ما منّا أحد إلا ويتفقد وجوه أولئك الراحلين. غابوا عن العيون، لكنهم ما زالوا يسكنوننا: في دمعة الأرامل، في شوق المشتتين، في صمت الشيوخ، وفي نظرة الأطفال الذين ما زالوا ينتظرون دفء الأمان بلا سياج ولا حماية.
لكن القيادة… آه، القيادة! هي التي تناست الوصية، ونسيت من أين جاءت، لما وجدت راحة المنصب. تركتها تذوي في متاهات المصلحة الخاصة والقبلية، متكئة على استعراضات فارغة، وحكايات مكذوبة، تسوقها أمام الشعب المكلوم، الذي بات يرى الحقيقة بعينيه العاريتين.
هذه القيادة التي نكّلت بالشهداء، ونكّلت بوحدة الصف، وحوّلت الأمانة إلى مجرد كلمات تتلاشى مع نسيم الحسابات الضيقة، وتركت الوطن ينهشه التشتت والانقسام.
أولئك الرفاق لم يورّثوا شقاقًا، حاشاهم. بل تركوا في أعناقنا أمانة، وفي قلوبنا عهدًا. واليوم، لا يجوز أن نقابل تضحياتهم بالخلاف، ولا نضيع وصاياهم في دوائر المصلحة والجبن.
اليوم، الواجب نادى، وأبناء الصحراء لا يتأخرون عن النداء. سفينة الشعب تعرف وجهتها، لكنها لا تبلغ مرساها إلا بمن يتحمل عبء قيادتها بصدق وإخلاص، لا بمن يعتليها طامعًا بالمجد الزائف، أو متكئًا على استعراضات الكراسي والبطولات المصطنعة.
إن لم يكن السمع كافيًا، فلننظر بأبصارنا. وإن خذلتنا العاطفة، فلنرجع إلى المعنى. فالصمود ليس ترفًا، بل دين في الأعناق، والصلابة ليست شعارًا، بل مبدأ أصيل.
والوحدة؟
ليست خيارًا نطرحه للنقاش…
بل شرطٌ لا بقاء لنا دونه.
بقلم: (م، ع )