من بين أحكامها الصادرة يوم 4 أكتوبر 2024 ببطلان الإتفاقيات المبرمة بين الإتحاد الأوروبي و المغرب فصلت محكمة العدل الأوروبية فى الموضوع الرئيسي الذي يقع في جوهر النزاع الصحراوي-المغربي ألا و هو تحديد من هو مالك الأرض؟
معرفة صاحب الأرض أي مالكها، شرط من شروط التعامل الشرعي، لانه هو وحده، دون غيره، الذى له حق التصرف في ملكه و يحوز حصريا على الأهلية القانونية لذلك.
لا بد أن نؤكد هنا أن التصرف هو حق لمن يحوز على الملكية، بصفة شرعية.
و تلك الحيازة الشرعية للملكية هي التي تخول لصاحب الملك الأهلية القانونية للتصرف فى ملكه بصفة مباشرة أو عبر من يمثله تمثيلا قانونيا معترف به.
و هكذا نجد أن حقوق الملكية و شروط التصرف فيها والأهلية القانونية المرتبطة بها من الأسس الرئيسية في القوانين الوطنية كما هي فى القانون الدولي.
ومن ذلك فإن حقوق الشعوب فى تقرير المصير داخل اوطانها و في الحدود الدولية المعترف بها وحقوقها في السيادة الدائمة على ثرواتها الطبيعية توجد في صلب مفهوم ومحتوى وشروط حيازة المالك لملكه و اهليته للتصرف فى ذلك الملك في حدود القانون.
و بناء على ذلك كان لزاما على المحكمة الأوروبية القيام بالتحديد الديمغرافي لمن هو صاحب حق تقرير المصير في الصحراء الغربية الذي هو بالتالي صاحب السيادة والمالك الشرعي للإقليم و ما يزخر به من ثروات.
وحسمت المحكمة موضوع حق التصرف بإسم الشعب الصحراوي عندما اعترفت لجبهة البوليساريو بأهلية الترافع والتقاضي أمام المحاكم الأوروبية في كل ما يتعلق بحقوق الشعب الصحراوي وبمصالحه و هذا طبقا للاعتراف الدولي بذلك و تجسيدا له.
وتأكيدا لكل ما سبق، قامت الغرفة الكبرى على مستوى المحكمة الأوروبية بتوضيح مهم بينت فيه الفرق فى المفاهيم حيث ميزت بين مصطلح "الشعب "( el pueblo ) و عبارة السكان ( la población) .
و يرجع هذا إلى أن سكان اقليم ما ليسوا جميعهم بالضرورة هم شعب ذلك الإقليم.
نستعمل هنا عبارة الإقليم لأنها هي المصطلح الذى يستعمله القاموس القانوني الدولي لنعت المكونات الثلاثة لتراب بلد ما ( القطعة من اليابسة و المجالين الجوي و البحري) وذلك بغية تحديد موقعه الجغرافي وحدوده الدولية المعترف بها.
لقد أسست محكمة العدل الأوروبية قراراتها فيما يتعلق ببطلان الإتفاقيات المبرمة مع المغرب على خرق تلك الإتفاقيات لحق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير وعلى فشل المجلس والمفوضية في الحصول على قبول شعب الصحراء الغربية للإتفاقيات السالفة الذكر.
و هنا بالضبط نسفت المحكمة كل المغالطات التى بنيت عليها الإتفاقيات المبرمة بين الإتحاد الأوروبي والمغرب عندما اقرت أن السكان الحاليين المتواجدين فى الصحراء الغربية لا ينتمون جميعهم إلى الشعب الصحراوي و ليسوا معنيين لا بحق تقرير المصير و لا بالاستشارة التى تضمن شرط القبول.
إقامة المحكمة للتمييز بين مصطلح "الشعب الصحراوي" وعبارة "السكان الحاليين للصحراء الغربية" تعود إلى الإعتراف بحقيقة موضوعية تتجلى فى أن أغلبية هؤلاء السكان الحاليين هم من مواطني بلد آخر هو المغرب تم جلبهم فى إطار سياسة الإستيطان و الإحتلال اللاشرعي.
لقد عللت المحكمة الأوروبية قراراتها، إذن، بالتمييز بين الشعب و السكان بما لديها من معطيات موضوعية معروفة حيث أن المغرب أغرق المدن الصحراوية المحتلة بالمستوطنين المغاربة، بالأضافة إلى أن مفوضية الإتحاد الأوروبي كانت، هي الأخرى من جهتها، قد قدمت أثناء المرافعات أمام المحكمة أرقاما و بيانات تثبت أن أغلبية "السكان الحاليين لأقليم الصحراء الغربية" هم من المغاربة وأن نسبة كبيرة من أهل الارض طردوا ا إلى خارج الأقليم بسبب الحرب و وحشية الإحتلال.
التدقيق فى محتوى المصطلحات والمفاهيم من طرف المحكمة وضع حدودا قانونية بين الشعب الصحراوي والمستوطنين المغاربة الذين اصبحوا يشكلون غالبية "الساكنة" كما يسميها قاموس الإحتلال.
ثانيا: حول شرط القبول و القبول الضمني و التمثيل الشرعي
حاولت المفوضية خلسة تغيير صياغة فقرات من أحكام محكمة العدل الأوروبية من خلال الطلب الذى قدمته يوم 24 اكتوبر 2024 لإجراء تعديلات فيما يتعلق بالتمييز الذي أجرته المحكمة بين مصطلح الشعب الصحراوي وعبارة السكان و كذلك فيما يخص مسألة الأعداد، بحيث أن المحكمة أقرت بأن أغلبية السكان الحاليين هم أجانب ومستوطنين ليسوا معنيين بتقرير المصير و استشارتهم، بغية الحصول على قبولهم عبر ما يسمى بهيئاتهم أو ممثليهم، لاغية و باطلة ولا يعتد بها.
رد المحكمة بالرفض القاطع يوم 15 يناير 2025 على طلب المفوضية قفل الباب أمام كل المحاولات والمؤامرات التي تعودت المفوضية و المجلس على تنفيذها تحت تأثير فرنسا خاصة وإسبانيا باعتبارهما الراعيان الرئيسيان للإتفاقيات مع المحتل المغربي.
مناورة المفوضية، فى الوقت الإضافي كما يقال، كانت ترمي إلى إعادة تلفيق "استشارة" جديدة، للحصول على ما سيتم تسويقه زورا على أنه " قبول ضمني" من طرف "الشعب الصحراوي" الذى استبدلوه، كما جرى فى الماضي، بالمستوطنين كما استبدلوا ممثله، جبهة البوليساريو، بأدوات الإحتلال و مخابرات المخزن المغربي، لتمرير الإتفاقيات الباطلة فى حلة جديدة.
التحرك الأخير للمفوضية يؤشر على أنه ما زالت هناك أيادي تتحرك وراء الستار و لوبيات تعمل على الإستمرار فى توريط مؤسسات الإتحاد الأوروبي من خلال مواصلة الدوس على احكام العدالة الأوروبية و خرق القانون الدولي و أحكام الشرعية ذات الصلة بالصحراء الغربية.
و مع ذلك فإن المحكمة حكمت بأن:
1- صاحب الحق في تقرير المصير و في السيادة الدائمة على ثرواته الطبيعية هو الشعب الصحراوي.
2- المستوطنون الذين يشكلون غالبية السكان الحاليين في الاراضي المحتلة، ليسوا هم الشعب الصحراوي و ليسوا، إذن، معنيين بتقرير المصير و كل أدوات الإحتلال غير معنية بالاستشارة للحصول على القبول مهما كان نوعه.
3- جبهة البوليساريو هي الممثل الشرعي للشعب الصحراوي و هي التي لها الحق في الدفاع عن حقوقه ومصالحه والتقاضي والترافع والتفاوض باسمه و هي الوحيدة التي تحوز على أهلية تمثيله والمعنية بشرط القبول مهما كانت صيغته.
و بهذا تكون المحكمة قد رمت الكرة فى شباكي المفوضية والمجلس في آن واحد.
فهل يمكن، بعد كل هذا، أن تجعل الهيئات التنفيذية للإتحاد الأوروبي من قرارات المحكمة الأوروبية منصة و أرضية للتوجه نحو لعب الدور الإيجابى والمطلوب الذي يسمح بالتوصل إلى الحلول العادلة والدائمة و الضامنة للمصالح المتبادلة بين الشعوب الأوروبية والشعب الصحراوي، اليوم وغدا؟.
بقلم: امحمد/ البخاري.
7 فبراير 2025