أطلّ العاهل المغربي محمد السادس مجددا، في خطاب بمناسبة الذكرى الـ25 لجلوسه على العرش، ليكرر ما أسماه “حرصا دائما على مدّ اليد لأشقائنا في الجزائر”، مذكّرًا باستعداده لـ”حوار صريح ومسؤول”، ومؤكّدًا أنّ “التزامنا الراسخ باليد الممدودة نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا، وقدرتنا سويًا على تجاوز هذا الوضع المؤسف”.
لكن الخطاب الجميل واللغة الدبلوماسية الناعمة سرعان ما تنقلب إلى تناقض صارخ عند وضعها تحت مجهر الوقائع.
فبين “اليد الممدودة” التي تحدّث عنها محمد السادس، و”اليد المسمومة” التي تشهر خنجر التحالف مع الكيان الصهيوني، وتفتح قنوات تهريب المخدرات نحو الجزائر، وتدعم الجماعات الإرهابية في دول الساحل… تتضح الصورة الحقيقية: دعوة للحوار في العلن، وعدوان متصاعد ومؤامرات لا تنتهي في الخفاء.
وبرأي محللين للشأن السياسي، فإنه لا يمكن بأي حال فصل الدعوة إلى “حسن الجوار” مع الجزائر، عن التفاهمات العسكرية والأمنية التي وقعها النظام المغربي مع الكيان الصهيوني. فمنذ تطبيع العلاقات رسميًا في ديسمبر 2020، لم تتوقف الرباط عن تعميق تحالفها مع تل أبيب، سواء عبر التدريبات العسكرية المشتركة، أو تبادل المعلومات الاستخباراتية، أو حتى منح امتيازات عسكرية مباشرة للجيش الصهيوني فوق التراب المغربي.
وفي هذا السياق، كشفت تقارير إعلامية دولية عن إقامة قاعدة عسكرية صهيونية في مدينة “أفسو”، الواقعة شمال شرق المغرب، على بعد 180 كيلومترًا فقط من مدينة تلمسان الجزائرية. هذه القاعدة، التي تأتي ضمن اتفاق عسكري غير مسبوق بين الطرفين، تُمثل تهديدا مباشرًا للأمن القومي الجزائري، وتنسف أي خطاب يتحدث عن “الوحدة والمصالحة”.
كما تبيّن أن عدداً من عناصر قوات النخبة بجيش المملكة المغربية شاركوا بشكل مباشر في مع قوات الكيان الصهيوني ضد المقاومين في قطاع غزة، لتضاف إلى توفير الجانب المعلوماتي، مما يُشكّل طعنة في ظهر الشعوب العربية والإسلامية وعلى رأسها الشعب الفلسطيني الذي يواجه حرب إبادة مفتوحة.
في مقابل اليد الممدودة كلاميا، يواجه الجيش الوطني الشعبي السليل منذ سنوات “حربًا ناعمة” تقودها شبكات تهريب تنطلق من داخل التراب المغربي. فقد أحبطت وحدات الجيش ومصالح الأمن الوطني والدرك الوطني خلال الأشهر الماضية محاولات إدخال أطنان من الكيف المعالج والكوكايين والأقراص المهلوسة، وكلها ثبت بالدلائل القاطعة أن مصدرها مملكة “الحشيش”.
ولا تمثل هذه المواد جريمة تهريب عابرة للحدود فقط، بل تُعتبر استهدافا ممنهجا للشباب الجزائري، ضمن سياسة تخريب مجتمعي تضرب استقرار البلاد وتخلق بؤرًا للانحراف والجريمة، في إطار ما يعرف اليوم بالحروب الناعمة.
ولم تتوقف محاولات التخريب المغربي عند حدود التهريب والتحالف مع الكيان الصهيوني، بل امتدت إلى دعم جماعات إرهابية في منطقة الساحل، وتحديدًا في شمال مالي والنيجر، عبر قنوات استخباراتية ومالية، تهدف لإضعاف النفوذ الجزائري وخلق حالة دائمة من الفوضى الأمنية عند حدودها الجنوبية، إلا أن هذه المخططات فشلت امام قوة الدبلوماسية الجزائرية، وأبطال الجيش الوطني الشعبي المرابطين الساهرين على تأمين كافة الحدود الوطنية وفي كل الأوقات.
ويؤكد المحللون أنه في مواجهة كل هذا، لم تنجر الجزائر إلى لعبة التصعيد، بل واصلت الدفاع عن أمنها واستقرارها بعقلانية، وبقيت تضع مصالح الشعوب العربية والإفريقية فوق كل اعتبار. غير أن دعوات الملك محمد السادس المتكررة للحوار، في ظل هذه الأفعال العدوانية، باتت تُقرأ على أنها جزء من حرب ناعمة هدفها كسب الشرعية الإعلامية والسياسية والدولية، بينما يجري تنفيذ أجندات معاكسة جد خطيرة في الخفاء، تعتمد على استغلال موارد “الحشيش” للإضرار بالجزائر.
وبالمختصر، قد يُجيد القصر الملكي المغربي صياغة الكلمات الودية وعبارات الوحدة، لكن الحقيقة تبقى ماثلة في السلوك الميداني الذي يفضح النوايا. فحين تمتد يدٌ للمصافحة، وتمسك الأخرى بخنجر مسموم، فإن الشكّ يصبح واجبا، والحذر أكثر من ضرورة.
“اليد الممدودة” التي يكررها محمد السادس، لم تعد تُقنع أحدا، بل صارت عنوانًا لخطاب مزدوج، يُغلف العداء تحت عبارات جوفاء من المجاملة. والشعوب تعرف جيدًا اليوم كيف تميز بين الدبلوماسية الصادقة، والمناورات التي تهدف لإخفاء مشاريع التآمر والتوسع المغربية برعاية صهيونية.
عبد القادر. ب - اخبار دزاير