القائمة الرئيسية

الصفحات


وصل التهور و الإرتجال بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى تقديم شعب و ارضه هبة لسلطان متهالك، مريض نفسيا و مهوس بالنجومية و جمع المال فى بادرة كرم و جود " من لا يملك لمن لا يستحق".
و بالفعل ، فإن إعلان ماكرون بأن  "ماضى و مستقبل الصحراء الغربية يندرجان فى إطار السيادة المغربية" ينسف الصورة الجميلة التى ما فتأت باريس تسوقها و تتغنى بها، على الصعيد العالمي،  و تحاول باستمرار رسمها فى اذهان الذين يجهلون التاريخ الإستعماري، مفادها أن فرنسا " بلد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" أين تم شنق ملك لفسح المجال أمام عصر جديد تميزه اسبقية حقوق الأفراد و قدسية سيادة الشعوب و الإعتراف بمساواة حقوقها فى الحرية و تقرير المصير.
القرار الجائر للرئيس الفرنسي من شأنه أن يعطي زخما إعلاميا كبيرا لكفاح الشعب الصحراوي العادل على مستوى الراي العام الفرنسي كما كانت، بالضبط، تأثيرات موت الملازم ماك ماهون ( Mac-Mahon ) أحد احفاد الماريشال الفرنسي السابق ماك ماهون و القضاء على وحدته على يد المقاومة الشعبية الصحراوية فى بلدة أم التونسي يوم 18 اوت 1932 فى التراب الموريتاني حيث إطلع الراي العام الفرنسي بعدها، و لأول مرة، على مجريات الحرب الشرسة التى استمرت من 1905 حتى سنة 1934 بين الصحراويين و طلائع القوات الفرنسية التى كانت تزحف للسيطرة على كل البلدان المجاورة إلا أن المقاومة الصحراوية كبدتها خسائر ما زالت مدونة فى ارشيف وزارة الدفاع الفرنسية، و كان من نتائجها منع فرنسا من إحتلال الصحراء الغربية و القضاء نهائيا على طموحها و رغبتها فى فرض خروج إسبانيا من الإقليم. و وقعه كذلك، على الراي الفرنسي مثل تدخل فرنسا عسكريا، و بصفة مباشرة، عبر قواتها الجوية ضد جيش التحرير الشعبي الصحراوي سنتي 1977 و 1978.

الأكيد أن هذا الموقف البائس يتناقض مع كل شيء و لا يتماشى مع القانون و الشرعية و يتنكر للتاريخ و حتى لا يراعي المصالح الاستراتيجية الفرنسية فى المنطقة.

ففرنسا، العضوء الدائم فى مجلس الأمن، مسؤولة قبل غيرها عن الدفاع عن الشرعية الدولية التى لا تعترف للمغرب بأية سيادة على الصحراء الغربية و مسؤولة عن استباب السلم و الأمن الدوليين و جنودها يتواجدون ضمن بعثة الأمم المتحدة للإستفتاء فى الصحراء الغربية ( المينورسو) التى انشئت من أجل تنظيم استفتاء تقرير المصير و انهاء تصفية الإستعمار من الصحراء الغربية. 

 و بصفتها عضو في الإتحاد الأوروبي يتعين عليها إحترام قرارات محكمة العدل الأوروبية التى الغت جميع الاتفاقيات مع المغرب و اكدت أن الصحراء الغربية و المملكة المغربية بلدان منفصلان و متمايزان و أن الشعب الصحراوي صاحب السيادة الدائمة على ثرواته الطبيعية و انه لا يمكن استغلالها بدون موافقة جبهة البوليساريو ممثله الشرعي الذى اعترفت له المحكمة، التى هي أعلى هرم العدالة فى أوروبا، بالاهلية التامة للتقاضي و الترافع أمام القضاء على مستوى القارة الأوروبية دفاعا عن جميع حقوق الشعب الصحراوي.

إن الموقف المعبر عنه من طرف ماكرون يتجاهل التاريخ بحيث أن فرنسا فشلت فى اربعينيات القرن الماضي فى إنشاء دولة صحراوية تحت رعايتها و حمايتها، فى إطار سياسة الإستعمار الجديد، نتيجة لرفض الأعيان الصحراويين آنذاك مبادرتها مفضلين مقاومة وجودها فى المنطقة.

و فرنسا تتجاهل ايضا كونها هي من سطر مع إسبانيا حدود الصحراء الغربية و التى تم اعتمادها عالميا ضمن اعتراف الأمم المتحدة بعد قيامها سنة 1945 بالحدود القائمة بعد الحرب العالمية الثانية باعتبارها الحدود الدولية المعترف بها.

و نرى من جهة اخرى، و باستغراب عميق، أن ماكرون الذى يدعى انه متحرر من العقدة الإستعمارية الفرنسية، لأنه ولد بعد الحرب الإستعمارية الفرنسية فى الجزائر، و ليس مسؤولا شخصيا عن الجرائم التى ارتكبت اثنائها، أنه عكس تصريحاته لم يتخل أبدا عن العقيدة الإستعمارية فى ابشع تجلياتها من خلال التواطؤ المفضوع مع العدوان المغربي السافر ضد الشعب الصحراوي و فى تناقض تام مع احكام و قرارات الشرعية الدولية المؤكدة و المعززة من لدن جميع المحاكم و المنظمات الإقليمية و الدولية.

هذا التواطؤ المفضوح، بالإضافة إلى بطلانه قانونيا، فإنه لا يصمد كذلك أمام أي تحليل او تقييم للمصالح التى هي المحرك الرئيسي للسياسة الدولية خاصة فى زمن تهاوت فيه كل المبادئ و القيم التى بنيت عليها العلاقات الدولية المعاصرة.

المصالح الاستراتيجية الإقتصادية و الأمنية فى شمال و غرب أفريقيا قد تكون فى اعتقادنا أهم بكثير من الإنصياع للرغبات الوهمية لمحمد السادس و التمسك بالورطة فى الصحراء الغربية.

 إن طرد فرنسا و قواعدها من عدد من بلدان غرب أفريقيا كان من الناحية المنطقية درسا كافيا لمراجعة فرنسا لسياسة حماية انظمة ديكتاتورية عميلة لها لن تضمن ديمومة و استقرار المصالح الفرنسية لأنها لا تحترم سيادة الشعوب على اوطانها و ثرواتها.

فإذا كان الموقف المعبر عنه من لدن الرئيس الفرنسي جاء لإنقاذ النظام العلوي المنهار و الذى تربطه معاهدة سرية بفرنسا ضمن إتفاقيات ايكس ليبان باعتبار أن باريس هي الضامن لاستمرار العرش العلوي ضد ارادة الشعب المغربي فالموقف فى هذا الإطار و من هذه الزواية يكون قد جعل مصلحة النظام العلوي تعلو و تسمو على الشرعية الدولية و على المصالح الاستراتيجية الفرنسية. 

اما إذا كانت فرنسا لم تحتمل تبعات دخول محميتها المغربية تحت مظلة جديدة و تحاول بالتالي استرجاع المبادرة و المحافظة على موقعها الكلاسيكي فى المغرب بعد المقايضة المعروفة باسم إتفاقيات ابراهام و التى تتولى بموجبها عمليا أمريكا عبر إسرائيل و الإمارات ادارة شؤون المغرب الإقتصادية و الأمنية و الهدف الاستراتيجي وراء كل ذلك ليس سوى الاستلاء على خيرات الشعب الصحراوي الهائلة مقابل ما عرف بتغريدة ترامب و رسالة نتانياهو فإن الزمن سيلاحق فرنسا لأنها ستخسر كل رهاناتها لعدم قدرتها كقوة كبرى على صياغة سياسة متوازنة توفق بين القانون الدولي و المصالح الفرنسية الحيوية.

موقف ماكرون شكل ضربة فى العمق لسياسة فرنسا و مصداقيتها و جعل حجمها يشبه حفنة حكومات الدويلات التى تبيع مواقفها فى واضحة النهار مقابل اظرفة مالية و أيام من السياحة المدفوعة مسبقا على حساب الشعب المغربي.

و من إطلع على أسماء عدد كبير من الأشخاص الذين رافقوا ماكرون و بريجيت فى زيارة المغرب يلاحظ أن اللوبي المعادي لأفريقيا و التحرر و غالبية رواد المامونية تم جلبهم لتقديم الولاء للمحافظة على امتيازاتهم و املاكهم من الشركات و الجنانات التى اقتنوها خلسة.

لقد فشل قصر الإليزي فشلا ذريعا فى تحديد سياسة ممكنة و هادفة بنظرة مستقبلية يمكن بموجبها، من وجهة نظرنا كصحراويين، نسعى حصريا  إلى الدفاع عن سيادة شعبنا على أرض اجداده،  أن تجد الجمهورية الصحراوية مكانها فى فرنسا إلى جانب المغرب و الجزائر و موريتانيا و تونس و ليبيا لأن ذلك هو منطق التاريخ المتفق مع الشرعية الدولية و مع المصالح المشتركة و التعاون المثمر بعيدا عن سياسة الأمر الواقع و التوسع و العدوان و حيازة الاراضي بالقوة و تغيير الحدود الدولية.
أما القرارات السياسة التي بنيت علي حسابات تكتيكية و مصالح شخصية مؤقتة و حصلت مع ذلك فى جو يميزه  الإبتزاز و التهور فانها لا ترقى لأن تكون خيارا سياسيا قابلا للبقاء و نفعها المادي النسبي و الظرفي لن يعوض ضررها العظيم و العميق على المصالح الفرنسية الاستراتيجية. 
أما قرار تشطيب الحدود الدولية المعترف بها للصحراء الغربية بجرة قلم فرنسي فإنما هو محاولة مغفلة كالنقش على الرمال.
أمحمد/ البخاري 5 نوفمبر 2024

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...