في تطور بارز على الساحة الدولية، اعتمدت اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرًا قرارًا يرسخ حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، دون أي اعتراض من المغرب، الأمر الذي يعكس موقفًا دبلوماسيًا متناقضًا. ويأتي هذا القرار بعد حكم محكمة العدل الأوروبية الذي أبطَل اتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، موضحًا أن هذه الاتفاقيات تشمل الصحراء الغربية المحتلة بشكل غير قانوني.
ويعزز هذا السياق التصريحات الأخيرة لرئيس محكمة العدل الدولية، القاضي نواف سلام، الذي أكد على ضرورة احترام حق تقرير المصير، مشددًا على التزام جميع الدول بهذا الحق. وتشير كل هذه التطورات إلى بداية عهد جديد في معالجة القضية الصحراوية على أسس قانونية صحيحة، ما يسلط الضوء على ضرورة اتخاذ خطوات جدية نحو تصفية الاستعمار من آخر مستعمرة في إفريقيا.
وأوضح القاضي نواف، خلال عرضه لتقرير محكمة العدل الدولية أمام اللجنة السادسة للجمعية العامة للأمم المتحدة المعنية بالمسائل القانونية، بخصوص “إسهام المحكمة في تطوير حقوق الشعوب”، أنه “في كثير من المناسبات اعتبرت المحكمة أن الشعوب، وليست الدول فحسب، يمكن أن يكون لديها حقوق والتزامات بموجب القانون الدولي”.
وأبرز أنه “في فتواها بشأن الصحراء الغربية في عام 1975، أشارت المحكمة إلى حق تقرير المصير، ليس فقط على أنه مبدأ، بل كحق للشعوب، وهو ما ورد في القرار 1514 (VX) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة”.
بقوة القانون الدولي
وأضاف أن المحكمة في فتواها بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة والآثار القانونية لانفصال أرخبيل شاغوس عن موريشيوس (موريس) عام 1965، أشارت إلى أن “حق الشعوب في تقرير المصير قد ظهر جليًا كقاعدة عرفية ملزمة لجميع الدول. وقد أقرت المحكمة بأن الالتزام باحترام الحق في تقرير المصير هو واجب يسري على الجميع، وأن جميع الدول لها مصلحة قانونية في حماية هذا الحق”.
وتابع أن المحكمة أكدت أيضًا على حق تقرير المصير في آخر فتوى صادرة حول الآثار القانونية المترتبة عن سياسات وممارسات الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية، وقد ذكرت أنه حق من حقوق الإنسان.
وفي تطور جديد، أفاد القاضي نواف بأن المحكمة ذكرت أنه في حالات الاحتلال الأجنبي، يعتبر الحق في تقرير المصير “قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي”، موضحًا أن القاعدة الآمرة عرفتها لجنة القانون الدولي بأنها “قاعدة يقبلها ويعترف بها المجتمع الدولي والدول ككل على أنها قاعدة لا يجوز الخروج عنها”.
وأضاف أن المحكمة أوضحت نطاق تطبيق الحق في تقرير المصير، وبشكل خاص، أشارت إلى الحق في السلامة الإقليمية على أنه معترف به بموجب القانون الدولي العرفي كنتيجة طبيعية للحق في تقرير المصير، وبموجب هذا الحق أيضًا يتمتع الشعب بالحماية من الأعمال التي تقوض سلامته كشعب. ووجدت المحكمة أن الحق في تقرير المصير هو الحق في ممارسة السيادة الكاملة على الموارد الطبيعية، وهو مبدأ من مبادئ القانون الدولي العرفي. كما أشارت المحكمة -يضيف القاضي نواف سلام- إلى أن “أحد العناصر الرئيسية في الحق في تقرير المصير هو حق الشعب أن يقرر بحرية مركزه السياسي وأن يسعى إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.
في سياق متصل، اعتمدت اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرًا قرارًا يؤكد حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، دون أن يعترض عليه المغرب، ووافقت عليه جميع الدول التي تتبنى الأطروحات المغربية.
العقدة المغربية المزمنة
ويعكس عدم اعتراض المغرب على هذا القرار حالة الانفصام التي تتسم بها شخصيته الدبلوماسية. فهي، من جهة، تقيم الدنيا وتقعدها عند سماعها دولًا مثل الجزائر تشدد على حق الشعب الصحراوي، بينما لا تعترض، من جهة أخرى، على مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على مثل هذا القرار. وقد تم اعتماد القرار بتوافق الآراء، مما يعني أن جميع الدول التي تدعم الأطروحات المغربية قد وافقت عليه.
ويأتي اعتماد القرار في سياق انتصار محكمة العدل الأوروبية لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، مما يؤكد أن القضية الصحراوية تدشن عهدًا جديدًا يهدف إلى معالجتها على أسس صحيحة وصلبة، تندرج جميعها في إطار تصفية الاستعمار من آخر مستعمرة في إفريقيا.
للتذكير، فقد استكملت اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة دراستها للبنود المتعلقة بتصفية الاستعمار باعتماد 24 قرارًا، حيث تميزت أشغال اللجنة الرابعة بتبني قرار حول قضية الصحراء الغربية بتوافق جميع الدول الأعضاء في المنظمة. ومن بين العناصر المتضمنة في القرار، تجديد التأكيد على الحقائق التاريخية والقانونية المتعلقة بالقضية الصحراوية، والتي تتمثل في كونها قضية تصفية استعمار، وأن الشعب الصحراوي مؤهل لممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال، وفقًا لقرار الجمعية العامة 1514 (د-15) المؤرخ 14 ديسمبر 1960، والذي يتضمن إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة.
كما يؤكد القرار على أن منظمة الأمم المتحدة تتحمل مسؤولية دائمة وثابتة تجاه شعب الصحراء الغربية، ويطالب في الوقت ذاته اللجنة الخاصة المعنية بتصفية الاستعمار (لجنة الـ24) بمواصلة بحث الوضع في الصحراء الغربية.
على الأرض
على الصعيد الميداني، يواصل جيش التحرير الشعبي الصحراوي استهداف معاقل وتحصينات جيش الاحتلال المغربي. فقد نفذ يوم الأحد (27 أكتوبر) قصفًا استهدف مركز قيادة مدفعية الاحتلال في قطاع الكلتة، وفقًا للبيان العسكري الصادر عن المديرية المركزية للمحافظة السياسية لجيش التحرير الشعبي الصحراوي.
وأشار البيان إلى أن وحدات متقدمة من الجيش الصحراوي استهدفت صباح يوم الأحد، مركز قيادة مدفعية الاحتلال المغربي خلف جدار الذل والعار في قطاع الكلتة. كما قام الجيش الصحراوي باستهداف تخندقات جيش الاحتلال المغربي وقواعده في مناطق بن زكة ولمكيتب وروس تاركانت يوم السبت 26 أكتوبر.
وتتوالى هجمات جيش التحرير الشعبي الصحراوي، التي تستهدف معاقل قوات الاحتلال المغربي على طول جدار الذل والعار وما خلفه (الجدار الرملي)، مما أسفر عن تكبيد الاحتلال خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، كما ورد في البيان ذاته.
المصدر: الأيام نيوز