جريدة "Afrique intelligence" الصادرة الأسبوع الماضي التي أضافت أن الوزير الفرنسي للخارجية السيد جان نويل بارو، أجرى محادثات هاتفية مع نظيره المروكي بوريطة في وقت تضيف الجريدة بأن وتيرة الاتصالات تضاعفت بين السفير الفرنسي في الرباط و بوريطة من أجل أن يقدم المغرب بعض التنازلات منها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين الصحراويين. إن فكرة الحكم الذاتي التي طبخت في باريس ويعلكها المروك منذ 2007 أي منذ حوالي 18 سنة، لم تكن سوى سيناريو فاشل استغلته الدول العظمى وإسرائيل لابتزاز الدولة المغربية كل هذه السنين وجعل المغرب تحت سيف ديمو قليس، فماذا تغير اليوم؟ ولماذا الحماس المفرط لهذه الفكرة ومحاولة نفس الدول التي كانت تبتز المغرب الى فرضها من داخل مجلس الأمن كخيار وحيد لحل مشكل الصحراء الغربية؟ رغم أنها تدرك تماما أن ذلك غير ممكن لسبب بسيط هو أن السيادة لا تمنح بقرار سياسي والسيادة هي ملك الشعب الصحراوي، وحده المعني بمصيره وبالخيار المناسب الذي يحفظ له هذه السيادة. إن السبب يكمن في الخطر على مستقبل الملكية في المغرب إذا ما استمر الصراع في الصحراء الغربية الذي يمكن أن يأخذ أبعادا أخرى. إن هذه الدول تسابق الزمن لإنقاذ النظام السياسي في المغرب أو على الأقل تعطيل انهياره حتى يتم ترتيب الأمور لتغيير يكون أقل تكلفة. لقد دقت ناقوس الخطر، أكثر من جهة غربية ولسان حالها أنقذوا الحليف إنه ينهار:
أولا: التحذير القوي جاء من طرف الجريدة الفرنسية المقربة من الحكومة جريدة "لوموند" في مقال من ستة أجزاء في عددها ليوم 25 غشت الماضي تحت عنوان صادم ومثير للاهتمام: " إن عهد محمد السادس أنتهى" كشفت فيه الصراع الطاحن بين أجنحة السلطة وفقدان القصر الملكي لمقود الحكم وعددت الأسباب التي ستعجل بانهيار النظام السياسي في المغرب إذا لم يسارع لإنقاذه.
ثانيا: تقرير السفارة الأمريكية بالرباط الذي يحمل رقم (164775) يكشف عن معطيات مثيرة بشأن الوضعية المتدهورة للقوات المسلحة الملكية في الصحراء الغربية مؤكدا أنها تعيش أزمة بنيوية عميقة وتذمر كبير داخل صفوفها.
ثالثا: تأكيدا لما جاء في تقرير السفارة الأمريكية هو ما نشره موقع "جبروت" الاستخباراتي حول فرار المفتش العام للقوات الملكية الجنرال محمد بريط المقرب من دولة الإمارات رغم أن هذا الخبر غير مؤكد لكن لم تنفيه السلطات المغربية كما أن الجنرال لم يظهر للعلن.
رابعا: وصول مديرة المديرة العامة للأمن الداخلي الفرنسي السيدة سيلين بيرتون يوم الإثنين الماضي الى الرباط لدراسة المساعدة التقنية العاجلة الممكن تقديمها للمغرب في ظل بروز مؤشرات انهيار وشيك لمنظومة المعلومات في المغرب بعد ان تفجر الصراع القاتل الذي أصبح حديث العام والخاص في المغرب وخارجه صراع أجهزة المخابرات المختلفة والذي بالمناسبة هدد اليوم الرجل الثاني في الاستخبارات "لادجيد" المهدي حجاوي المختبئ عن الأنظار بقلب الطاولة على النظام الملكي وكشف جميع الأسرار إذا استمر في ملاحقته وتهديده بالقتل.
إن جميع المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تؤكد أن النظام السياسي في المغرب يسير بسرعة مذهلة نحو الانهيار التام ولا شك ان شظايا ذلك الانهيار سيمس أصدقاءه قبل غيرهم. لذا يتعلق المخزن بقشة الحكم الذاتي ويجعل منها الرهان الذي يمكن به ان يواصل إلهاء المغاربة واسكات أصواتهم، والدول التي تعتقد بأنها بتمرير قرار ينص على خطة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع إنما هي واهمة بان في ذلك خلاص للمملكة العلوية ولو الى حين ريثما تخِف الرياح التي تعصف بها. لأن الحل الذي تدركه هذه الدول قبل غيرها هو الحل المتفق عليه بين الطرفين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو تحت مظلة الأمم المتحدة المتمثل في استفتاء تقرير المصير غير ذلك هو مجرد تعميق أزمة الشعب المغربي ومضاعفة مآسي الشعب الصحراوي. فالخروج عن القرار 690 لمجلس الأمن معناه نهاية المينورسو وإحالة دي ميستورا على التقاعد ولا حكم ذاتي ولا هم يحزنون.
أمام المؤامرات العلنية والوقحة للالتفاف على حق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال التي لانشك في أنها ستنهار وتفشل كسابقاتها من نافلة القول إنه من ضروري استنفار الجسم الصحراوي قاطبة وخاصة النخب الإعلامية والسياسية لمواجهة التحدي المطروح وجعل من شهر أكتوبر بمناسبة خمسينية الوحدة الوطنية شهر تقوية الصفوف وتصعيد المواجهة على كل الجبهات.
بقلم: محمد فاضل الهيط