على مدار يومين كاملين، انعقد اجتماع الأمانة الوطنية في دورته العادية، وسط ترقب شعبي كبير وانتظار لقرارات قوية تخرج الوضع من حالة الركود والتردد وتترجم حجم التحديات، لكن بدل الخروج بالقرارات، اكتفينا بالمداخلات، وبدل أن نمارس ما يفترض أنه دور طبيعي للقيادة، مارسنا الإنشاء ثم الإصغاء ثم الانتشاء.
تمخض الجبل فأنجب مداخلات، لا تدخلا ثوريا وعمليا، يميط اللثام عن دور طبيعي للقيادة، ومقصا يجنب القضية والمشروع العمليات الجراحية القيصرية، وقد تحتاج الوثبات الثورية إلى طبيب زاهد، ماهر وغير أناني، وليس حفنة ممرضين لا يتقن الواحد منهم سوى التعبير عن الإعجاب، وبدل المشاركة الفعلية، يخوض أغلبهم المشاركة في تثمين الكلام وتقييمه.
لقد صار تقييم الاجتماعات يدور حول من قال ماذا، وبأي أسلوب، ومن كانت مداخلته رزينة أو متشددة أو جيدة؟، وكأننا في منبر تضامني لا في هيئة تنظيمية من المفترض أن تناقش القضايا التي تقود إلى النصر في لحظة مفصلية.
لقد وصل بنا الحال إلى أن نستخف بالعقول ونجلس لساعات نحلل فراغ الخطاب بدلا من أن نملأ فراغ الفعل، وأصبح التنظيم يعيش خطر الإنشاء بين الخطابات المطولة والتقييمات الشكلية التي لا تلامس جوهر التحديات.
في زمن القيادة الحقة، كانت القيادة تضغط من أجل اتخاذ القرارات الحاسمة، وتتحرك قبل أن تتكلم، اليوم أصبحنا ننتظر من يحسن الخطابات لا من يحسن الفعل ويتحمل المسؤولية في واقع يزداد تراجعا يوما بعد يوم.
إن ما يجري في مثل هذه الاجتماعات يكرس حالة التراجع، بدلا من التقدم المنشود، والخطر الأكبر أن نعتقد أن هذا النوع من الاجتماعات قد يعالج الأزمة، لأن القرارات المطلوبة تصاغ وسط الميادين وليس بالخطابات.
ولعمري إنها الرزية وأجل الخطب ومبلغ الهوان.
بقلم الاستاذ: الصالح ابراهيم ولد حيمد