قضية الصحراء الغربية ليست مجرد صراع إقليمي، بل هي دين تاريخي عميق على إسبانيا، وانعكاس لتناقضات سياستنا الخارجية. بالنسبة للشعب الصحراوي وأصدقائه المخلصين، كان تاريخ الحكومات الإسبانية سلسلة من الآمال المحطمة والضربات الحاسمة، وخاصة من حزب العمال الاشتراكي الإسباني (PSOE).
من وجهة نظر الصحراويين، تسبب حزب العمال الاشتراكي الإسباني، على الرغم من وعوده وأيديولوجيته الأولية، في أضرار أكبر من الحزب الشعبي (PP). جاءت أول نقطة تحول رئيسية مع فيليبي غونزاليس. بصفته زعيمًا لحزب العمال الاشتراكي الإسباني، زار غونزاليس مخيمات الصحراويين في تندوف عام ١٩٧٦ ووعد بمرافقتهم "حتى النصر النهائي"، مما ولّد أملًا كبيرًا. إلا أنه بمجرد توليه منصب رئيس الوزراء، خفت حدة هذا الخطاب. ورغم استمرار الدعم الرسمي لاستفتاء تقرير المصير الذي ترعاه الأمم المتحدة، إلا أن الواقع كان يشهد تزايدًا في السلبية. وبدأ الاستقرار مع المملكة المغربية، لأسباب استراتيجية واقتصادية، يثقل كاهل القضية الصحراوية، وتراجعت مكانتها. بالنسبة للكثيرين، كانت هذه بداية تواطؤ مُبطّن مع الموقف المغربي.
لم تكن حكومتا الحزب الشعبي (PP)، بقيادة خوسيه ماريا أثنار وماريانو راخوي، استباقيتين. حافظتا على موقف إسبانيا الرسمي الداعم لقرارات الأمم المتحدة، ولكن دون أي نشاط يُذكر للدعوة إلى حل عادل. ركزتا على العلاقة الثنائية مع المغرب من منظور أكثر براغماتية. صحيح أن "تقاعسهما" تعرّض للانتقاد، ولكن لم يُنظر إليه على أنه قطيعة أو خيانة تُضاهي خيانة حزب العمال الاشتراكي الإسباني (PSOE).
في عهد خوسيه لويس رودريغيز ثباتيرو (حزب العمال الاشتراكي الإسباني)، استمر الدعم الرسمي للاستفتاء، ولكن تكثفت العلاقة مع المغرب أيضًا. اعتُبرت أفعاله، مثل مشاركته في المنتديات المؤيدة للمغرب في الصحراء الغربية المحتلة، حتى خارج الحكومة، بمثابة لفتات تواطؤ وتجاهل للقانون الدولي. لكن الضربة الأشد والأكثر وضوحًا جاءت مع بيدرو سانشيز (PSOE). في مارس 2022، وبشكلٍ أحادي ودون توافق، خالف سانشيز الموقف الإسباني المتجذر منذ عقود بدعمه خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية، واصفًا إياها بـ"الأساس الأكثر جدية". ويُفسَّر هذا القرار على أنه استكمالٌ للتواطؤ التاريخي، وشرعنةٌ فعلية للاحتلال المغربي، وتخليٌّ مباشرٌ عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
ومن المفارقات المؤلمة أن أحزاب "المعسكر الاشتراكي" مثل سومار (ورثة بوديموس وآخرين)، التي تُشكّل اليوم جزءًا من الحكومة نفسها، هي تحديدًا من يرفع راية تقرير المصير. ورغم انتقادهم العلني لتراجع سانشيز ودفاعهم عن الشرعية الدولية، إلا أن قدرتهم على التراجع عن هذا القرار الرئاسي كانت شبه معدومة حتى الآن.
في غضون ذلك، استغل الحزب الشعبي هذا التحول من قِبل الحزب الاشتراكي الإسباني، ليُرسّخ نفسه كالناقد والمدافع الرئيسي عن "الموقف التاريخي" لإسبانيا والقانون الدولي. بالنسبة للكثيرين، سلّط هذا التحول في دور حزب الشعب، وإن كان انتهازيًا على الأرجح، الضوء على التناقض والضرر الذي ألحقته الحكومات الاشتراكية. باختصار، من شعار فيليبي غونزاليس "حتى النصر النهائي"، مرورًا بسلبية ثاباتيرو المتهاونة، ووصولًا إلى "خيانة" بيدرو سانشيز الصريحة، نُظر إلى خلافة رؤساء حزب العمال الاشتراكي الإسباني على أنها تآكل مستمر لحقوق الشعب الصحراوي، وتنازل للمغرب بطريقة أو بأخرى. ربما كان تقاعس حزب الشعب محبطًا، لكن تصرفات الحكومات الاشتراكية كانت، بالنسبة للكثيرين، ضررًا مباشرًا وعميقًا للقضية الصحراوية وشعبها.
المصدر : الصحافة الإسبانية