حاولت وزارة الخارجية الآمريكية عبر لجانها التي كانت تعد بروتوكوليا القمة الإفريقية المصغرة مع ترامب، أن يكون هناك اتفاق مسبق يعلن من البيت الأبيض، مفاده أن موريتانيا قررت التطبيع مع الكيان الصهيوني وأنها وافقت على أن تكون دولة ثالثة آمنة تستقبل المبعدين قسريا من المهاجرين الأفارقة إلى أمريكا، الذين ترفض دولهم استقبالهم. على أن يكون ذلك مقابل رفع أو تخفيف قيود التأشيرة الأمريكية للموريتانيين ودراسة شراكة أمريكية موريتانية اقتصادية وشراكة أمنية وعسكرية في الحرب على الإرهاب، وربما رفع مستوى التحالف العسكري.
لكن يبدو أن الرئيس ولد الغزواني رفض أغلب العرض الأمريكي، مما انعكس في أسلوب ترامب المتنمر تجاهه. لقد رفعت الخارجية الأمريكية والمخابرات الأمريكية للرئيس ترامب ملخصات عن موريتانيا وعن أسباب رفضها لما عُرض عليها. وكان الرئيس ولد الغزواني قد قرر أن يذهب إلى البيت الأبيض رغم إدراكه للفجوة بين واشنطن وانواكشوط، لعل حضوره يخفف من حدة الاحتقان مع ترامب.
موقف الرئيس ولد الغزواني كان واضحا: لا تطبيع ولا موقف من قضية فلسطين إلا الموقف العربي والإسلامي الذي يقول: الدولة الفلسطينية مقابل الاعتراف بإسرائيل. وهو بذلك يتخذ موقفا دبلوماسيا وسياسيا متوازنا وحكيما يدعم الموقف السعودي والجزائري والقطري ويبتعد بمسافة عن موقف أبو ظبي والرباط أحادي الرؤية. ويناور كي لا يدفعه ترامب إلى الزاوية فيما يتعلق بحلم أمريكا بقواعد بحرية وبرية في موريتانيا، لأن ذلك مع التطبيع سيكون دعوة مفتوحة للجماعات الجهادية لاستهداف موريتانيا، ولأنه أيضا سيحدث شرخا عميقا في العلاقات الموريتانية الجزائرية التي تشهد تعزيزا متسارعا.
ولا يريد الغزواني تكرار التجربة الخليجية مع المظلة الأمريكية ضد إيران، فقد أصبحت دول الخليج رهينة لذلك، وإيران أصبحت في موقع متقدم في الردع وفرض النفوذ الجيوسياسي على دول الخليج ذاتها وإسرائيل وأمريكا.
الجزائر هي الجار الأكبر وهي مظلة السلم والردع، وأي استفزاز بالمشاركة في تطويقها سيدفع موريتانيا إلى المجهول. الرئيس ولد الغزواني يعي ذلك، وهو مضطر للسير ببلده بين فخاخ إقليمية ودولية عالية التلغيم.
وسيكون من المخاطرة الاستراتيجية أن يتخلى عن معادلة التوازن في العلاقات الدولية والإقليمية وهو يقترب من خط نهاية مأموريته الأخيرة.
ما بعد لقاء ترامب وتنمره، تحتاج موريتانيا لمناورة اقتصادية باتجاه الصين وتركيا والهند، فترامب لا يفهم إلا ثقافة الجرأة والشجاعة.
وعلى كل حال، لنا أن نعتبر أن الرئيس ولد الغزواني نجا من فخاخ ترامب ومهامه القذرة، فلا شيء عند ترامب إلا المهام القذرة والصفقات القذرة والابتزاز المكشوف لدول العالم