القائمة الرئيسية

الصفحات

المكابرة ودفن الرأس في الرمال: أسلوب تنتهجه قيادتنا الوطنية

  


لا يحتاج المواطن الصحراوي اليوم إلى كثير من التأمل أو التحليل ليدرك أن قيادتنا الوطنية قد أوقعت قضيتنا في نفق مظلم، بفعل مزيج قاتل من المكابرة السياسية، ودفن الرأس في الرمال كلما اشتدت الأزمات وتكاثرت الخيبات. فمنذ عقود ونحن نُمنّى بالسراب، نُساق من خطاب إلى آخر، ومن مؤتمر إلى آخر، بينما تزداد أوضاعنا بؤسًا، ويفقد الحلم الصحراوي بريقه شيئًا فشيئًا.
كواحد من أبناء هذا الشعب، أشعر - مثل كثيرين - أن القيادة اختارت أن ترفع الشعارات بدلًا من تقديم حلول، وأن تلهث خلف شرعيات متآكلة بدلًا من مواجهة الواقع بعقلانية وصدق. سنوات طويلة من الخطابات الرنانة لم تنتج سوى مزيد من التيه والانقسام، ومزيد من المعاناة في المخيمات، ومزيد من العزلة السياسية والدبلوماسية.

الإخفاق السياسي والدبلوماسي
لم يعد خافيًا على أحد أن قيادتنا فقدت زمام المبادرة على الساحة الدولية. لا جديد يُذكر سوى فقدان الدعم من دول كانت تُعتبر تاريخيًا سندًا سياسيًا للقضية. وفي كل مرة يُسحب فيها الاعتراف أو تُقفل سفارة للجبهة، تكتفي القيادة بالبيانات المتصلبة، وكأن شيئًا لم يكن. لم تسأل نفسها: لماذا تراجع الدعم؟ ولماذا انفضّ من حولها الحلفاء؟ بل تواصل نهجًا قوامه "العناد الأجوف"، كأننا نملك ترف الوقت أو البدائل.

الفشل على الصعيد الاجتماعي والمعيشي
من مخيمات العزة والكرامة حيث يعيش الصحراويون منذ عشرات السنين، تصلنا يوميًا شكاوى وانكسارات. لا أفق، لا تعليم يرقى إلى الحد الأدنى من الجودة، لا منظومة صحية تحترم كرامة الإنسان. المساعدات الدولية، التي كانت تُقدم باسم معاناة الصحراويين، أصبحت اليوم محل شبهات وتحقيقات دولية حول الفساد والاختلاس. ومع ذلك، لا اعتراف، لا محاسبة، لا تغيير.
القيادة تتغنى بالتمثيل الحصري للشعب الصحراوي، لكن متى سألته عن رأيه؟ متى أُجريت انتخابات حقيقية؟ متى فُتح النقاش لمساءلة المسؤولين عن خيارات مصيرية حملت أجيالًا كاملة إلى المجهول؟ نعيش اليوم وضعًا مأساويًا ليس فقط بسبب الاحتلال، بل بسبب استهتار قيادة لا تسمع إلا صوتها.

التراجع عن دعم الخيار العسكري
العودة إلى الحرب بعد سنوات من "وقف إطلاق النار"، في 2020، كانت فرصة حقيقة لكسر الجمود والعودة بالقضية الى مركز الاهتمام العالمي ومحاصرة الاحتلال وارغامه على القبول بحل يضمن حق شعبنا في الحرية والاستقلال لكن تخلي القيادة عن الجبهة العسكرية والاكتفاء بالتفرج دون وضوح في الأهداف، ولا تقدير لحجم التضحيات، ولا حتى استعداد حقيقي.

الشباب الصحراوي اليوم لم يعد يصدق ما يُقال له، ولا يجد في شعارات الحرب سوى وسيلة للالتفاف على فشل سياسي ذريع. 
المأساة الكبرى ليست فقط في الإخفاق، بل في الإصرار على إنكاره، وتخوين كل من يجرؤ على الحديث عنه. الصحراوي الذي ينتقد أداء القيادة يُتهم بالعمالة أو الخيانة، وكأن الوطنية حكر على من يصفق للفشل. لكن الحقيقة أن أكبر خيانة اليوم هي الصمت عن أخطاء مدمرة تقود شعبًا بأكمله نحو اليأس.
كلما ارتفعت أصوات المطالبين بالإصلاح، تمت محاصرتها بالتهم الجاهزة. لا حوار داخلي، لا محاسبة تنظيمية، ولا مراجعة للاستراتيجيات. هل بهذه العقلية نبني دولة؟ هل بهذا السلوك ننتصر لقضية عادلة؟
لسنا بحاجة إلى متحدثين جدد، ولا إلى مؤتمرات جوفاء. نحن بحاجة إلى قيادة تسمع، إلى مشروع سياسي واقعي، وإلى اعتراف بالأخطاء بدل المكابرة، وإلى مواجهة الحقيقية بدل دفن الرأس في الرمال. ما زال فينا من يحمل الأمل، لكن خيانة الأمل أشد وقعًا من فعل العدو.
كصحراوي، لا أكتب هذا من موقع العداء، بل من عمق الجرح. لأنني أريد أن أؤمن بأننا نستحق أكثر، وبأن النضال الحقيقي لا يكون عبر تكرار الأخطاء، بل بتصحيحها.
سلامة مولود اباعلي 

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...