" حادثة هزت كل كياني و كل جوارحي ".
قصاصة الليلة، ستخرج عن فلسفة و أبجديات القصاصات السابقة.
قال، صلى الله عليه و سلم "....إذا مات إبن آدم إنقطع عمله ، إلآ من ثلاث :
صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ".
و قال صلى الله عليه وسلم "...إن من أبر البر ، أن يصل الرجل أهل ود أبيه، بعد أن يولي".
خلال زيارتي للمخيمات في فصل الصيف الماضي، شأءت الأقدار إن إنتقلت إلي الرفيق الأعلى، إحدى جاراتنا.
كان، أولادها أصدقائي منذ الطفولة .
ذهبت لأعزي أصدقائي في مصابهم.
كان، المعزون يأتون زارافات و وحدانا.
يعزون و يغادرون.
في لحظة ، دخلت علينا سيدة عجوزآ تستند على عكازها و على وجها الكثير من الوقار.
متحزمة ب " ملحفة " و تلف على رأسها " ملحفة ".
دخلت و قالت...." عظم الله أجرنا و أجركم....ذيك هي أطريقها و ألي ما أمشى اليوم ماشي الصبح....ويلو ألا حد غرتو ".
واصلت حديثها و هي تستند على عكازها و تجول بعينيها بين الحضور.
أضافت..." هون ، حد من أولاد المرحومة "؟
قلنا نعم.
قالت "....شوفو يا أولادي....من ليلة أربعين والدتكم، لاهي أتم هي و والدكم يقعدوا عند كفية أخيامكم....إحانوا صدقة من عندكم و لا فعل خير لاحقهم منو شي و لا برور حد من أحبابهم فالدنيا و ألا أتريكة أصغيريين تاكلينهم اعليكم وراهم.....
و هذا - راهو يا أولادي فالصيف و فالشتاء و فتيفسكي و فلخريف -.
إباتوا قعود عن كيفيتكم، كانكم تذكروا ذيك لرواح لسهرت معاكم و تعبت و شغات و جاعت باش تشبعوا و عرات باش تلبسوا.
أمنين يتناص الليل ، إقول البو للأم....قومينا، الليلة ألا كيف البارح....تركتنا أغلبهم هم الدنيا و أنساونا.
أتقوم الوالدة بيها الحنان تعتذر عن تركتها و تقول للبو....حاني نفوتوا أشوي....هوما راهم حتى هوما فارقة عليهم هموم الدنيا و عندهم عيال أصغيير.
ينتظر الوالدان و هما ينظران للسماء.
و عند طلوع " أنجيمة " الصبح، ينسحبا في هدؤ تام....أحشاما....ما روحو شي....لأنهما سيلتقيان برفاقهما في المقبرة و كلها لاهي إقول أشروحت لو تركتو.
و هذا....يا أولادي....كل ليلة معبود....
لا تحشموا والديكم....و لا لعادت لعقوبة للنار".
لا أريد الحكم على " رائعة " هذه الوالدة....و لكنها هزتني و بكل عنف.
إنسحبت، العجوز ....كما دخلت في هدؤ تام و في سكينة تامة.
قالت"....كلها يصنت لكفيتو".
ودعتها بنظرة و هي تخرج من باب " الحوش " و لأول مرة....أفرق بين مفهومين ،الجهل الأكاديمي و الجهل المعرفي.
كنا....في ملكوتنا و " الحاجة " كانت في ملكوت آخر.
إذاعاتنا - نحن و " الحاجة " -...تبثان على موجتين مختلفتين .
إذاعة " الحاجة " كانت أكثر نقاوة و أكثر صفاءآ من إذاعتنا.
" أقصاعينا" كانت موجهة للأرض و قصعة " الحاجة " موجهة للسماء.
أنا، متأكد بأن هذه " الحاجة " لا تعرف كيف تكتب إسمها....و لكن الجهل في تلك الليلة " أتوالانا " أحنا.
هنا عناق أبدي بين الدين و التراث.
عناق ، لا يفسد للود قضية.
هناك، لحظات في هذه الدنيا يتوقف فيها الزمن.
كانت، تلك اللحظة ، إحداها .
دكتور : بيبات أبحمد.