القائمة الرئيسية

الصفحات

الى متى تصر القيادة على إنكار الواقع؟

  

 بقلم: الديش محمد الصالح
ان إنكار الواقع أو إن صح التعبير دفن الرأس بالرمال هي المتلازمة التي أصيب بها الأشخاص الذين يمارسون السلطة لدينا، وقد تطورت نتيجة إحكام بقائهم الطويل في هذه السلطة وشعورهم بانهم أوصياء على المصير مهما بلغت اخطاؤهم من تراكمات. وكانت من نتائج هذه الحالة الغرور والحصانة الدائمة وعدم الخضوع للمساءلة، مما أدى إلى الانفصال عن الواقع  وفقدان الرؤية الصحيحة له والادمان تبرير الفشل بالقاء اللوم على عوامل خارجة عن الإرادة.
تم اطلاق يوم 10 ماي الماضي عريضة تطالب القيادة الوطنية باتخاذ إجراءات استثنائية لتنظيم وقفة مع الذات لاستنفارها لمواجهة المخاطر والتحديات الكثيرة التي تميز الظرف الذي نعيشه وتدعو جميع الصحراويين الى دعمها من اجل حماية مكاسبنا وانتشال كفاحنا التحريري من حالة الركود التي تطبعه. وهذه العريضة هي مجرد مبادرة قامت بها مجموعة من المناضلين بدافع الغيرة الوطنية والخوف على المصير، وليست الا صياغة لانشغالات الراي الوطني وخلاصة للتقييمات الوطنية الموقوف عليها لا اكثر ولا أقل.
كل أصابع الاتهام موجهة لإدارة الشأن العام في عدم حسن تدبيرها والذي يتجلى في صعوبة تكييف الواقع الوطني مع متطلبات استئناف الكفاح المسلح وانفلات عام وخاصة تهديد أمن قواعدنا الخلفية، اختلال ميزان القوة العسكري  وبرودة التعاطي والتقليل من خطورة المؤامرات الخارجية التي تسعى الى الالتفاف على مكاسبنا ومصادرة حقوقنا. 
تساءل كثيرون عن الاسباب وراء جعلها مفتوحة؟ وهو سؤال من المفترض أن تجيب عليه السلطة، التي ترفض الانفتاح على الرأي الآخر داخل الجبهة، بل ذهبت الى حد شيطنته وامتنعت عن التأسيس القانوني له، بالرغم ان بنود القانوني الاساسي للجبهة ودستور الجمهورية الصحراوية واضحة في مجال الحريات. ومع ذلك،  فإن الإعلان عن هذه العريضة فيه من الايجابيات ما ليس في ابقائها حبيسة للبيروقراطية والمزاج، خاصة مبدأ الشفافية واستعادة قوة المشاركة الشعبية في القرار وتدبير الشأن العام.
لا يجب اختزال العريضة في مؤتمر استثنائي، فهي، قبل كل شيء، مقاربة حضارية لمصارعة الفكر من خلال نقاش وطني جاد وصادق يجمع كل أطياف الشعب لتقييم الوضع وتحديد مكامن الخلل وعلاجها. فلم تخرج الفكرة عن قاعدة حساسية كفاحنا التي تفرض التمسك بإطار الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ووحدة تمثليها للشعب الصحراوي وبعروة الوحدة الوطنية الوثقى، كذلك انطلقت من مشروعية ابداء المناضلين لآرائهم داخل الجبهة، وأخيرا وليس آخرا التشبث بمبدأ الحوار لما في ذلك من حكمة في علاج القضايا الداخلية وأخذا بعين الاعتبار وجودنا في المنفى.
كانت مبادرة صادقة ومسؤولة، وبالرغم انها شكلت فرصة ثمينة للجميع سلطة كانت، نخبة او قواعد شعبية للخروج من هذا الواقع الرديء الذي نعيشه، لكن عدم استغلالها هذه الفرصة كشفت هشاشة الدور الطلائعي للحركة في شكله الحالي. للأسف الشديد، لم تتفاعل السلطة مع هذه المبادرة وجندت آلتها لمهاجمتها بكل انواع النعوت والاتهامات، رغم انني متأكد كل التأكد انها تدرك صحة الطرح وحجم تأييد القواعد الشعبية له، ما يعكس نزعة تقديم المصلحة الضيقة على المصلحة العامة لدى قيادتنا "الرشيدة". النخبة كذلك، وخاصة العامل منها، أشبه ما يمكن وصفها ب "النخبة الوظيفية" في غالبها، حيث لا يهمها الا مصالحها واعادة انتاج نفسها عبر الولاء المطلق للسلطة مما شجع على الفساد وأثر على الوعي الجمعي وحرم الشعب من التطور ومن الاستفادة من مقدرات أبنائه وبناته الذين طالتهم أيادي التهميش والاقصاء.
ليست هذه المبادرة الاولى وبالتأكيد لن تكون الأخيرة بإذن الله لإصلاح الشأن العام، لكن ما يجب الانتباه له هو العواقب الوخيمة جراء اتباع سياسة النعامة في علاج قضايا المصير. إن عدم تفاعل القيادة مع هذه المبادرة لا يعني ان طرحها غير صحيح، ولا يعني ان وقتها غير ملائم، لكن للأسف الشديد غياب المسؤولية في التجاوب معها دليل على اننا نسير على ظهر سفينة بلا رواد.
اذا اردنا فرض خيارنا في الكفاح الذي نخوضه، وهوا قامة دولة كل الصحراويين المستقلة على كامل ترابها الوطني، لابد من مراجعة شاملة لأدوات الطليعة واعادة إرساء أسس واضحة لضمان النصر والتي يأتي على راسها الاستثمار في الانسان الصحراوي.

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...