يخلد الشعب الصحراوي اليوم 27 فبراير الذكرى التاسعة والاربعين لإعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.
في شتاء سنة 1976 قررت حركة التحرر الفتية حينها (جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) المعروفة اختصارا بالبوليساريو إعلان الدولة الخامسة والخمسين في الاتحاد الإفريقي في نسخته الحالية.
كانوا حينها يناضلون لحيازة أرضهم التي تناهز ال 300 الف كيلومتر مربع وتقع بين موريتانيا والمغرب.
خرج منها المستعمر الإسباني قبل أيام وتقاسمها المغرب وموريتانيا قبل أشهر في اتفاقية مدريد الثلاثية.
ثم خاض الصحراويون حربين متوازيتين من أجلها؛ ومازالوا يحاربون حتى اليوم من اجلها ولها وبها.
ليس الامر استعراضا تاريخيا لنضال خمسيني لشعب بأكمله؛ بقدرما هو محاولة لاستنطاق الفاجعة الصحراوية التي نحن في موريتانيا جزء أصيل منها.
مرت الأيام سراعا والنضالات تتراكم فتحولت الدولة الفتية القائمة في اللجوء إلى أيقونة تقاذفتها الثنائية القطبية؛ فحسبها خصومها على المعسكر الشرقي ظلما. وحاول المعسكر الغربي أن يضعها في خبر كان. ثم انهار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي وسقطت أنظمة ومات زعماء؛ وظل الشعب الصحراوي والبوليساريو يرنون إلى تحقيق مصيرهم؛ لاتثنيهم لومة لائم ولا صرخة عاتب؛ يستشهدون ويضحون في سبيل حريتهم.
احتلت موريتانيا جزءا من ارضهم لثلاث سنوات ثم ما إن انسحبت منتصف سنة 1979 حتى احتل المغرب نصيب موريتانيا من اتفاقية مدريد؛ بعد أن ثبت جنوده في الجزء الاكبر من نصيبه من اتفاقية مدريد.
هناك في مخيمات اللاجئين الصحراويين في صحراء لحماده الجزائرية؛ بنوا المدارس والمستشفيات ومراكز الإدارة والتكوين وأسسوا جيشا وبنوا علاقات دبلوماسية قوية ايقظت ثمانين شعبا ودولة؛ آخرها يقظة البرلمان المكسيكي قبل أيام.
اليوم من بين قادة البوليساريو وجنودها من ولد وترعرع وتعلم وهو لاجئ. ومن قادتهم وشبابهم من يمتلك ميراثا في الجزء الخاضع للسيطرة المغربية من الإقليم.
آخر اجتماع لأعلى هيئة في البوليساريو قبل أيام شُفع ببيان تضمن فقرة تتمسك بالمفاوضات والبحث عن السلم مع المغرب وفي نفس الوقت يتمسك بالحرب من أجل تحرير ارضهم؛ وتثمين الجيرة والتعالقات مع موريتانيا.
لقد ظلوا ومازالوا يقاتلون من أجل وطنهم وارضهم؛ حاول الإعلام الرسمي وشبه الرسمي المغربي وحلفاؤه من الممالك العربية والجمهوريات الداخلة في حضنهم إبعادهم من المشهد؛ إعلاميه وفكريه وسياسيه؛ مما جعل تفكيرا جادا في دوائر البوليساريو بنزع صفة العروبة عن حركتهم.
حركات التحرر في العالم بأسره تساندهم؛ وأحرار العالم يساندونهم؛ إلا من لم يسلم من روح المدجنة العظمى في العالم العربي والمغرب.
أرادوا لنا في موريتانيا كدولة طوق للإقليم المتنازع عليه أن نعتبر الصحراويين؛ همجا يناضلون على غير هدى ويسكنون كمحتجزين في مخيمات "للذل والعار" في تيندوف؛ وصوروا لنا البوليساريو كميليشيات وعصابة تقتل كل من يخالفها وتناضل بنفس جزائري لتحقيق مصالح الحليف؛ وفي أسوإ الأحوال بنفس شيوعي. فلم تعد ترى البوليساريو على قناة الجزيرة ولا العربية ولا اسكاي انيوز ولا على صفحات الراية والشرق الاوسط وعكاظ ولا حتى يوميات صحافة اليسار المغربي العريقة؛ ولم تعد كلمة "الغربية" ترد على ألسنة مراسلي الصحافة الناطقة بالعربية في المغرب.
ورغم ذلك ومع مرور الوقت تعرف العالم على أن الصحراويين ينظمون ماراتونات للسلام في مخيماتهم المضيافة ؛ ويخسرون مقاتليهم على ارضهم ويقاتلون من يعتبرونه محتلا لأرضهم؛ وليسوا محتجزين ويمشون في مناكب الارض ويتبوأون المناصب ويحتلون المنابر في العالم ويكسبون القضايا القانونية الكبرى؛ بجدارة وصدق وتصميم.
وتعرف العالم على أن الذل والعار والجبن هي من الفجور في الخصومة وليست ذات مكان في قاموس الإنسان الصحراوي في اللجوء والشتات والوطن الأم.
ذكرى إعلان الجمهورية الصحراوية هو رسالة سياسية وفكرية لمن اراد أن يدكر. فهؤلاء الصحراويون يقيمون بين ظهرانينا ويسكنون المنافي واللجوء وتحت سلطة الامر الواقع؛ ولم يتمكنوا بعد من استقلالهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم؛ ونحن في موريتانيا نعترف بدولتهم ونلتزم الحياد بينهم وبين المغرب الشقيق؛ لكننا مقصرون في حقهم كثيرا كثيرا؛ وهم يعتبون في صمت علينا كثيرا كثيرا.
فأين الأخوة والتضامن والجيرة والتبرع للشعب الصحراوي المظلوم في افتتاحيات صحفنا وأحاديث صالوناتنا وكلمات حقوقيينا يمينا ويسارا؛ وبرامج وتصريحات سياسيينا ؟ بل أين عدم وجود سفارة صحراوية في انواكشوط ووجود أختها المغربية من الحياد اصلا ؟
يخيل إلي أننا مذنبون جميعا كموريتانيين في حق الصحراويين؛ فلا الآخرون يسألوننا حين يطبعون مع قتلة الأطفال والنساء ونحن سادة قراراتنا. ولانحن توقفنا عن التطبيع مع المظلمة الصحراوية المزمنة.
بعد خمسين سنة من وجود الدولة الصحراوية التي لم تقرر مصيرها بعد؛ سلام من موريتانيا على شهداء وأحياء الشعب الصحراوي؛ وأطفاله ونسائه وجرحاه ومعتقليه ومفقوديه؛ وهنيئا لهم في يومهم الخالد الذي أطلقوه تحت خيمة من الوبر في سهول تيرس بخماسية وجمل فصيحة من اللغة العربية وزغاريد يتيمة من حناجر مناضلة صادقة فدوخوا به الدنيا وأصموا الطغاة وجعلونا نفهم أخيرا أن العزة والكرامة والنخوة فضائل لا تتنافى مع اللجوء والفقر والظلم بل تتولد من رحمها.
إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا