“إن هذا العالم فُصِّل في غيابنا والآن نحن موجودون، ويجب إعادة صياغة الواقع الدولي وفق مقتضيات العدالة” الرئيس الراحل هواري بومدين
محاضرة لعضو المكتب الدائم للامانة الوطنية، الوزير المستشار للشؤون السياسية برئاسة الجمهورية الاخ البشير مصطفى السيد
ولاية اوسرد 28 ديسمبر 2024
1.مقدمة
حرب الابادة في غزة ، والأضواء المسلطة عليها، وعلى قطار التطبيع ، ومخطط الشرق الاوسط وشمال افريقيا الجديدين، و استئناف الحرب في الصحراء الغربية، قد تعيد لدى أجيال هرمت، ذكرى الرجل الذي ناضل بأنفة وكبرياء الثائر، من أجل عالم عادل .
يبقى هواري بومدين ، بعد قرابة نصف قرن على وفاته، المثال الأكثر وضوحاً، والأكثر استدعاءاً، للزعيم والثائر الأممي .
إن الإحاطة الكاملة بمنجز الراحل واستحضار مآثره قد يكون من باب المستحيلات .وتجني على تاريخ رجل بحجم أمة. اذ لا يمكن النظر اليه من باب الاحاطة بشخص غيرعادي، ظهر واختفى ،أو ظاهرة خارقة اعتاد التاريخ على ذكرها، بل من باب العبقرية في تجسيد دولة المؤسسات، وعقيدة (الدولة التي لا تزول بزوال الرجال ).وهي ميزة شاء القدر ان يختص بها الثورة الجزائرية دون غيرها . فمن الصعب رسم الحدود أو ايجاد فواصل بين بومدين ودولة المؤسسات . و بين مبادئ ثورة نوفمبر ومصالح الجزائر المستقلة .
ولا تكتمل صورة الحديث عن سيرة الزعيم الثائر ، دون تناول الرزنامة المشحونة لبومدين وتحركاته الحثيثة لخلق جبهة ممانعة ونصرة الحق والدفاع عن قضايا الشعوب المضطهدة والمجاهرة برفض ظلم وغطرسة الدول الكبرى من خلال دعم حركات التحرر ،ودوره في بعث حركة عدم الانحياز باعتباره شخصية محورية وبارزة في الحركة. فقد لعب دورًا حاسمًا في تشكيل وتوجيه هذه الحركة، وترك بصمة واضحة على سياساتها وأهدافها ، توج بترؤس قمتها الرابعة في الجزائر عام 1973، والتي شهدت نقلة نوعية في مسيرة الحركة.
كان بومدين يؤمن بأن شعوب المغرب الكبير تشترك في مصير واحد، وأن تحقيق التنمية والاستقلال يتطلب التعاون والتضامن بينها.كما أن التحرر من الاستعمار هو الخطوة الأولى لبناء مغرب الشعوب، وأن الدول المستقلة يجب أن تعمل معًا لتحقيق هذا الهدف.لذلك فالخوض في سيرة الراحل لا تتم دون المرور على ما مرتكزات فلسلفته لوحدة المصير،عبر بناء مغرب الشعوب، لمواجهة مغرب الرجعية الوظيفية التوسعية . وهو ما يدفع لتناول ما بين الثورتين الجزائرية والصحراوية و التحالف المقدس بينهما ، وهو تحالف شكل صمام الامان بالأمس -مع النخب المؤسسة- ، واليوم وغدا .وكان ضمانة عبور المخاطر ومجابهة التهديدات والمخططات .
إن رؤية وانجازات الراحل بومدين بما هي منخرطة فيه الدولة الجزائرية الان ، دليل على سلامة الرؤية والتوجه ( اثبتت الأحداث الدولية والاقليمية على دقة الحسابات الجزائرية ) .كما أن إرتكازات الرؤية البومدينية في بناء الدولة الجزائرية السياسية الاجتماعية ، دولة المؤسسات ،على الاحتكام للمبادئ والثوابت وتناغمها مع المصالح الوطنية في العلاقات الخارجية ، الانخراط الجدي والمستميت في تهذيب واصلاح اليات العمل الدولي لخلق مكانة للجميع ،كما هي فلسفة صيانة الامن القومي الاستراتيجي المرتكزة على التعاون والتكامل والاحترام المتبادل ، أبانت عن ثمار الثبات على الخط ، وتجلى ذلك في المكانة الدولية ، والتعامل مع الجزائر كمرجعية، و اعتبارها الشريك الموثوق ومصدر الوساطة لحل الخلافات الدولية .
فما هو الاثر الذي تركه بومدين ؟
وماهي مزايا الاستماتة في الدفاع عن المبادئ وجعلها المرجعية المؤطرة للمصالح
وماذا ينتظر التحالف المقدس بين الشعبين والثورتين ؟
وأي افق للعمل المستقبلي المشترك في ظل مخاطر جمة تتهدد الجميع ، وتنذر بتحولات عميقة .؟
إن الاجابة عن هذه الاسئلة الكبرى تحيل الى تناول الموضوع بكل ثرائه و راهنيته عبر المحاور التالية :
1. العلاقة التاريخية بين الثورتين الصحراوية والجزائرية
2.الظروف العامة ..المخاطر والتهديدات
3.الرسائل
1. العلاقة التاريخية بين الثورتين ...عقود من الدعم والثبات على العهد
يُعدّ هواري بومدين رمزا للنضال والعزيمة، فقد أثرى تاريخ الأمة الجزائرية بإرثه الراسخ ورؤيته الوطنية العظيمة. كان من دعاة رفع التحدي ومقاومة الاستعمار والإمبريالية. انعكست تلك المواقف بالتزامه القوي بدعم القضايا العادلة في العالم وفي مواقفه الثابتة إزاء القضايا العربية والإنسانية وإيمانه الشديد والعميق بحق الشعوب في تقرير مصيرها هي التي توجته بالحصول في عام 1976 على ميدالية السلام التي منحتها إياه الأمم المتحدة، عرفانا وتقديرا له على جهوده المتواصلة في الدفاع عن مبادئ السلم والعدالة في العالم. كان زعيما خدم الجزائر داخليا ودوليا، مكرسا دعم الجزائر لحركات التحرر في العالم النابع من مبادئ ثورة أول نوفمبر المبنية على العدالة، والوقوف إلى جانب الشعوب المضطهدة، سواء القضية الصحراوية أو القضية الفلسطينية التي بقيت مقولته حولها (الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة) خالدة تتوارثها الأجيال.
اهتمامه بدعم حركات التحرر وتبنى قضاياها يظهر كيف أن الرجل قد صرف نفسه لهذه المهمة الكبيرة. فعادت الجزائر قبلة الثوار ومطارها أهم مطار دولي في استقبال المناضلين وقادة حركات التحرر في إفريقيا وامريكا اللاتينية وسواهما. "بالنسبة للقضايا العادلة المبنية على مبادئ مقدسة، لا نبيع و لا نشتري فيها"[1]
فكان زعيما عالميا بجدارة أعطى لحركات التحرر قيمتها واعتبارها كما انه أسهم بقوة في بناء نظام دولي جديد بوقوفه ببسالة دفاعا عن منظمة دول عدم الانحياز في محاولة منه لكسر احتكار القرار الدولي بين قطبين.
عملاق التحرر الافريقي ، جعل من الدفاع عن مسألة تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية ، ذات المرتكز الاخلاقي والقانوني العادل، أولوية بالغة الاهمية ،وهو ما يفسر سلامة التوجه، انطلاقا من وجاهة الرؤية ، و وضوح الصورة التي تعززت مع مرور الزمن ، وبينت أن خط الدفاع عن قيم نوفمبر ومبررات الوجود، تبدأ من تبني و دعم الثورة الصحراوية ،وهي مرتكزات تنطلق من تفكيك مؤامرة التوسع المغربي والتي اختصرها الراحل بقوله "سياسة العرش المغربي ترمي الى ابتلاع المنطقة بأكملها "[2].
قدّم دعما كاملا للشعب الصحراوي وقضيته العادلة. وأكثر من هذا، أسس لقداسة مبدأ دعم الشعب الصحراوي "سنفتح ذراعينا للنساء والاطفال والعجزة الصحراويين الذين يذبحون باسم الدين والوطن ...ويقتلون بالنابالم والفسفور، وهي اسلحة سلمها الجيش الفرنسي للجيش المغربي"[3]
إن صياغة رؤية تؤطرها المبادئ، والتمترس خلفها ، كان من صميم النأي بالنفس عن نموذج الميوعة الدولاتية الذي يقود الدولة الوظيفية نحو الانخراط في مشاريع ومخططات القوى الدولية المهيمنة كما هو الحال للنظام الاستعماري المغربي.
لقد كانت الدّيناميكية الثّورية في الصحراء الغربية التي دعّمها الرئيس هواري بومدين تنطلق من حيث هي امتداد لكفاح الجزائر من أجل استقلالها من الاستيطان الهمجي الفرنسي.كما يؤكد ذلك الشهيد تالولي مصطفى السيد "الصراع في المنطقة هو صراعٌ بين مُكافحي الشعوب في المغرب العربي وبين مُستعبدي هذه الشعوب.. إذن الصراع بالنسبة للمغرب العربي هو صراعٌ بين دُعاة العبُودية، دعاة الإستغلال، العملاء للقوات الأجنبية والإمبريالية، وبين الوطنيين الذين نبعُوا من القاعدة الشعبية، والذين دافعوا من أجل القاعدة الشعبية في المغرب العربي".[4]
آمن بومدين بالوحدة المغاربية ونادى بـ”مغرب الشعوب” وناضل من أجل دور ريادي حقيقي ومؤثر للجزائر في إفريقيا، وقاد حملة المطالبة بنظام اقتصادي دولي جديد، وكان ـ ضمن هذا المسعى ـ يستلهم من تراث الحركة الوطنية ونضالها العتيد، رؤيته لمشروع “مغرب عربي” موحد حرّ ومزدهر، لذلك لم تكن “الوحدة المغاربية” لدى الرئيس هواري بومدين مجرد فكرة تائهة معزولة أو قضية تُثار مناسباتيا، إنما هي جزء من نسق فكري متكامل ودافع أساسي من الدوافع المحركة لمنهجه السياسي الأصيل[5]. فبومدين كان ينظر إلى المنطقة المغاربية كمنطقة متكاملة أمنيا وإستراتيجيا، وهي نظرة غاية في الأهمية.ويشير بعض الكتاب والباحثين، مثل الصحفي والكاتب الفرنسي بول بالطا، في دراسته عن إستراتيجية بومدين إلى حقيقة مفادها أن أحد الدوافع والأهداف الأساسية وراء إصرار وتصميم الرئيس هواري بومدين على بعث صناعة جزائرية، وتقوية اقتصاد البلاد، هو رغبته في رؤية الجزائر قوة صناعية واقتصادية، يكون بمقدورها أن تتحمل أعباء الوحدة المغاربية وتحدياتها الدولية تماما، كما كان الأمر مع بروسيا في تجربة الوحدة الألمانية.
إن واقعية الانخراط الجزائري في مواجهة مخطط الضم و الابتلاع التوسعي، كانت تأكيدا لمسار الثبات على مبادئ ثورة نوفمبر الخالدة، في مقابل مواقف متغيرة ومتناقضة للنظام التوسعي المغربي، الذي ظهر كأداة استعمارية وظيفية. فالمبادئ هي الكرامة وهي شرط الوجود, لذا شكلت الثورة الجزائرية مصدر الهام للشعوب المضطهدة في العالم الثالث، ومثلت تجربة حاسمة لتحرر الشعوب .
لقد لعبت المساعدة الثمينة للجزائر ومؤسساتها، التي قدمت ابان بدايات الثورة الصحراوية، في شقها الانساني والدبلوماسي والعسكري، دورا حاسما ، في تجسير العلاقة ، و تعزيز الاخوة والتعاون ، رغم الضغط والمساومة والابتزاز ، كما يقول الشهيد الولي مصطفي السيد "إن الصّعُوبات الجهويّة أيضاً في المنطقة، منطقة المغرب العربي، والصعوبات العالمية لم تمنع الأنظمة الثورية في المنطقة، ولم تمنع الشعوب الثورية ذات التجربة الثورية ـ ونسطر تحت ذات التجربة الثورية ـ لم تمنعها من مساعدة الشعب العربي في الساقية الحمراء ووادي الذهب".[6]. و جاء اعتراف الجزائر بالجمهورية الصحراوية الديمقراطية في 06/03/1976 مناسبة تاريخية محورية في مسار نضال الشعب الصحراوي، أدت إلى مكاسب سياسية واعتراف دولي بالجمهورية الفتية ونضال الشعب الصحراوي وكفاحه من اجل الحرية والاستقلال.
تأصيلاً، يمكن القول إنّ الرئيس الرّاحل هواري بومدين كان مناضلاً باسمه النّضالي وبمساره الكفاحي وفي بعده الوطني والقومي والدّولي قبل أن يكون رئيساً لبلد ثوري.لم يكن في ذلك يرنو لجوائز أو لأضواء أو مصالح، بل كان الموضوع بالنّسبة له مبدئي لا يتعاطى معه بمنظور براغماتي، بل وفق محدّدات ذاتية وموضوعية متماهية مع طبيعة الرّجل وشخصيّته ونصرته للقضايا العادلة كفلسفة حكم أسّس عليها دعمه على كلّ المستويات المالية واللوجستيكية والدّبلوماسية والإعلامية والعسكرية.
رحل هواري بومدين قبل 46 عاما بجسده، لكنه ترك إرثا نضاليا وثوابت وطنية ورسخ نهجا في دعم القضايا العادلة، سارت عليه دولة المؤسسات العظيمة .
2. الظروف العامة ..المخاطر والتهديدات
كان لخطاب الرئيس الراحل هواري بومدين الشهير، بالجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاريخية برئاسة الجزائر، أفريل 1974، تأثير كبير، حين طالب الدول بضرورة تغيير العلاقات الدولية وصولا إلى نظام اقتصادي دولي جديد أكثر عدلا وإنصافا لدول الجنوب، وكان الخطاب من أقوى الخطابات، اذ عكس رؤية استشرافية
هذه الفكرة أعاد إحياءها ـ وبقوة ـ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حين رافع ـ شهر سبتمبر ـ بنيويورك، من أجل نظام دولي جديد يحقق المساواة والتعاون بين الأمم وأعرب عن تطلعه إلى عالم يسوده الأمن والازدهار والرفاه الإنساني تحت مظلة منظمة الأمم المتحدة.
ففي كلمة له خلال الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الرئيس تبون إن الجزائر ناضلت منذ حوالي 50 سنة من منبر الأمم المتحدة من أجل إصلاح “مكامن الخلل في النظام الدولي الحالي ودعت إلى نظام دولي جديد تكون فيه المساواة بين الدول التي تأسست من أجلها المنظمة الأمم المتحدة”.
وأكد طموح الجزائر إلى أن يترسخ في القناعة الجماعية بأن “الحوار والنقاش بيننا مطلب ملح ناضلت من أجله شعوبنا، من أجل عالم يشمله التعايش والتضامن والتعاون والمساواة بين الأمم”
الظرفية التي نعيش
تأتي هذه الاحتفالية في ظروف محلية واقليمية ودولية غاية في التعقيد و التحول . ظرفية تتسم بالخطورة ويمكن تناولها من خلال عناوين:
أ. النظام العالمي الجديد: يشهد العالم اليوم تحولات عميقة وهيكلية تؤثر على النظام الدولي الموروث عن الحربين العالميتين بشكل جذري. هذا التحول، الذي جاء تحت شعار "النظام الدولي الجديد"، الذي رفع بعد سقوط الاتحاد السوفياتي و ما كرس من تفرد الولايات المتحدة الامريكية، بزعامة العالم وسطوة شمولية للقيم الغرب، وتغول الشركات والاحتكار الرأسمالية ومشاريع هيمنتها لإجهاض جهود الدول النامية لإقامة صناعات و طنية وترسيخ السيادة الوطنية على الثروات والمقدرات لخلق اسس التنمية العادلة لدول الجنوب العالمي وخفض سطوة الغرب والحد من هيمنته على تفاصيل حياة شعوب الارض (العولمة).لذلك تأتي هذه التحولات الدولية في شكل صراعات عاصفة و منافسات شرسة بين القوى التي تريد الحفاظ على مراكزها ومكاسبها وهيمنتها بل و زيادتها في وجه القوى الصاعدة الطامحة الى تقاسم المغانم والنفوذ واشتراك المنافع والتأثير. وعلى منوالها تناضل شعوب الجنوب من اجل عالم اكثر عدلا وامنا واستقرارا واحتراما للسيادة.وتشترك الاطراف كلها في استساغة شعار( نظام عالمي)،الطرف العامل على ابقاء جوهر النظام ما بعد الحرب الباردة وتفرده بالهيمنة العالمية والاطراف المتضررة والتي تحاول تجاوز نظام القطب الواحد ، والعبور نحو تعدد الأقطاب و ما ينتج عنه من اتساع آفاق التحرر من عوائق الهيمنة وعراقيل اكتمال السيادة على الموارد والسياسات الوطنية.
إن الوسائل المعتمدة لتحقيق النظام الدولي الجديد ومشاريعه الاقليمية هي صنوف الحروب.منها ما هو خشن يعتمد القتال بالسلاح، قديمه الذي حيد او اصبح مكملا للتكنولوجيات الحربية الحديثة من مسيرات ووسائل سيبرانية و ذكاء اصطناعي. ومنها ايضا الناعم أو الشق غير العسكري مما يوصف بالاجيال الجديدة من الحروب، باعتماد التقاتل الاجتماعي واساليب التضليل لبث عدم الاستقرار وتحريض الشعوب ضد انظمتها والدعوة للثورات الملونة ومواسم الانتفاضات بالتوازي مع ممارسة مختلف الضغوطات الاقتصادية والمالية والادارية من حصار و عقوبات و رشاوى واستمالة اطر عليا و شخصيات مؤثرة الخ من فواعل اساليب الجوسسة.
ب. الشرق الاوسط الجديد وشمال افريقيا :
يشهد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحولات جذرية، وهناك العديد من التحديات التي تواجه المنطقة.
يشير هذا المصطلح إلى التحولات الجارية في المنطقة والتي تميزت في السنوات الاخيرة بحروب أجنبية على دول عربية دمرت بناها التحتية و عبثت بنسيجها الاجتماعي واعادتها لقرون الظلام و تلتها موجات ما سمي بالربيع العربي والذي أدى إلى سقوط أنظمة سياسية وتغيير الخارطة السياسية للمنطقة. كما تميزت التحولات بظهور قوى سياسية واجتماعية جديدة تجملها مفردة المجتمع المدني، تنشط بحيوية واحيانا بكل عنفوان ناشدة تحقيق رفاه وحقوق كالتي يسوق لها في الغرب او يتخيل البعض حصولها زمن الخلفاء الراشدين او استنساخ هذه الانماط بحذافيرها كون الغربي منها هو نموذج التطور الثقافي والحضاري ومثل رغد العيش بالنسبة للعلماني من هذه الفرق و اما في نظر من طال علمهم بطول لحاهم، فإن نظام الحياة، زمن الرسول الاعظم وخلفائه الراشدين، هو رمز النظام الصالح الفالح الناجح وهكذا فالحركات الاحتجاجية و منظمات المجتمع المدني التي شكلت حاضنتها،مواسم ربيع العرب او خريف المسلمين،و ما مثلته من تأثير كبير على المشهد السياسي، اضافة الى تهديدات انواع الجريمة المنظمة بمن فيها الارهاب و اساليب تمويله بمن فيها المخدرات و المهلوسات و مخاطر الصراعات المسلحة نتيجة العدوان الاجنبي او الاحتراب الداخلي لفشل الدولة وما فتح و يفتح كل ذلك من أبواب ويخلق من اسباب لتدخل القوى الاجنبية إقليمية ودولية في شؤون المنطقة ، مع انتشار التكنولوجيا الرقمية وتأثيرها على مختلف جوانب الحياة، كل ذلك يفرض وقفة تحسب واستنفار تبصر واعداد محكم.
واذا كانت التحولات على المستوى العالمي قصد خلق نظام دولي جديد هي لحسم معركة تثبيت التعدد أو استمرار الأحادية القطبية، فإن الشرق الاوسط الجديد وشمال افريقيا هو امتداد لنفس الصراع ونفس الرهانات ولكن على مستوى هذه المنطقة وبالتالي هو ترجمة مكانية لنفس الشعار على ان تكون اسرائيل،ذراع الولايات المتحدة الضارب في المنطقة،هي قطب الرحى وقوة الهيمنة والقاعد على مقود قطار الحرب والسلم والامن والتنمية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا بزواج ما توجت به من ذكاء بالمال العربي المشهود بفيضه عن الابناك الأمريكية والاوروبية.مبعث تلك الهيمنة الإسرائيلية يؤسس له عبر هذا الشعار المغالط : زواج المال العربي من مواد خام و موارد مالية ) مع الذكاء الاسرائيلي المجسد في نظريات واستراتيجيات وتكنولوجيات الحروب الجديدة او هو الازدهار والاستقرار لتغطية حقيقة حروب الابادة والتدمير لأجل التوسع والهيمنة والقضاء على جيوب المقاومة في المنطقة وقواها المتشبثة بالسيادة والمنافحة عن الكرامة.وهكذا فمشاريع النظم الدولية والاقليمية الجديدة قابلاتها و ميسرات ولادتها هي الحروب بأجيالها واشكالها الجديدة بشقيها الخشن والناعم.
ان المشروع الجديد يتدحرج غربا وفق مخططات، ليصبح شمال افريقيا ميدانا من ميادينه.
ولفهم ذلك لابد من استحضار التطورات التالية :
- المغرب :يعيش المغرب فترة من اسوأ ما مر به ، ويتميز الوضع بغياب الملك،رأس الهرم، وما يعنيه ذلك من طغيان صراع الاجنحة . ولمواجهة واقع التفقير والتجويع فالمعادلة الامنية والقمعية هي الحل الاقل تكلفة والأكثر فعالية لدى النظام المغربي .كما أن سياط النظام البوليسي المخزني هي الالية المعتمدة لمجابهة شعب يريد الهجرة بالكامل. ورغم الاستنجاد بإسرائيل لتثبيت اركان النظام والذي جوبه برفض الشعب المغربي لهذا التغلغل والسقوط في احضان الكيان . فإن الميزة الكبرى لاقتصاد المغرب هو اعتماده على عوائد المخدرات والابتزاز و استعمال الارهاب والهجرة و غيرها من الجرائم و في مقدمتها الاحتلال لتحقيق أهداف جيو سياسية.
- الجزائر: منطلقة في نهضة غير مسبوقة اقتصادية وسياسية و دبلوماسية وفي جميع الواجهات. وهي اشواط و افاق تجعل منها وبجدارة الدولة المحورية والاقليمية الكبيرة .تؤهلها لاستحقاق تمثيل إفريقيا في المنظومة الدولية التي هي في طور التشكل .هذه المكانة المستحقة تدعمها الرافعة الاقتصادية التي أصبحت من اكبر وانجح الاقتصادات الافريقية .كما أن الدور الدبلوماسي النشط الذي تقوم به بعثة الجزائر في الامم المتحدة من خلال استغلال العضوية غير الدائمة في مجلس الامن في اطار توظيف مكانة البلد وتاريخه في تعزيز السلم والامن ينضاف الى ذلك المسح الدبلوماسي داخل القارة الذي ظهر في الآونة الاخيرة. كما أن مكانة الجيش الجزائري بعقيدته الوطنية وقوة تسليحه وتطوره ،تدفع بالجزائر لتبوء مكانة تليق بتاريخها وجغرافيتها وديمغرافيتها .
- الجمهورية الصحراوية : نقاوم ونعمل على مواجهة اوراق التغول التي اخذها النظام الاستعماري ضمن سياسة الابتزاز والرشاوي، وسياسة التضليل والمغالطات وشراء الذمم، والتحالفات مع الدول الاستعمارية المتراجعة والمتدهورة اقتصاديا وسياسيا و مع اسرائيل .وهي حرب مفتوحة تتغذى اساسا من نهب وسرقة ثرواتنا الطبيعية. وبالتالي فالانتصار الاخلاقي والقانوني في المحاكم الدولية يظهر أن ما يؤبد الاحتلال ويطيل عمره هو نهب وسرقة ثروات الشعوب المستعمرة . "فبدون نهب المحتل للثروات لا دوام لاحتلال حقيقي" كما رفعت الندوات الدولية المتضامنة في الآونة الاخيرة .
بقيت فقط كلمة عن السنة الجديدة بما تحمل من احلام واماني و وتسنح به من تفاؤل و تهاني وتدعو اليه من تجند و تفاني
3.الرسائل
ü عقد هذا الملتقى من مخيمات اللاجئينالصحراويين وفي هذه الظرفية له دلالات زمانية ومكانية باعتبار ثورة نوفمبر 1954 بمثابة إنجاز ملحمي وسبيل مشرف لكيفية قهر الظلم وتحرير الإنسان والأوطان.
ü الرئيس الراحل كان يعتبر دعم الجزائر لحركات التحرر واجبا مقدسا وقضية مبدئية لا نقاش فيها ولا حوار حولها.
ü اجتماع المبادئ والمصالح حالة استثنائية تدعو للانخراط في ما له صلة بدعم ونصرة نضال الشعب الصحراوي والفلسطيني.
ü الصراع في المنطقة منذ 2020 رجع للمربع الاول ، بما له صلة في اعادة تحالف الجبهة المعادية و قوة الضغط وتنوع ساحات الاستهداف وحجمه.
ü النظام المتصهين في المغرب لا يختلف عن الاحتلال الصهيوني، فعقيدته مبنية على التآمر والابتزاز والخيانة والتوسع.
ü الوحدة الوطنية والتسمك بها والدفاع عنها، ومحورية التسامح والتعايش السلمي، هي صخرة تتكسر عليها كل المؤامرات .
ü طبيعة التهديدات تتغير باستمرار، وتتطلب من الجميع القدرة أن يكونوا على قدر عال من التكيف.فمواجهة هذه التحديات تتطلب جهودًا مشتركة من الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
ü الشباب باعتباره يمثل الطلائع يقع على عاتقه مسؤولية الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لخدمة الرسالة المجتمعية الوطنية .
ü الشباب الجزائر يشكل قوة دافعة للتطوير، ويمكن الاستفادة من طاقاته الإبداعية في بناء مستقبل أفضل. فهو القوة الدافعة لهذا البلد العظيم، وعليه مسؤولية بناء غد مشرق ومزدهر. فالجزائر تواجه اليوم تحديات كبيرة ومتنوعة، تتطلب منه الوعي والمسؤولية والعمل الجاد.
الخاتمة :
«بومدين زعيم الثوار... استشهد بومدين يغير راعي خلا مؤسسات ». شعار طُرح للتداول في اغنية صحراوية في أعقاب وفاته المبكرة.تعكس أصداء تعظيم هواري بومدين ، وحضوره الطاغي في الوجدان والذاكرة الصحراوية ، الذي استمر مع الأجيال .ففي السابع والعشرين من شهر ديسمبر 1978، رحل الزعيم الخالد هواري بومدين؛ لكن، بقيت مآثره شاهدة على صمود الجزائر وقيمها ومبادئها، التي آمن بها وحملها في قلبه وعقله وسخّر حياته لخدمتها والانتصار لها، وهي قيم و لم تمت برحيله. بل بقت مع كل جزائري حر وشريف، ومع الجزائر الجديدة ومؤسساتها وعقيدتها الدبلوماسية والعسكرية وارثها الثوري الناصع.
لقد ارسى الراحل القاعدة الصناعية والبنية التحتية لمجتمع صناعي زراعي.. كما قد أرسى معالم مؤسسة عسكرية احترافية و متماسكة فذة كانت هي حصن الجزائر عندما لاحت بوادر التحديات ورياح السموم.. كما انه ترجم بيان أول نوفمبر في خلق تحالفات دولية تنتصر للمظلوم، عمادها الندية والعدالة والتعاون البناء ودعم حركات التحرر من فلسطين للصحراء الغربية ، ووحدة وطنية متلاحمة و واعية .هي مرتكز ثالوث دولة المؤسسات . وحصنها العتيد أمام ما يحاك من مؤامرات ومخططات.
إن تميتن التحالف المقدس بين الثورتين والشعبين الجزائري والصحراوي، وتحيين عقده بما يستجيب للمخاطر الأنية والمستقبلية.
إن التاريخ سيخلّد الدور البارز للرئيس بومدين في دعم الحق الصحراوي كقامة شامخة, و التي تبقى خالدة و محفوظة و متجذرة لدى الشعوب التواقة للحرية و الاستقلال.
وهي كلّها محطّات القدر وإرادات الرّجال ودروس التّاريخ.