القائمة الرئيسية

الصفحات

زمن النخبة هو الآن ... من كونها ضمير الأمة وبوصلة النضال ....

 

اثنان وخمسون عامًا مرّت منذ أن قرر شعب الصحراء الغربية أن ينتزع صوته من ركام التجاهل، وأن يكتب تاريخه بدماء شهدائه وصبر أمهاته ونضال أجياله. 
منذ فجرالثورة في 20 ماي 1973، حمل الشعب الصحراوي بندقية المقاومة ومشعل الوعي في آن واحد. 
كانت المعركة من أجل التحرير لا تقتصر على خنادق القتال فقط، بل امتدت إلى ميادين الدبلوماسية، والثقافة، والتعليم، وبناء مؤسسات الدولة الصحراوية في ظروف قاسية، وفي منفى قاسٍ بين صحراء اللجوء وعتمة النسيان العالمي.
لم يكن الصمود خيارًا سهلاً، بل كان قدرًا. وبالرغم من الحصار، والخذلان الإقليمي والدولي، والمناورات المكشوفة، ظل الشعب الصحراوي رقماً صعبًا في معادلة الاستعمار الحديث، يثبت في كل مرة أن الاحتلال لا يُعمّر في أرضٍ يسكنها الأحرار .
اثنان وخمسون عامًا والشعب الصحراوي يَجرّ خيامه على أكتافه، ويسكن أرضًا لا تسكنه، ويتنفّس هواءً بلا وطن، لكنه لم ينسَ أبدًا من يكون، ولا لأي شيء يقاتل ويقاوم بجلد وصمود قل نظيره .

إثنان وخمسون سنة أثبتنا بأننا لسنا شعبًا وُلد في المأساة فاستسلم لها.
لقد حولنا اللجوء إلى مدرسة، والصحراء إلى جامعة، والخيمة إلى مؤسسة. صمدنا حين انهار الأخرون، وثبتنا حين سقطت أقنعة العالم. بنينا دولة بلا أرض، وأقمنا نظامًا بلا موارد، وربينا أجيالًا تحفظ نشيد الوطن قبل أبجديته .

إثنان وخمسون سنة والعدو لم يتغيّر، لكنه أصبح أكثر خبثًا. لم يعد يهاجم فقط بالطائرات والدبابات، بل يخترق بالعقول ، ويزرع الشك بدل القنابل، ويعتمد على تعبنا أكثر من قوته. يراهن على أن الأجيال الجديدة ستنسى، أو تملّ ، لكننا نراهن على أن الجذور التي غرستها الدماء، لا تجفّ ، وأن من وُلد من رحم الثورة، لا يعرف معنى الاستسلام .

وبعد إثنان وخمسون سنة ها نحن اليوم نعيش في مرحلة حاسمة من مسار الكفاح الوطني، مرحلة تتطلب من النخبة الصحراوية أن تتصدر المشهد بجرأة ومسؤولية. فبقدر ما يشتد الخناق، تتجلى معادن الرجال والنساء الذين اختاروا الاصطفاف إلى جانب شعبهم وقضيتهم .
  
لقد أصبح من الضروري، بل من الواجب الوطني، أن تشمر الإطارات والنخب الصحراوية عن سواعدها، وتنتقل من موقع التنظير والتقييم إلى موقع الفعل والمبادرة. فالمرحلة الراهنة لا تحتمل التراخي أو الانتظار، بل تتطلب جهودًا موحدة لصياغة خطاب وطني يعيد بعث الأمل، ويزرع الثقة في النفوس، خصوصًا في صفوف الشباب الذين باتوا ضحية لحملات التشكيك والإحباط .

لقد آن أوان أن تنهض النخبة الصحراوية بدورها الكامل في تعبئة الجماهير، وشحذ الهمم، وبناء الوعي، وتحصين الوحدة، وإعادة الثقة بأن النصر ممكن، بل ووشيك، ما دام في هذه الأمة رجال ونساء يحملون راية الحرية بصدق ويقين .

على النخبة أن تعي بكل مسؤولية بأن الرد الحقيقي على خطاب اليأس والتفكيك، هو خطاب الأمل والتفاؤل والعمل الميداني الصادق. فالمعركة ليست فقط على الأرض، بل أيضًا في الوعي، في المدرسة، في الإعلام، في المسرح، وفي كل منبر يمكن أن يوقظ روح المقاومة وينير درب التحرير.

على النخبة الصحراوية ــ من الإعلاميون، الفنانون، الأساتذة، المثقفون، الدبلوماسيون وغيرهم ــ  ان تدرك بانها ليست مجرد مجموعة من المثقفين أو المسؤولين أو الشخصيات العامة، بل هي ضمير حيّ للأمة الصحراوية، ومسؤوليتها التاريخية تتجاوز مجرد التنظير أو النقد، لتلامس جوهر الفعل التعبوي والمشاركة في الفعل الميداني . وهي الجسر الرابط بين القيادة السياسية للجبهة ، وبين الجماهير الواسعة التي تتحمل عبء اللجوء والتشريد والحصار. 

على النخبة ان تدرك بأن دورها ، بكل أطيافها الفكرية والسياسية والثقافية والإعلامية، يشكل حجر الزاوية في مواجهة التحديات وبناء وعي جماهيري صلب قادر على التفاعل الواعي والمقاومة الواعية.ومن هنا، فإن الخطاب الذي تنتجه هذه النخبة إن كان قويًا ومؤسسًا على القيم الوطنية والواقعية السياسية ، يمكنه أن يشحن الهمم ويعيد الثقة ، ويُبقي جذوة النضال مشتعلة في النفوس، خصوصًا في صفوف الشباب ، عبر إنتاج خطاب تعبوي واقعي، يعزز الصمود لا بالأوهام، بل بإبراز التضحيات ورسم طريق الأمل المشروط بالفعل الميداني والإرادة الشعبية. 

على النخبة الصحراوية ان تدرك بأن الاحتلال المغربي يشن حربًا نفسية باردة وبأساليب متعددة ومتنوعة تستهدف زرع اليأس والإحباط بين اوساط شعبنا ، وخاصة الشباب. وبان مهمتها الاولى في هكذا لحظات هي خلق فضاءات للأمل، ومساحات للإبداع والمبادرة، ومشاريع ثقافية وتعليمية تبث الروح الوطنية وتعيد الاعتبار لقيمة الصمود ، لا بالشعارات، بل بتوفير بدائل واقعية تعزز للإنسان الصحراوي قوة إيمانه بعدالة قضيته وبحتمية الاستقلال  .

على النخبة ان تعي ان الاحتلال المغربي ومن ورائه حلفاؤه، يدركون أن ضرب وحدة الصف الصحراوي هو الخطوة الأولى في كسر إرادة المقاومة والصمود ، وهو ما يدعوها إلى توجيه اقلامها لمواجهة محاولات التشكيك والتفرقة بمزيد من الشفافية والتواصل والنقد البناء. والدعوة للانصهار في هدف واحد: تحرير الوطن واستعادة الكرامة ، والحفاظ على اللحمة الوطنية وتعزيزها .

على كل من يصنفون انفسهم بأنهم من النخبة أن يسالوا أنفسهم وبكل تجرد من الذاتية :هل نحن فعلاً أوفياء لقيم الشهداء ؟ هل حافظنا على وحدة الصف، ونقاوة الخطاب، ووضوح الهدف ؟هل مكنّا الأجيال الجديدة من حمل الراية عن وعي وإدراك؟
من كون هذه الأسئلة لا تقلّ أهمية عن أي معركة عسكرية أو دبلوماسية. ومن كون معركة الوعي لا تقلّ خطورة عن معارك التحرير، بل قد تكون هي الأهم في هذه المرحلة.

وختاما على النخبة الصحراوية ان تقف لا لتعلن النهاية ، بل لتتذكر البداية ... تقف لتتأكد بان الحرية ليست وهماً ، بل إنها أمانة ... بان الوطن ليس ذكرى ، بل إنه وعد وكرامة ... وأن تقف لتدرك بإننا قد لا نكون وصلنا بعد... لكننا لم ننكسر ... وبان النصر قد لا يكون غدًا... لكنه قادم ، لأننا ما زلنا وسنظل هنا ......
عليها أن تُعلي من صوت الأمل، وأن تُحيي في ذواتنا الإحساس بأننا نقف على عتبة التاريخ، وأن النصر لن يأتي لمن يتفرج او لمن يصرخ من بعيد ، بل لمن يتواجد في الميدان ، يسير ... يواصل المشي ولو على الشوك.
بقلم المناضل الثائر من جذور الساقية والواد قبل ان يكون الوزير : موسى سلمى لعبيد

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...