القائمة الرئيسية

الصفحات

تقرير لبي بي سي: من تندوف إلى العيون: حكايات من وراء الجدار الرملي

في خطابه السنوي أمام البرلمان، أطلق الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، تصريحات بارزة تناولت مجموعة من القضايا الحساسة، أبرزها موقف الجزائر من قضية الصحراء الغربية.
وأكد تبون أن موقف بلاده ثابت وغير قابل للتغيير، مشدداً على "حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفقاً لقرارات الشرعية الدولية".
واعتبر تبون أن خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب هي "فكرة فرنسية الأصل"، موضحاً أنها لم تُصمم في الرباط أو مراكش، بل وُلدت في باريس.
وتأتي هذه التصريحات في إطار رؤية الجزائر للصحراء الغربية كقضية تصفية استعمار، وهي مدرجة على أجندة لجان الأمم المتحدة المختصة بهذا الشأن.

غادرت تسلم عبد الله مدينة العيون في عام 1975 مع اندلاع الصراع على الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو
وسط مخيمات اللاجئين في تندوف، تجلس "تسلم عبد الله" على سجادة تقليدية مفروشة على الأرض الرملية. وبجانبها، يلهو حفيدها الصغير، الذي تحكي له عن أرض الصحراء الغربية التي اضطرت لتركها منذ عقود.
ورغم طول المدة، تتمسك السيدة السبعينية بحلم تحقيق المصير الذي لم يفارقها منذ أن غادرت مسقط رأسها في مدينة المحبس في السبعينيات معتقدة أنها ستعود في اليوم التالي.
تتشابه قصة تسلم مع قصص مئات الصحراويين الآخرين ممن لجأوا إلى مخيمات في ولاية تندوف بالجزائر منذ عام 1975 نتيجة النزاع بين جبهة البوليساريو والمغرب حول الصحراء الغربية.
ويعيش حاليًا ثلاثة أجيال من اللاجئين الصحراويين في مخيمات تحمل أسماء المدن التي نزحوا منها، مثل الداخلة والسمارة والعيون وأوسرد وبوجدور.


"في كل مرة كنت أقف فيها بالقرب من السواتر الترابية، كنت أشعر وكأنني أشتم رائحة إخوتي الذين فرقتهم الحرب عني"، هكذا تصف زغولة بنت مسعود مشاعرها وهي تتذكر زياراتها إلى الجدار الفاصل بين المناطق التي يحتلها عليها المغرب وتلك التي تسيطر عليها جبهة البوليساريو.
كانت هذه الزيارات تمثل لزغولة نافذة على عالم بقيت ذكرياته محفورة في وجدانها. غير أن تلك الزيارات الرمزية توقفت بعد تجدد المناوشات العسكرية عام 2021.
في عام 1976 اضطرت عائلة زغولة لمغادرة منزلها في بوجدور إلى مخميات اللاجئين الصحراويين بتندوف.
وتروي زغولة لبي بي سي تفاصيل تلك الفترة قائلة: "زحفنا بين الرمال لأيام وليالٍ، و اختبأنا في أكواخ هرباً من القصف المغربي المستمر وطائرات الاستطلاع."
تتذكر زغولة جيداً وجوه بعض النساء الحوامل اللواتي تعرضن للإجهاض نتيجة نوبات الهلع الشديدة، وكيف باغت المخاض بعضهن وسط تلك الظروف القاسية.
وتضيف: "أتذكر مشهداً مؤلماً لسيدة بُترت رجلها جراء القصف العشوائي ولم يتمكن أحد من معرفة مصيرها. فمع بداية تحليق الطائرات، عمّت الفوضى وركض كل منا بحثاً عن ملاذ آمن. تشتتنا في كل مكان؛ انطلق إخوتي الذكور في اتجاه، بينما سرت مع والدي وبقية إخوتي في طريق آخر، وتفرقت السبل بنا بشكل مؤلم".
ولسنوات طويلة، لم تعرف العائلة شيئا عن ابنيها اللذين انفصلا عنها، إلى أن تبين لاحقاً أن السلطات المغربية قد أعادتهما إلى مدينة بوجدور. في هذه الأثناء، استقرت زغولة في مخيمات تندوف مع والدتها وبقية إخوتها، حيث انخرطت في أنشطة سياسية تهدف إلى توعية أبناء المخيم بالقضية الصحراوية.
والد زغولة، الذي كان منخرطاً في جبهة البوليساريو، ساعدهم في العبور إلى تندوف، ثم عاد مباشرة إلى ساحات القتال ولم تره مرة أخرى.
ما يعزيها أن والدتها تمكنت في آخر أيامها من رؤية أحد ابنيها ضمن رحلات أممية للم شمل العائلات الصحراوية عام 2005. لكن حتى تلك الرحلات لم تستمر ولم ترَ زغولة شقيقها سوى مرة واحدة ولبضعة أيام.
اليوم، تعيش زغولة مع عائلتها الصغيرة، بما في ذلك ابنتها خديجة، وهي معلمة في مدارس المخيمات. رغم صعوبات الحياة، ترفض خديجة العودة إلى أرض أجدادها قبل إجراء استفتاء لتقرير المصير وتفخر بحمل بطاقة الهوية الصحراوية. وتختتم كلامها قائلة: "أحترم وجهات النظر المختلفة، لكن العودة تعني الاعتراف بسيادة المغرب والتخلي عن القضية، بل تعد خيانة للوطن."

وُلدت ليلى في مدينة العيون ولم تغادرها إلا في مناسبات قليلة، لكنها بقيت مرتبطة عاطفياً بالمخيمات منذ نعومة أظافرها. وقد أتيحت لها فرصة زيارتها عدة مرات.
تبدأ ليلى حديثها معنا قائلة: "المخيمات هي رمز للصمود والمقاومة. رغم أنها مناطق لجوء مؤقتة ولا يمكن مقارنتها بالمدن، إلا أنها تمنح الصحراويين الحرية والكرامة، حيث يمكنهم التعبير عن آرائهم والتنقل بحرية دون خوف".
وتتابع: "رغم التحسينات المظهرية في المدن والبنية التحتية، فإن الصحراويين الأصليين لا يزالون يعانون من البطالة والقمع والتهميش، ولم يتغير الكثير منذ أحداث مخيم "أكديم إزيك" الاحتجاجية في 2010. كل شخص يجاهر بمناصرة خيار الاستقلال يتعرض للمتابعة. حاولت مثلا كراء محل تجاري لإعالة أسرتي، لكن أصحاب المحلات حُذروا من التعامل معي، فاضطررت لترك العمل".
تقول ليلى إنها تعرضت للإيقاف عدة مرات خلال مراحل مختلفة من حياتها، وإنه في عام 2015، بسبب ارتدائها زياً يحمل ألوان العلم الصحراوي، تعرضت للضرب، والمضايقات لا تزال تلاحقها لحد الآن، بحسب قولها.
ورغم ذلك تصرّ على مطلب الاستقلال الكامل وتقول: "ما نريده هو السيادة على أرضنا ونحن قادرون على إدارة أمورنا بأنفسنا وأعتقد أن البوليساريو هي الوحيدة القادرة على تمثيل كل الصحراويين المؤمنين بإقامة دولة مستقلة".
وبرأيها، لم تنجح المقترحات الأممية في تقديم حل جدي للشعب الصحراوي. وتضيف: "أما الحل الذي يطرحه المغرب فهو مرفوض بالنسبة لفئة واسعة منا وما هو إلا محاولة للالتفاف على نضالاتنا".
قصة ليلى تحمل أبعاداً إضافية من التعقيد، حيث أثرت ظروف النزاع على طفولتها وعلاقاتها العائلية.
ففي السبعينيات، وبعد طلاق والديها، انتقلت والدتها مع زوجها الجديد إلى فرنسا، تاركة ليلى في رعاية جدتها وهي طفلة لم تتجاوز العامين، قبل أن تعود لرؤيتها عام 1978، ثم انتقلت إلى مخيمات تندوف. ولم يلتئم شمل ليلى بوالدتها بشكل كامل إلا في عام 2002، عندما عادت الأخيرة إلى العيون لزيارة جدتها المريضة.
ورغم أنهما الآن تعيشان في نفس المدينة، تقول ليلى "لا أستطيع رؤية والدتي بأريحية، وأزورُها سراً متخفّية تحت ستار الليل حتى لا أثقل عليها بمشاكلي أو خشية أن يطالها شيء مما يطالني. وفي النهاية، أتمنى أن تنتهي هذه الوضعية ونجد حلاً لقضية اللاجئين".
المصدر : بي بي سي - بتصرف

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...