ستورا، وخلال نزوله ضيفا على قناة “فرانس 24″، في برنامج حواري، لم يتردد في اتهام الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بالتسبب في تدمير العلاقات الثنائية، جراء بعض مواقفه المتهورة من قضايا تعتبر جد حساسة، بل ومصيرية في نظر السلطات الجزائرية، مثل القضية الصحراوية.
وسئل بنجامان ستورا عن الجهة التي تتحمل مسؤولية انهيار العلاقات بين الجزائر وباريس، فقال: “أعتقد أن ما تعيشه العلاقات الثنائية هذه الأيام، تعتبر الثانية من نوعها من حيث الخطورة، بعد تلك التي عاشتها في 1971، في أعقاب تأميم الرئيس الراحل هواري بومدين، المحروقات. لكن هذه المرة هناك أزمة دبلوماسية سياسية معقدة، طبعها استدعاء السفير (الجزائري من باريس)، ورافق ذلك تصعيد كلامي ومزايدة، وهو ما زاد من تعقيدها”.
ومن دون تردد، حمل رئيس لجنة المؤرخين المختلطة الجزائرية الفرنسية من الجانب الفرنسي، لبحث ملف الذاكرة، الرئيس ماكرون مسؤولية ما يحدث: “في البداية، يجب الإشارة إلى تصريح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بخصوص ما تعلق بالسيادة (المزعومة) للنظام المغربي على الأراضي الصحراوية، الذي صب الزيت على النار”، في إشارة الى دعم ماكرون لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة العلوية في عام 2007.
كما أشار إلى عامل آخر ساهم بدورة في تغذية الأزمة المتفاقمة، وهي التغيرات التي تشهدها الساحة السياسية في فرنسا، بصعود اليمين واليمين المتطرف، وقرار الرئيس ماكرون بحل الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة السفلى للبرلمان)، وتحالف ماكرون مع هذا التيار (اليميني)، المعروف بمواقفه المؤيدة للنظام العلوي في الرباط، والمعادية للمصالح الجزائرية. فضلا عن تراجع تيار اليسار وتضاؤل دور التيار الديغولي داخل اليمين وانحساره في حزب “الجمهوريون”، وهو حزب بات محدود التأثير.
بالإضافة إلى ذلك، وعلى الجانب الجزائري، تحدث بنجامان ستورا عن دور تيار موجود في كل المستعمرات الفرنسية السابقة في افريقيا، وهو “تيار محافظ، وفي الجزائر تيار إسلامي محافظ، معروف بمواقفه من الاستعمار ومن فرنسا خصوصا. وهو تيار لا يستهان به، يستهدف الحفاظ على السيادة السياسية للبلاد”.
وتحدث المؤرخ الفرنسي عن التداعيات الخطيرة لقرار الرئيس الفرنسي دعم السيادة (المزعومة) للنظام المغربي على الأراضي الصحراوية، على مشروع الذاكرة الذي عمل عليه لمدة طويلة، وقال إن “الجزائريين وبعد ما وافقوا على بحث هذا الملف الحساس (الذاكرة) بالنسبة اليهم، تفاجأوا بموقف ماكرون من قضية الصحراء الغربية، وهو ما دفعهم للتوقف مباشرة عن العمل والتنسيق في ملف الذاكرة، لأن القضية تجاوزت الجانب التاريخي إلى البعد السياسي”.
وعاد بنجامان ستورا ليتوقف عند موقف ماكرون من القضية الصحراوية، مؤكدا بأن ما قام به سيد قصر الإيليزي ، يعتبر خروجا عن الموقف التقليدي لفرنسا منذ ما يسمى “المسيرة الخضراء” في سنة 1976، حيث دأب الموقف الفرنسي على نوع من التوازن من خلال دعم تقرير مصير الشعب الصحراوي، وفق مقررات هيئة الأمم المتحدة، غير أن ماكرون، يقول بنجامان ستورا، منح السيادة للنظام المغربي على الصحراء الغربية، وهو ما اعتبره الجزائريون طعنة في الظهر.
وبالنسبة لبنجامان ستورا فإن المخرج من الأزمة الحالية بين الجزائر وباريس، يكمن في استعادة العمل على ملف الذاكرة، الذي كان سببا في التقارب الذي حصل خلال السنتين الأخيرتين، على حد تعبيره، لأن “تحقيق المصالحة لا يتأتى من خلال خطاب أو اعتذار، بل، لا بد من وقت وعمل معمق، لأن الاستعمار الفرنسي في الجزائر دام 132 سنة”.
المصدر: الشروق اونلاين