القائمة الرئيسية

الصفحات

رغم فارق العمر هذه، قصة صداقة في شهر رحيل طيب ..


كتابات انسانية سابقة للمدون عبداتي لبات الرشيد عن أناس بسطاء رحلوا عن عالمنا 
فرصة للترحم عليهم في هذا الشهر الفضيل عند الله 
............
رغم فارق العمر هذه، قصة صداقة في شهر رحيل طيب ..
 *أسبوع الحزن يخطف موزع الإبتسامات وقاهر الكآبة .. يا له من أسبوع حزين ..* 
" .. بعد عودتي الى الديار أياما بعد رحيله المفجع وجدت أن صديقي عبد الصمد كان قد ترك لي رسالة شفوية أياما قليلة قبل وفاته عند أحد تجار "المرسة" كنا عادة نلتقي عنده، تقول الرسالة .. ( عندما يعود عبداتي وتلتقيه قبل أن أراه قل له أن لا ينسى أن يزورني )، سأله صديقنا التاجر: ولكن أين سيزورك؟، قال له عبد الصمد بأسلوبه المعروف: هو يعرف أين يجدني أنت فقط أخبره بذلك، وعندما عدت الى خيامنا كان صديقي قد رحل عن عالمنا هذا لكنني ذهبت لصديقي التاجر لنعزي بعضنا البعض، فتفاجأت حين أبلغني رسالة الراحل، لم أتمالك نفسي فأنهمرت الدموع، وبعد لحظات كنت أعرف أين سأجد صديقي عبد الصمد دون عناء هذه المرة تماما كما قال هو ( هو يعرف أين سيجدني )، لم يطول بحثي عنه بين أزقة الرابوني الصغيرة حيث كان يقضي يومه كله متجولا نشطا بل ذهبت بكل بساطة الى قبره ووقفت أدعوا له بالرحمة والغفران وكان ذلك الدعاء هو أعظم وأجمل وأكبر شيء منحته لصديقي طيلة حياته وبعد مماته، واليوم تمر خمسة اعوام على ذلك الرحيل الحزين ويبقى الوفاء لصديقي حيا ينبض بالإخلاص لا يموت ..  " .. 
"أنا حزين .. قالها بصوت مبحوح، قلت له ولماذا، قال لأنك لا تضحك لقد عرفتك ضاحكا ما إكدر أعليك شي .."
برغم فارق السن فهو بعمر جدي، كان عبد الصمد صديقا شخصيا لي وكنت أعرف كيف أعثر عليه كل يوم وكان يعرف هو أيضا اين يعثر علي، لقد كان لقاءه جزءا من يومياتي لكن اللقاء الأخير كان بالظبط يوم 10/03/2018 يوما واحدا قبل ان أسافر في مهمة خارج المخيمات، لم يكن أبدا لقاءا عاديا كأنه كان يودعني، أخبرته أنني مسافر لفترة قصيرة ثم سأعود وكنت مسرعا في خطواتي علني أجهز حقيبة سفري الصغيرة لكنني وقفت معه لدقيقة او دقيقتين وهو يضحك ويبتسم كعادته، هل ترغب في شيء ما من الغربة يا صديقي، لا لا قال لي ثم توقف لبرهة وأمسك بيدي وأخذ يدعوا الله ان أعود سالما، فقط سلامتك، نظرت الى عينيه جيدا، كان مختلفا، كأن وجهه حزين والدمعة كانت تبدوا قرببة لكن الرجل كان متماسكا، قال تلك الكلمات التي سمعت بعضا منها وباقي دعواته كان يهمس بها في سره وهو يمسك بيدي ثم إلتفت عني مسرعا وهو يقول ماني مودعك ماني مودعك، ماني مودعك .. 

كان عبد الصمد إنسانا مختلفا، كان رجلا سعيدا متصالحا مع نفسه ومع الناس، وبينما كنا نستيقظ متأخرين ثم نبدأ يومنا بذهن مشوش ومشاكل وهموم لا تنتهي تشتت تفكرينا وتغتصب فرحتنا وتنزع البسمة من علا ثغورنا كان هذا الرجل يستيقظ كل صباح باكرا "يخبط طوبتوا" على حجر فينفث الدخان بأنفة وعزة ليتركه كأنه رسمة متصاعدا نحو السماء ثم ينطلق في مهمة كبيرة عظيمة.

ينطلق عبد الصمد كل صباح باكرا لا ليبحث عن الرزق بل ليوزع البسمة وينشر الأمل وهو يفعل ذلك كل يوم دون كلل ولا ملل وبنفس الروح ونفس النشاط، 
كان يفعل موزع الإبتسامات وبائع الفرح وقاهر الكآبة كل ذلك كل يوم وهو يعاني من الداخل، يعاني المرض ونظرة المجتمع التي لا ترحم، يعاني قسوة الحياة وقسوة البشر، يعاني آلاما عديدة تغلب عليها بروح التفاءل والأمل وهو يداعب الفرحة وينتجها بكل الاصناف والألوان ليقسمها بعدل وسخاء على الكبير والصغير وعلى الغني والفقير وعلى المحروم والميسور الحال وعلى السعيد والكئيب، على المواطن والمسؤول وعلى حد سوى.

لقد كنا مثيرين للشفقة نحن الذين نعتقد اننا نعيش الحياة ونفهمها، الحياة هي تلك التي عاشها عبد الصمد، عاشها كما أحب ببساطة وتواضع، ولقد قيل ان العبرة بالخواتيم وخاتمة حياة كل واحد منا هي الموت وبعضهم كعبد الصمد يعيشها قويا ضاحكا ومبتسما بسيطا متواضعا حتى آخر لحظة رغم الحرمان والآلام والقسوة وبعضهم يعيشها متعجرفا مغرورا لكنه كئيبا مريض النفس محروم البسمة والضحكة، سرقت منه الرغبة في جمع المال وحب السيطرة والنفوذ كل أسباب العيش السليم وفي النهاية سيموت، سيموت ويلحق بركب لا فرق فيه بين غني ولا فقير، ولا بين أسود ولا أبيض، ولا بين قوي ولا ضعيف.

وختاما يقال .. " .. الفقد يعلمنا أننا سننسى الموت مهما حدث، وأن الموت لا ينسى أحداً، وأن أول ما يذكرنا به موت عزيز علينا، هو أننا لم نفعل ولم نقل ما يكفي .. " .. 
ولقد سالت دموعي في رحيلك يا صديقي وكنت تستحق لأنك أعطيتني ما لا يقدر بثمن، منحتني البسمة، فاللهم في هذا الشهر الكريم ارحم عبدك عبد الصمد وأدخله فسيح جناتك إنك سميع مجيب.
 عبداتي الرشيد

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...