القائمة الرئيسية

الصفحات

رأي حول بيان الأمانة الوطنية الاخير

 


في خضمّ ما تمر به القضية الوطنية من تعقيدات متعددة الواجهات، كان من المفترض أن تشكل الدورة العادية السابعة للأمانة الوطنية محطةً سياسيةً نوعية لمراجعة شاملة وتقييم صريح لأداء الجهاز السياسي والتنظيمي لجبهة البوليساريو، باعتبارها الإطار الجامع لآمال وتطلعات الشعب الصحراوي. إلا أن البيان الصادر عنها لم يخرج عن النسق المألوف من اللغة الخشبية، والشعارات المعادة، والتطمينات غير المسنودة بأفق فعلي أو التزام عملي، ما يعمق الهوة بين الخطاب الرسمي والواقع الملموس داخل المخيمات والمناطق المحررة.

1. أول ما يُلفت الانتباه هو التجاهل الكامل لواقع الانفلات الأمني المتصاعد، والذي بات مصدر قلق يومي للمواطنين، بعد تفاقم حوادث السرقة، وانتشار السلاح بشكل غير منضبط، وظهور شبكات تهريب وجريمة منظمة في ظل غياب إجراءات ردعية حاسمة أو خطة أمنية واضحة. الصمت تجاه هذا الوضع، وعدم الاعتراف به حتى في وثائق الأمانة الوطنية، يشكل خطراً سياسياً وأخلاقياً، ويفاقم الإحساس بانعدام الثقة في قدرة المؤسسات على حماية المواطن وضمان الاستقرار.
2. النقطة الثانية تتعلق بحالة التذمر الشعبي المتصاعدة من الأداء التنظيمي، في جميع مستوياته. فالبُنى التنظيمية، من الخلايا إلى البلديات، تعاني حالة من الجمود والشكليات، حيث تتراجع فعالية الأطر ويغيب التحفيز والتقييم، فيما يُقصى العديد من الكفاءات الشبابية لصالح منطق الولاء والمحسوبية. رغم أن المؤتمر الشعبي العام الأخير تبنّى شعارات إصلاح تنظيمي وتجديد نخب، إلا أن شيئاً من ذلك لم يُنفّذ فعلياً، ولم تظهر مؤشرات تُبرهن على وجود إرادة لتجديد الأطر أو تفعيل الدور السياسي للمؤسسات القاعدية.
3. إضافة إلى ذلك، خلت الوثيقة الختامية من أي شكل من أشكال النقد الذاتي، وهو ما يُعدّ مؤشراً سلبياً على غياب ثقافة المحاسبة والمصارحة داخل أعلى هيئة قيادية. لم تتضمن الوثيقة تقويماً للبرامج السابقة، ولا تقييماً لأداء القطاعات أو المسؤولين، ولم تطرح الأسئلة الجوهرية التي تؤرق القاعدة الشعبية. 
إن الاستمرار في نهج التبرير وتوزيع اللوم على الأطراف الخارجية فقط، دون التوقف عند مسؤوليات ذاتية واضحة، يُفقد القيادة كثيراً من رصيدها الرمزي ويزيد من اتساع الفجوة بين الواقع والخطاب.
4. أخيراً، فإن التكرار الممل لنفس القوالب البلاغية، من قبيل "تحية للجيش" و"الإشادة بصمود الشعب"، أصبح غير كافٍ لتأطير المزاج الشعبي أو احتواء الشكوك المتنامية تجاه جدوى الخط السياسي المتّبع. لا أحد يشكك في تضحيات الجيش أو صمود الجماهير، لكن المطلوب اليوم ليس التذكير بما نعرفه، بل تقديم ما نحتاجه: أجوبة دقيقة، خطط واضحة، وتحرك ميداني ينعكس على حياة الناس، وليس مجرد رفع للمعنويات أو تعويم للمطالب.
في النهاية، ما يريده الشعب الصحراوي ليس أكثر من الوضوح والصدق والالتزام الفعلي بما يُعلَن. فبدون اعتراف صريح بالتحديات الداخلية، وبدون مواجهة جدية لمسائل الأمن والتنظيم، تبقى البيانات حبراً على ورق، ويظلّ الحلم الوطني معلقاً بين خطاب مكرور وواقع يتآكل.
سلامة مولود اباعلي

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...