تحل اليوم الذكرى الخمسين لتأسيس الاتحاد الوطني للمرأة الصحراوية، الإطار التنظيمي الجامع لكل النساء الصحراويات المنضويات تحت لواء الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب والمؤمنات، ليس فقط بعدالة القضية وشرعية الكفاح الوطني من أجل الحق المقدس في الحرية والاستقلال الوطني، بل أيضا، وربما أساسا بانتصار الشعب الصحراوي حتمية تاريخيّة مهما طال الزمن، وكثرت التحديات وتعددت المصاعب.
أغتنم هذه الفرصة والمناسبة التاريخية لأتقدم بأحر التهاني للنساء الصحراويات في مختلف نقاط الفعل وجبهات رباط الكفاح الوطني، في مخيمات العزة والكرامة، في المدن المحتلة من ترابنا الوطني وفي المهجر، حيث سطرت المرأة الصحراوية ملحمة تاريخيّة في الصمود والإبداع والتواجد في خط المواجهة الأول خلال كل مراحل مسيرتنا التحررية المظفرة.
ونحن نقف خمسين سنة بعد تأسيس منظمتنا الرائدة للاحتفال بالمكاسب المحصلة وتخليد ذكرى شهيدات المسيرة، نستحضر، بكل فخر واعتزاز، الدور المحوري الذي لعبته المرأة الصحراوية خلال المراحل الجنينية الأولى، بالتواجد الفاعل في خلايا التأسيس واحتضان حركة التحرير الوطنية في البيوت والخيم والقيام بأدوار التمويل، التعبئة، التأطير والتأمين على الأطر الوطنية إلى غاية الغزو أكتوبر سنة 1975. هذا التاريخ الذي يشكل نقطة تحول فارقة في تاريخ الشعب الصحراوي المعاصر عامة بسبب الغزو وحرب الإبادة التي ترتبت عنه، كان كذلك إيذانا بميلاد فترة ملحمية جديدة تتكرس من خلالها المرأة الصحراوية كالوجه الأبرز لنضال الشعب الصحراوي، في مخيمات العزة والكرامة وفي المدن المحتلة.
لقد ربحت المرأة الصحراوية، في ظرف وجيز، رهان العبور بالشعب الصحراوي من مرحلة التشريد والتخلف والأمية إلى شعب منظم، متعلم، مؤطر بمستوى عالى من الخدمات والمساواة الاجتماعية وحملت، وتحمل إلى اليوم، على نفسها عاتق الحفاظ على الوحدة الوطنية وتماسك المشروع الحضاري التاريخيّ الذي شرعت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في بنائه في اللجوء، من خلال وضع القواعد الصلبة لدولة الغد، دولة الاستقلال الوطني والسيادة على كامل تراب الجمهورية الصحراوية. اليوم، بالرغم من التحديات وحجم المؤامرات الهادفة إلى القضاء على شعبنا، للمرأة الصحراوية أن تفخر بأنها كانت ولا تزال هي كلمة السر وعنوان الصمود الأسطوري لشعبنا، والذي بفضله نواصل رحلة المقاومة وتجميع أسباب ووسائل النصر لحسم معركة الوجود مع الاحتلال. المرأة القيادية، المسيرة لولايات ودوائر ومؤسسات الجمهورية الصحراوية، المربية والمعلمة المثابرة، الطبيبة والممرضة الناجحة والدبلوماسية اللامعة، وقبل هذا وذاك المرأة المقاتلة المستعدة للتضحية دائما. تلك هي بعض من العناوين التي جعلت المرأة الصحراوية فعلا، جواز السفر الصحراوي الذي عبرت من خلاله القضية إلى قلوب المتضامنين والمتعاطفين عبر العالم طيلة العقود الخمسة الأخيرة.
خمسون سنة مرت على تأسيس منظمتنا الرائدة، لن تمر دون الوقوف ترحما على كل شهيدات المسيرة في مختلف نقاط وجبهات الفعل الوطني، وخاصة النساء الصحراويات اللواتي شكلن الهدف الأول لآلة القمع المغربية وقدمن تضحيات جسيمة داخل سجون الاحتلال وتحت سياط الجلادين بسبب إصرارهن على رفع التحدي منذ اليوم الأول للغزو ومواصلة احتضان الثورة وحفظ عهدها والبر بقسمها. واليوم، نقف تحية إجلال واكبار للنساء الصحراويات المتواجدات في خط المواجهة اليومي والمباشر مع قوات الاحتلال، حيث يتعرضن في المدن المحتلة لكل أشكال القمع والترهيب والتنكيل، يواصلن التحدي، رافعات صوت الاستقلال، يضربن للشعب وللتاريخ موعدا مع الحرية والانعتاق رغم كيد الكائدين.
يحق لنا كشعب، وكنساء أن نفخر وأن نحتفل ونحتفي بمكاسب هذه المسيرة، لكن لا يحق لنا الاستكانة للراحة قبل تحقيق أهدافنا الوطنية. في هذا الإطار، أود أن أتوجه بتحية حارة ونداء للمرأة الصحراوية الشابة، بضرورة الالتفاف حول "الاتحاد الوطني للمرأة الصحراوية"، في إطار الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وأن تعي ثقل المسؤولية والأمانة التي تتركها الأجيال السابقة، والتي تتطلب مضاعفة الجهود واستحضار مآثر مسيرة المرأة الصحراوية والمعجزات المحققة بالرغم من الصعاب وشح الإمكانيات ومحدودية التكوين حينها، لكن الإرداة القوية والإيمان العميق بعدالة القضية وحتمية الانتصار خلقا الفارق وشكلا المعين الذي لم ولن ينضب إلى غاية الوفاء بعهد الشهيدات والشهداء، بتحقيق الاستقلال الوطني. المرحلة تتطلب تواجد المرأة الصحراوية الشابة في مختلف الجبهات، والاستعداد لتسلم المشعل، واستغلال طاقتهن ومؤهلاتهن الكبيرة لتقوية هياكل المنظمة، والانخراط بشكل كامل في المعركة الفاصلة مع الاحتلال.
تهاني الحارة مرة أخرى، وتمنياتي بفعاليات تخليد ناجحة تليق بمستوى الحدث، وكلي ثقة أن المرأة الصحراوية، ستبقى دائما في خط المواجه الأول للاحتلال عنوانا للصمود والتحدي.
وتقلبوا، أسمى آيات التقدير والاحترام وأصدق مشاعر الأخوة والود
أختكم
مريم السالك احماده
#AW