القائمة الرئيسية

الصفحات


اليوم الراحل الشاب المتقد المحبوب حمتي انجيه .. ضمن سلسلة الكتابات الانسانية السابقة ل عبداتي الرشيد  عن أناس بسطاء كانوا بيننا قبل الرحيل الذي لا مفر منه .. فرصة للترحم عليهم في هذا الشهر الفضيل .. 
............... 
الفتى المتقد ..
 " .. فكم من روح طاهرة إنتقلت بعنفوان ورهبة من الأرض حيث يقف الأقزام متجهة الى السماء تاركة من بعدها بعضا او كثيرا منا ينحدر وإن ببطء شديد وبعد عمر مديد من مجرى التاريخ الى مجاريه .. !! ..

ملاحظة .. في الصورة صديق حمتي العزيز أيدة يوم ذكرت أمامه رفيق دربه حمتي فلم يتمالك نفسه .. 

أعذر كل من لم يسمع منكم بحمتي قبل الخبر الفاجعة لموته، فحمتي ما كان مشهورا ولا إبن سياسي مشهور، ما كان رمز ولا إبن رمز فارغ، ما كان ثرثارا تافها، ما كان ثريا، ما كان مبتزا للوطن، ما ترشح يوما لمنصب وما إقترب يوما من إتجاه يقربه من مال وحقوق اليتامى والأرامل والثكالى والمعوزين.

لم يحاول أن يكون يوما مشهورا ولا معروفا، هو المواطن البسيط مواطنة أبيه وأمه، الوطني الإنتماء قلبا وهوى، ما كان ليدخل منافسة إنتخابية او قبلية ولا حملة انحيازية لأي كان تحت راية أوهام معينة، فلم يؤمن بغير الشهادة من أجل قضيته ووطنه تفكيرا وعملا لذا، لم يتابع أخباره المنافقون، بل الصادقون، الفتى المناضل المُتقد الذكاء، والمنغمس عميقا في فهم دينه وعادات وتقاليد وأخلاق وتاريخ شعبه ما كان ظاهرة صوتية بل كان ضميراً حيا في زمن حمل فيه كل واحد منا ضميره في محفظة معروضا للمساومة الرخيصة مع الكرامة وأشياء أخرى للبيع وبأي ثمن في سوق شراء الذمم وإذلال الهمم .. !!.

 حمتي كان شابا عاديا، إبن شهيد دفع روحه ثمنا من أجل الناس وإبن مواطنة بسيطة متواضعة كريمة كرست حياتها لأجل حلم يجمع الناس، ومع ذلك كان حمتي على بساطته نجما ساطعا، كان شابا نادرا، كان مناضلا صادقا، كان رجلا شجاعا، كان إنسانا مرهف المشاعر والأحاسيس، كان صوتا جميلا يغرد بخفة دم محرضا الرفاق والوطنيين على الإنتماء إلى تجمع "المثاليين" للقيم الإنسانية النبيلة والى التحلي دوما بنكران الذات والتضحية بكل شيء في سبيل الناس.

كان حمتي يدري وهو الشاب اليافع الجميل أن الكلمة هي الأبقى حين يصدق الرجل القول فيتبعه بالفعل، لذا حمل الشاب الوسيم قلمه وهو المنتمي الى جيل -حتى رحيله- لم تسمع آذانه طلقة رصاصة واحدة مصوبة نحو الأعداء، حمل قلمه الرصاصة فكان له شرف أن راكم في سنوات عمره القليلة إرثا نضاليا لا نجاة للأعداء منه، لقد كان وفيا مخلصا منغمسا وفاعلا حد الوجع في قضايا وطنه وأمته المذبوحة بسيف الإحتلال والتشرد، تلك الأمة التي نذر لها حمتي نفسه عساه بأخلاقه ونبله وشجاعته ان يرد عنها بعض ما ألحق الغزاة والمفسدون بيننا والخونة والكسالى والمترددين والمبتزين والإنتهازيين والسراقين والمقصرين، ما ألحقوه من أذى بالوطن وبأحلام البسطاء من أبناء الوطن.

رحل حمتي وما نفع كل ما قيل وسيقال وكل ما كتب وسيكتب عن رحيل شاب خلوق غطى خبر موته لأيام صفحات الآلاف حزنا عليه، ولكن، ما نفع إنتشار صوره الجميلة التي تقاسمناها جميعا على جدران فضاءنا الإفتراضي البائس هذا شغلت لبعض الوقت ليس أكثر حيزا كان محجوزا دائما وسيبقى حكرا لمجاملة الأحياء من السياسيين وأشباه السياسيين ومن الحمقى والأوغاد والصيادين في الماء العكر والمنحرفين.

من بعض فواجع هذه الأمة أن لا يغادرها الى الأبد إلا خيرة أبناءها المخلصين وإنه والله لمشهد أغرب وأكثر وجعا من مشهد الموت نفسه وهو يفزعنا كل يوم بخطف طيب او كريم او متواضع او مكافح لا يرضى بغير خبزة العرق المصبوب او شجاع لا يقبل بالهزيمة ولا حتى بهزيمة منتصب القامة.

عزاؤنا أن أرحام أمهات هذا الشعب المظلوم لم تنجب وفقط المنافقين والفارغين ومرتزقة زمن الرداءة الذين يلوثون عالمنا التعيس، لقد أنجبت وهي تنجب كل يوم أيضا من أمثال حمتي من يعطون درسا في العيش بكرامة ونبل ثم يرحلون بسرعة مخلفين من وراءهم بصمة لا تمحى قبل أن ترتقي أرواحهم الطاهرة وبعنفوان ورهبة من الأرض حيث يقف الأقزام متجهة الى السماء تاركين من بعدهم بعضا او كثيرا منا ينحدر وإن ببطء شديد وبعد عمر مديد من مجرى التاريخ الى مجاريه .. !!.
 
في ليلة الشهداء وقبل ساعات قليلة من إنتقال الروح الى بارئها كتب حمتي عن معلمه وقدوته في الحياة الشهيد الولي مصطفى السيد فترحم بالمناسبة على روحه وأرواح كل الشهداء ثم أغمض عينيه نهائيا وهو الذي عاش عمره القصير بكثير من التواضع، لا التطاول منتميا الى شريحة البسطاء الذين فرشوا كما الشهداء بمعاناتهم وتضحياتهم وعرقهم ودماءهم سجادا جميلا أنيقا للوطن الجريح كي تواصل الأجيال القادمة السير قدما وبثبات نحو حلم سميناه الوطن والذين وعلى بساطتهم وعلى غرورك وتعجرفك لن يرفعك الى منازلهم ومراتبهم سوى الموت منتصب القامة من أجل أرض قد لا تكون مسقط رأسك ولكنها ودون شك كانت وستبقى مسقط قلبك وذهنك وكل حلمك مثل حمتي.
 
 ختاما .. نسيت أن أخبركم أن كبريائي إنهارت مرة وأنا أحكي لصديقي وزميلي أبا محمد فاظل عن حمتي وأمثال حمتي،  إنهارت الكبرياء فجأة ونزلت الدموع وأصبحت كطفل صغير ألملم ما أستطعت من قماش ملابسي محاولا مسح آثار دموع منهمرة لا أملك سبيلا لإخفاءها وقد فضحني صوتي المبحوح الباكي معها، بكاء على حمتي وعلى أمثال حمتي، بكاء على حال يبدوا أسودا في غيابهم ودموع على مآل يغدوا أكثر غموضا من دونهم.

عزائي دائما لوالدة الفقيد ولصديقتي وأختي وزميلتي أبنتة إنجيه وشقيقها اللطيف المحفوظ إنجيه وكل أفراد العائلة الطيبة الكريمة، عزائي لأصدقاء الراحل ورفاق دربه وكل من عرفه أو إختبر ذات يوم طيبته ولطفه وإستقامته، أعزي نفسي والإنسانية وكل من له قلب أبيض نقي كقلب حمتي المرهف بالمشاعر والأحاسيس الجميلة، داعيا دائما خاصة في هذا الشهر الفضيل مالك الملك ذو الجلال والإكرام أن يكرم حمتي بمنزلة الشهداء والصديقين وهو بين يديه وأن يبدل شبابه جنة عرضها السموات والأرض وأن يتولاه بواسع رحمته وعظيم مغفرته ولطفه وأن يلهمنا جميعا في أفول نجمه الساطع جميل الصبر إنه سميع مجيب ..  
عبداتي الرشيد

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...