لم يمتلك الصحراويون تاريخيا تجربة وثيقة مع البحر ،الذي دخل منه أول المستعمرين.لذلك غاب من اشعارهم و اختصرته الامثلة والحكم باعتباره رمز الغدر ،المجهول والموت .غير أن قوافل الشباب، جعلت منه في الفترة الأخيرة، "فيزة بنصف الثمن " ،و وسيلة بلوغ الملاذ الموعود ، وتصالحت معه بصورة تطرح أكثر من تساؤل. لعل ابرز تلك الأسئلة؛ هل وصل واقعنا من المأسوية إلى درجة المغامرة بالأرواح عبر البحر ؟
ومع خسارة معارك التأطير والتكوين والمشاركة تنظيميا ،و تزاحم المادية و سوء إدارة الشأن العام و انعدام العدالة وغياب القدوة والطهارة الأخلاقية ،وتعاظم الشعور بالتهميش، ترك الشباب هذه المرة على الهامش و أمام قدره، داخل أعماق المغامرة والموت ،وبين أمواج البحر ،بعيدا عن الوطن واللجوء، قريبا من التغرب و المنفى ؟
فأن يركب " الرحل الجدد" البحر ، صوب العوالم المجهولة؛فتلك مسألة تستحق أن تُطرق ، وأن تنال حقها من الدراسة والمساءلة وتحمل المسؤوليات . و "الولاء الذي لا يسمح بالتساؤل هو تعصب مُقنّع." كما يشدد جورج أورويل.
معدلات ركوب قوارب الموت المتزايدة ، من شباب في عمر الزهور ،تقتضي أن نقف حيث نحن . فالديمغرافيا كانت أم معاركنا مع العدو ."و إلى عادو الناس يحسبو بالنحاس خاصنا نحن نحسبو بالذهب ".كما يقول الشهيد الولي .وخسارة تلك المعركة، يعني التفريط في جوهر المكتسبات وفي بنادق القضية و وقوّدها.والمواظبة على التأخير والتسويف والتردد ، سيجعلنا جميعا في النهاية غير سعداء .
من عادة المجتمعات أن لا تطرح أسئلة لا تمتلك إجاباتها .لكن أن يُضيع المجتمع مميزات ما يسميه علم السكان بالنافذة الديمغرافية ،دون عائد مدروس ،هو امتحان وجودي .ليس للتنظيم و أدواته وخطابه ،بل لمجتمع حارب بعقيدته، و لأجل أهدافه في الديمومة والتطور والاستمرار.
وفي انتظار ارتدادات الكارثة المجتمعية ،نبقى نترقب- لا قدر الله -أن يبتلع البحر فلذات الأكباد ،كي نصحو من غفلتنا الكبرى !
هجرة الشباب بشكل مفتوح، وبالخطورة الحالية ،هو دليل على العلاقة المتباينة مع الواقع و الأفق، و تجريد في معناه الحقيقي للثورة، من سلاحها الفتاك .ظاهرة ستدفع القضية والمجتمع ثمنها الباهظ للأسف.
بقلم الاستاذ القدير : محمد أعلى (الفاروق)