لم يكن اسم لوشاعة عبيد محمد لامين مجرد توقيع على وثائق دبلوماسية أو حضور برتوكولي عابر في محافل سياسية عابرة، بل كان صدى لقضية، ونبضا لشعب، وصوتا حرا حمل أمانة قضية الصحراء الغربية من قلب المعارك إلى أروقة المؤسسات الدولية و الأمم و الشعوب. وُلد في مدينة السمارة بتاريخ 17 ديسمبر 1952، وفي لحظة قدرية خاطفة، حين هوت عليهم صاعقة غادرة من السماء فوق هضبة مطلة على وادي الشبيكة، على بعد ثمانين كيلومترًا جنوب غرب مدينة الطنطان، اختطفت والديه في ومضة برق ورعد. وفي تلك اللحظة المأساوية، كانت أصغر أخواته، "نظيرة"، رضيعة في حضن أمها ترضع، فحمتها العناية الإلهية ونجت بأعجوبة، ليجد نفسه وأخواته وجهاً لوجه أمام صعاب الحياة، يتصدّون لها بعزيمة وثبات. من تلك التجربة القاسية وُلدت شخصيته العصامية، المثقفة، والمتشبعة بالفكر اليساري العالمي، لتشكل وعيه النضالي والتزامه العميق بقضايا شعبه.
بدأ مساره التعليمي في مدينة الطنطان، حيث تقاسم مقاعد الدراسة الابتدائية مع ثلة من الرفاق الذين ستقودهم الأيام لاحقا إلى مواقع القيادة في الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب. تنقل في مرحلتي الإعدادية والثانوية بين السمارة والعيون، محتفظًا بخيط متين يربطه بالحركة الجنينية للثورة في الطنطان، وبالحركة الطليعية في العيون، ليغدو جسر التواصل وحلقة الوصل بينهما. وحين انعقدت الاجتماعات التأسيسية والتشاورية الأولى في الطنطان تحضيرا لولادة الجبهة، كان بين الحاضرين الفاعلين الرئيسين. وبأمر من الولي مصطفى السيد، أوفده ومعه المحفوظ اعلي بيبا لإشعار الحركة الطليعية بمكان الإعلان عن تأسيس الجبهة في الزويرات، ذلك الحدث المفصلي الذي حضر جلسته الختامية في 10 مايو 1973.
تولى لاحقا مسؤولية الإشراف مع فضيلي على الطبعة الناطقة بالإسبانية من مجلة 20 ماي، منبر الثورة إلى العالم الناطق بلغة "سيرفانتس"، وكان صلته الوثيقة بالحركة الوطنية الديمقراطية الموريتانية، المعروفة بـ"الكادحين"، جسرا للتنسيق والتضامن العابر للحدود. وأثناء الاجتياح المغربي للصحراء الغربية، حمل على عاتقه مسؤولية ميدانية جسيمة في قطاع كلتة زمور، حيث تصدّر، إلى جانب الخليل سيد أمحمد، جهود تنظيم قوافل النازحين وتسفيرهم، متولّيًا التنسيق وتأمين متطلبات الرحلة في أدق تفاصيلها، حتى بلغوا المخيمات في أمان، بعيدًا عن فوضى الحرب ومطاردات الاحتلال.
ولم تسلم عائلته من سياط القمع بعد تأسيس الثورة والاجتياح المغربي للصحراء الغربية، إذ طالت يد الاحتلال شقيقته امباركة أعلينا، فاقتادتها إلى غياهب السجون في أكدز ومكونة، حيث قضت خمسة عشر عامًا خلف الجدران الباردة. ولم تكتف آلة القهر بذلك، بل زجّت بشقيقته الأخرى خدنة في المعتقل لمدة سنة وعدة أشهر. كانت ظروف الاعتقال جائرة وقاسية، حفرت ندوبها العميقة في جسد الأسرة وروحها، وجاءت انتقامًا صريحًا من مواقفهم السياسية الثابتة وإيمانهم الذي لم يساوم بحق الشعب الصحراوي في الحرية.
وفي عام 1975، اعتُقل لوشاعة عبيد في العاصمة الأوغندية كمبالا، رفقة محمد الأمين ولد أحمد وآخرين، أثناء مهمة نضالية تهدف إلى تحسيس الدول الأفريقية وحركات التحرر بعدالة القضية الصحراوية، على هامش قمة وزراء خارجية منظمة الوحدة الأفريقية. جاء الاعتقال نتيجة حملة دعائية مغرضة شنّها المغرب وأعوانه، لتقويض صوت الجبهة في المحافل الدولية. وكان لحبيب بوخريص الناجي الوحيد من الوفد، فبادر إلى إبلاغ قيادة الجبهة وأصدقاء الشعب الصحراوي بما حدث، مما ساهم في إطلاق سراح المعتقلين بعد أسابيع من الاحتجاز.
امتدت المسيرة الدبلوماسية للوشاعة عبر قارات وأقاليم متعددة، متنقلًا بين العواصم الكبرى ومجالس القرار، حاملاً راية بلاده وصوت شعبه في المنابر الدولية. مثّل الجمهورية الصحراوية في إفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية، وشغل مناصب رفيعة كسفير، ومهام دقيقة في بعثات الأمم المتحدة، وكان أول من ألقى كلمة باسم الجبهة الشعبية أمام اللجنة الرابعة للأمم المتحدة نهاية 1975، مثبتًا حضورها في السجلات الدولية. لم تكن مناصبه سببًا لابتعاده عن الشعب، بل ظل في تماس مباشر مع الجماهير، موجّهًا سياسيًا وأمينًا ثوريًا، يجوب الميدان ويصغي لهموم الناس. عُرف بعمله في صمت، ورجل ظل بامتياز، يتحلى بنكران الذات والبساطة والتواضع، ويؤدي مهامه باقتدار راسخ.
في 23 مارس 2010، أسدل الستار على حياة لوشاعة عبيد بعد صراع مع سرطان الرئة في مستشفى الدكتور نيغرين بلاس بالماس في جزر الكناري، ودُفن في مقبرة مخيمات اللاجئين الصحراويين بولاية السمارة. رحل الجسد، لكن صدى صوته في المحافل الدولية وصلابة مواقفه في ساحات النضال وسيرته الملهمة للإجيال، ستظل دائما حاضرة في الذاكرة الوطنية، ووجدان الشعب. هكذا، يبقى سفير القضية ورجل الظل، خالدا بعد الرحيل...