القائمة الرئيسية

الصفحات

في صورة كيان يتواطأ ضدّ نفسه..حالة شاذّة في الساحة الدولية اسمها “المغرب”


يعيش نظام الاحتلال المغربي مرحلة حرجة توحي بقرب انهياره، حيث تعاني مؤسسات الدولة العميقة، وخاصة “المخزن” أي القصر الملكي، من أزمة قيادة واضحة. وتزداد التساؤلات حول شرعية الأسرة الملكية واستمراريتها، وكذلك حول خليفة الملك الحالي الذي يقضي معظم وقته خارج المغرب، متورطًا في شهواته الشخصية وصفقاته المالية المشبوهة.
وفي غيابه، تُترك البلاد نهبًا لحاشيته التي استغلت موارد البلاد، واستولت على مفاصل الحكم والاقتصاد، وطحنت الشعب المغربي طحنا بأحذية قواتها الأمنية التي لم ينج من بطشها أحد، فكما قال محمود درويش رحمة الله عليه، “في السجن متسع للجميع، من الشيخ وحتى الرضيع، ومن رجل الدين حتى النقابي والخادمة”.

من اللافت أن استمرار الاحتلال المغربي للصحراء الغربية يُعد أحد الأسباب الرئيسية التي قد تؤدي بالمملكة إلى المهلكة. فما تسعى الرباط إلى فرضه واقعا استعماريا في الصحراء الغربية مرفوض قانونيًا، وغير جائز شرعًا، ويواجه مقاومة شديدة من أبناء الشعب الصحراوي الذين يرفضون الخضوع للإرادة التوسعية المغربية.

إضافة إلى ذلك، فإنهم يرفضون الرضوخ للأجندة الاستعمارية الفرنسية التي تقف خلف المغرب. وقد كشفت فرنسا مؤخرًا عن دعمها العلني، خاصة بعد أن أعلن الرئيس ماكرون بوضوح عن دعمه لهذا الاحتلال، واضعًا جميع أوراقه الاستعمارية على الطاولة فيما يخص الصحراء الغربية. هذا الموقف يفضح زيف شعارات الجمهورية الخامسة، التي طالما ادعت الدفاع عن حقوق الإنسان والشرعية الدولية في قضايا أخرى مثل الحرب في أوكرانيا، لكنها تقف بجانب الاحتلال عندما يتعلق الأمر بالصحراء الغربية.

غير أن النظام الملكي المغربي، الذي يُعرف بأنه صنيعة فرنسية بامتياز والمحمي بأموال الدكتاتوريات الخليجية، يظل حالة شاذة في الساحة الدولية. فهو نظام يفتقر إلى السيادة والاستقلالية السياسية في إدارة علاقاته الدولية، بل وحتى الداخلية. وقد يتفاجأ قارئ هذا المقال بالحقيقة المدوية، ولكن الدليل على ذلك هو طبيعة العلاقات الاقتصادية التي تحكم المغرب، ذلك أن الدول الغربية و(إسرائيل) تملك فعليًا مقدرات وثروات المملكة المغربية.

لقد خصخص النظام المغربي كل شيء وباع كل شيء، مما دفع الشعب المغربي إلى أدنى درجات الفقر والجهل والتبعية. وقد قضى على أي صوت مغربي حر يحاول تسليط الضوء على هذه الحقيقة، سواء عبر القتل أو النفي أو السجن. ولم يبقَ من الطبقة السياسية سوى الانتهازيين والمشركين، الذين يعبدون مولاهم أمير المؤمنين، وأباطرة تجارة المخدرات، أو بعض السياسيين الشرفاء الذين يناضلون على الهامش، وهم مقموعون ومجوعون ومنهكون من السجن والتعذيب والترهيب.

ولما لم تنجح كل محاولاته السابقة للسيطرة على الصحراء الغربية وإسكات صوت الشعب الصحراوي، اضطر نظام الاحتلال المغربي إلى الارتماء في أحضان الصهيونية العالمية، التي كان له معها حلف سري منذ خمسينيات القرن الماضي. وقد رهن مصيره حاليًا بمصير نظام الاحتلال الصهيوني الذي يمر بدوره بمراحل وجوده الأخيرة، حيث بدأت بوادر ذلك تظهر من خلال الهبة العالمية لدعم حقوق فلسطين حتى في عقر دار اللوبي الصهيوني في واشنطن.

وما يثير الاستغراب حقًا هو أن نظام الاحتلال المغربي، رغم تدهور أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية والصحية والتعليمية، ما يزال يبذل ملايين الدولارات لشراء الذمم في مختلف وسائل الإعلام الدولية وفي الساحات العالمية، محاولًا بيع الوهم ليس فقط للمغاربة، بل حتى للرأي العام الدولي.

بدلاً من ذلك، كان ينبغي عليه صرف هذه الأموال على محاولة سداد ديونه للبنك الدولي وغيرها من الهيئات المالية، أو لإصلاح الأوضاع المزرية للمغاربة المقهورين، مثل ضحايا الزلزال الأخير في الحوز، أو ضحايا الفيضانات والكوارث الأخرى التي كشفت عن هشاشة نظام المخزن وعجزه ليكون بلدا فاشلا بكل المقاييس.

فالمغرب، الذي تسوق له الدعاية المخزنية على أنه حالة ناجحة في شمال أفريقيا، هو في الواقع نظام مدين يعيش على موارد المخدرات، ومداخيل شبكات الدعارة، ويبيع أطفاله وفتياته القاصرات للمرضى النفسيين الغربيين من مغتصبي براءة الطفولة. كما يمنح ثروات البلاد بثمن بخس للشركات الأجنبية، حتى أصبح المستثمر المغربي غريبًا في وطنه، عاجزًا عن منافسة رؤوس الأموال الأجنبية التي تتحكم في كل مفاصل الاقتصاد. ويكفي البحث عن أهم الشركات الدولية العاملة في المغرب لإدراك حجم الاستنزاف الخطير للثروات الذي يعاني منه الشعب المغربي بسبب هذا النظام العميل.

أكثر من ذلك، لم يقتصر الأذى المخزني على الشعب المغربي فقط، بل تجاوزه ليشمل دول الجوار، وعلى رأسها الصحراء الغربية، التي اختطف نظام الاحتلال منها أكثر من خمسة عقود من حياة أبنائها، ونهب خيراتها، وورط في هذا النهب القوى الاستعمارية، وعلى رأسها فرنسا وإسبانيا واليابان، وغيرهم كثير، مقابل مواقف إعلامية، والتضييق على الشعب الصحراوي وقيادته المشروعة، جبهة البوليساريو والجمهورية الصحراوية، وفتح أكشاك دبلوماسية في المناطق المحتلة من الصحراء الغربية.

من جهة أخرى، يتجاوز أذى النظام المخزني حدوده الداخلية ليلعب دور دولة وظيفية خادمة للأجندات الاستعمارية الغربية، خاصة الفرنسية والإسرائيلية في القارة الأفريقية. في هذا السياق، قام نظام الاحتلال بأداء العديد من الأدوار القذرة في دول أفريقية عدة دعمت فرنسا أنظمتها الرجعية ضد إرادة شعوبها، بل وشاركت قواته في قمع هذه الشعوب، كما حدث في الكونغو (زائير سابقًا)، حيث دعمت الرباط موبوتو سيسي سيكو، إلى أن انهزم في عام 1997 وهرب طالبًا اللجوء عند أصدقائه خدام الأعتاب الفرنسية في المغرب، حتى توفي هناك وحيدًا شريدًا.

ومثل ذلك، فعل رئيس بوركينا فاسو السابق بليز كومباوري، قاتل زميله ورئيسه توماس سنكارا في عام 1987. وكما هو معروف، هرع كومباوري إلى المغرب طلبًا للجوء إثر اندلاع احتجاجات شعبية ضده أجبرته على التنحي عن الحكم في أواخر أكتوبر 2014. لكن مقامه في الرباط لم يدم طويلًا، وانتقل بعدها إلى ساحل العاج التي منحته حق اللجوء بعد أن أحس بإمكانية خيانة أصدقائه المغاربة له.

ومؤخرًا، وقع نظام الاحتلال المغربي بشكل نهائي في أفخاخ الاحتلال الإسرائيلي، إذ طبع معه ووقع اتفاقيات أمنية وعسكرية غير مسبوقة حتى بين المطبعين. وساهم بجنود مغاربة في الحرب على الفلسطينيين في غزة وغيرها. ويكفي أن نعلم أن لدى (إسرائيل) حاليًا أكثر من مليون إسرائيلي من أصول مغربية، جلهم، إن لم يكن كلهم، يحملون الجنسية وجواز السفر المغربي، وأغلبهم ينتمون إلى اليمين واليمين المتطرف. هذا يكشف حجم التورط والتشابك بين النظامين المغربي والصهيوني، فهما بحق توأمان في أساليب العمل والأهداف.

لا شك أن النظام الملكي في المغرب يواجه احتمالات سقوط وانهيار شبه كامل نتيجة فشله في استغلال الفرص لتحقيق الاستقلال الفعلي عن التبعية للغرب، وبناء اقتصاد وطني قوي، وعلاقات طيبة مع جيرانه، خصوصًا الصحراويين والجزائريين والإسبان، الذين يعانون من رعونته وتوسعيته.

الأكيد أن المغرب لن يعرف الاستقرار ولا الأمن ما دام مصممًا على مواصلة الاحتلال غير الشرعي للصحراء الغربية. وقد يتحول بسبب هذا الإصرار إلى “الرجل المريض” في شمال أفريقيا، ومن المحتمل أن يتفتت إلى دول وكيانات صغيرة بسبب تعمق الفوارق والعداوات التي خلقها النظام بين أبناء الشعب المغربي على أساس الهوية الثقافية، العرق، والجنس.
في الختام، لا بد من الإشارة إلى أنه بالإمكان فعلاً إنقاذ المملكة المغربية إذا نجح المغاربة في إسقاط النظام الملكي وبناء نظام جديد، ديمقراطي، متصالح مع شعبه وجيرانه، قادر على احترام الشرعية الدولية، والمساهمة في تحقيق الاستقرار المطلوب لتأسيس وحدة مغاربية حقيقية تتجاوز الحدود وتخدم مصالح جميع شعوب المنطقة.
بقلم الكاتب والدبلوماسي : ماء العينين لكحل

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...