القائمة الرئيسية

الصفحات

طوكيو... او حاجة المملكة المغربية للمزيد من الوقت للتربص و التمرن على اساليب التعايش مع الجمهورية الصحراوية.


قرار قلب الطاولة على الجمهورية الصحراوية و إقصاءها من الإتحاد الأفريقي هو أسوء قرار اتخذه محمد السادس و قد يكون اخطر خطوة اقدم عليها هو و فريقه في ميدان السياسة الخارجية منذ توليه الحكم سنة 1999.
لا بد أن يتساءل المراقبون و المختصون فى العلاقات الدولية عن الحسابات التى بنت عليها الرباط قراراها بالتخلي عن سياسة الحسن الثاني المتمثلة فى الإنسحاب من منظمة الوحدة الأفريقية/الإتحاد الأفريقي بعد انضمام الجمهورية الصحراوية إلى المنظمة القارية.

فلماذا قرر الحسن الثاني الإنسحاب و المحافظة على ذلك الموقف منذ عام  1984حتى وفاته و ما هي الدواعي و الحسابات التى ادت بمحمد السادس و فريقه إلى إتخاذ قرار العودة و طلب الإنضمام إلى تلك المنظمة القارية ؟

نستعرض فى هذا المقال، بصفة مركزة، بعض مراحل الورطة التى وضع النظام الملكي المغربي نفسه فيها بسبب غزوه للصحراء الغربية و النتائج الكارثية المترتبة عن إستمرار سياسة التوسع و العدوان ضد الجمهورية الصحراوية و التى من آخر مظاهرها فضيحة طوكيو باليابان.

أولا- إستحالة اقصاء الجمهورية الصحراوية 
تجدر الإشارة إلى أن منظمة الوحدة الأفريقية كانت قد عاشت فترة انقسام بدءا من شهر فبراير 1982 عندما شارك لأول مرة وفد من الجمهورية الصحراوية و حتى شهر يونيو 1983 و ذلك نتيحة للتدخل المباشر من طرف فرنسا التى فرضت على مجموعة من مستعمراتها السابقة ( الدول الفرنكوفونية ) الإنسحاب من اجتماعات و مؤتمرات المنظمة لمنع حصول النصاب القانوني الضروري و هذا تضامنا مع محميتها المغربية التى ترفض انضمام الدولة الصحراوية إلى المنظمة.
إلا أن مبادرة اصدقاء الجمهورية الصحراوية خلال القمة ال19 بتقديم خطة سلام مبنية على تنظيم استفتاء لتقرير المصير، فى مدة اقصاها سنة واحدة، استفتاء بدون ضغوط عسكرية او ادارية، يختار فيه الشعب الصحراوي بين الإستقلال او الإنضمام إلى المملكة المغربية و يتم تحديد شروطه عبر المفاوضات المباشرة بين جبهة البوليساريو و المغرب، نسفت تلك الإستراتيجية الفرنسية-المغربية.
 المبادرة المذكورة التى اتفق على محتواها رؤساء ينتمون إلى المجموعتين ( مجموعة 26 المؤيدة للجمهورية الصحراوية و مجموعة 19 المتضامنة مع المغرب او التابعة لباريس) هي عبارة عن إتفاق يلزم المغرب بقبول الإستفتاء المذكور خلال مدة اقصاها سنة و يلزم الجمهورية الصحراوية بتعليق مشاركتها في انشطة المنظمة لمدة سنة حتى الإعلان عن نتائج ذلك الإستفتاء. 
المبادرة السالفة الذكر هي ما عرف بالقرار 104 للقمة ال19 لمنظمة الوحدة الأفريقية عام 1983 و الذى صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة فى لائحتها 3840 بتاريخ 7 ديسمبر من نفس السنة و شكل القاعدة الأساسية للمفاوضات بين الطرفين و لما اصبح بعد ذلك يعرف بمخطط التسوية الأممي-الأفريقي لعام 1991.
رفض الحسن الثاني للمفاوضات المباشرة مع الجبهة خلال المدة المحددة، اي بين القمتين التاسعة عشرة (1983) و العشرين(1984)، كشف عدم استعداده لقبول الحل الوسط المتمثل فى الإستفتاء و دفع مجموعة ال19 للتخلي عن تأييدها له و ساعدها على التملص من تدخل فرنسا بحجة الإنصياع لقرارات القمة.
و هكذا قاطع المغرب القمة العشرين (يوليوز 1984) نتيحة لعدم التزامه بتنفيذ القرار و لم ينسحب من مجموعة ال19 تضامنا معه سوى جمهورية الزائير بقيادة موبوتو 
(الكونغو الديمقراطية حاليا)، إلا أنها تراجعت عن ذلك الموقف خلال القمة الموالية.

عرقلة الحسن الثاني للإستفتاء و انسحابه احتجاجا على انضمام الجمهورية الصحراوية لمنظمة الوحدة الأفريقية يعود سببه إلى أنه كان فى تلك الحقبة بالضبط ما زال يؤمن  بجدوائية الأحزمة الدفاعية عكس استنتاجاته خلال سنوات قليلة بعد ذلك.

يجب التذكير هنا على أن الحسن الثاني  إستعمل كل أشكال الابتزاز و الاغراءات و التكتيكات و حتى تنظيم الإنقلابات او المشاركة فيها لعرقلة قبول عضوية الجمهورية الصحراوية فى المنظمة القارية و منها اعلانه عن عزم المغرب الإنسحاب فى حالة حدوث ذلك.

كان الحسن الثاني يعى جيدا أن انضمام الدولة الصحراوية إلى المنظمة القارية يجهض نهائيا محاولة تشريع الإحتلال بالقوة للصحراء الغربية و يلغي مسبقا كل انصاف الحلول و يبطل سياسات الإلتفاف على حقوق الشعب الصحراوي فى تقرير المصير و الإستقلال.

فشل الحسن الثاني فى عرقلة حصول الجمهورية الصحراوية على عضويتها فى منظمة الوحدة الأفريقية كمرحلة حاسمة فى إتجاه أخذها لمقعدها فى الأمم المتحدة و قناعته باستحالة القضاء عليها او اقصائها جعلته، فى النهاية، يختار الطريق المؤدي إلى السلام عبر الإستفتاء و المصالحة مع الشعب الصحراوي و الخضوع لمقتضيات القانون الدولي.

ثانيا- العدول عن سياسة " الكرسي الشاغر" 

قرار التراجع عن ما سماه حكام القصر العلوي المغربي الجدد بطي صفحة "الكرسي الشاغر" و طلب الإنضمام إلى الإتحاد الأفريقي بدءا من توقيع الحكومة المغربية على القانون التأسيسي و مرورا باعتماده بالاجماع من طرف غرفتي البرلمان و مصادقة الملك عليه قبل ايداعه رسميا لدى رئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي، لا بد أن يكون قد خضع لتقييم الخبراء فى السياسة الدولية و القانون و تم تقييمه من لدن المؤسسات المعنية و من طرف الأجهزة قبل أن يحوز على قبول السلطات العليا التى تكون ، عندئذ، قد حددت إستراتيجية و صادقت على خطط و مراحل للتنفيذ.

بعد الوفاء، ظاهريا، بكل شروط الإنضمام للإتحاد الأفريقي شارك محمد السادس فى القمة الأفريقية و ألقى خطابا أمام الزعماء الافارقة يوم 30 يناير 2017 معلنا عن رجوع المغرب إلى ما سماه ب" مكانه الطبيعي داخل البيت الأفريقي " دون أن ينسى محاولة تفنيد ما ادعى بانه "دعاية المشككيين الذين يتهمون المغرب بتنفيذ سياسة تهدف إلى خلق الإنشقاق داخل الإتحاد الأفريقي و زعزعة استقراره و عرقلة الإنسجام داخله".

جلوس محمد السادس، ملك المغرب، فى القاعة الرئيسية للمؤتمرات، بمقر الاتحاد،  بالعاصمة الاثيوبية، على بعد 5 امتار من مقعد الجمهورية الصحراوية، أن تواجد الرئيس ابراهيم غالي و الوفد المرافق له وراء علم و يافطة الجمهورية الصحراوية و ذلك بعد 33 سنة من مقاطعة المنظمة الأفريقية، شكل اعترافا ضمنيا بالدولة الصحراوية.

فمن الناحية القانونية الصرفة تعتبر مصادقة المغرب على القانون التأسيسي الذى بموجبه تم إنشاء الإتحاد الأفريقي و  اعتبارا لكون الدولة الصحراوية من بين الدول المؤسسة له و توجد ضمن اللائحة الإسمية للأعضاء الأصليين المدونة فى ديباجة القانون التأسيسي السالف الذكر فإن المغرب ملزم بالاعتراف بمحتوى هذه الوثيقة التى تنتمي إلى نوع المعاهدات التى لا يمكن تجزئتها او التحفظ على جزء مما نصت عليه و هذا طبقا لمقتضيات إتفاقيات فيينا بتاريخ 21 مارس 1986 حول ما يعرف بقانون المعاهدات.

و كما هو الحال بالنسبة لميثاق الأمم المتحدة الذى هو المعاهدة التى انشئت بموجبها المنظمة الدولية و التى لا يمكن التحفظ على أي فصل من فصولها و لا على مادة من موادها لأن الإنضمام إليها يلزم الأعضاء بالخضوع لمحتواها جملة و تفصيلا، فإن ذلك المبدأ القانوني يسري على القانون التأسيسي الإتحاد الأفريقي 

انضمام المغرب للإتحاد الأفريقي و جلوسه إلى إلى جانب الجمهورية الصحراوية يلزمه، أذن، باحترام مبادئ و أهداف القانون التأسيسي و منها خاصة قدسية الحدود القائمة غداة الإستقلال و حق الشعوب فى تقرير المصير و حل النزاعات بالطرق السلمية و عدم حيازة الاراضي بالقوة.

حاول محمد السادس فى أول خطاب مغربي يوم انضمام بلده إلى الإتحاد الأفريقي، بتاريخ 30 يناير 2017 محو  تصريحات الحسن الثاني المليئة بالتشنج و العنصرية تجاه الشعوب الأفريقية عندما قال بأنه " لا يشرف المغرب الإنتماء إلى منظمة مكونة من قارعي الطبول Conference Tam-Tam" معلنا انسحابه من منظمة الوحدة الأفريقية أثناء حصول الجمهورية الصحراوية على العضوية فيها.

تجب الإشارة هنا إلى نقطة تفصيلية و لكنها معبرة عن مرارة الهزيمة جراء النكسة المدوية التى هزت المغرب و سببت وقتها ردة فعل من طرف الحسن الثاني حيث سارع إلى طلب العضوية فى السوق الأوروبية المشتركة ( الإتحاد الأوروبي حاليا) إلا أن طلبه استقبل بالرفض السريع.

ثالثا- سياسة التملص من مخطط التسوية و إستراتيجية أقصاء الجمهورية.

طوكيو و قبلها محطات مالابو و مابوتو و ابيدجان و بروكسيل و روما و اديس ابابا و يوكوهاما و تونس و الرياض تلقن كلها الدروس الكافية  للوقوف على الإستنتاجات التالية:

1- أن الدولة الصحراوية ، حقيقة وطنية، لا بمكن اختزالها و القضاء عليها او اقصاءها و القفز على وجودها.
 
إن كل المحاولات الرامية إلي تحقيق ذلك ستفشل بكل تأكيد مع تسجيل أن فاتورة تلك المحاولات ستكون ضخمة بالنسبة للمحتل المغربي.

إن سياسة شراء الذمم و صنع اللوبيات و خطة إقتناء الدكاكين و تسميتها بالقنصليات و إستراتيجية الدخول فى التحالفات القذرة و جلب الكيانات الوظيفية الي المنطقة لجرها إلى المزيد من عدم الإستقرار فى إطار العمل لتشريع الإحتلال ستكون نتائجها عكسية فى النهاية. 

2- أن مصادرة حق الشعب الصحراوي فى تقرير المصير من المستحيلات السبعة، بحيث يمكن فعلا للمغرب أن يعرقل تمتع الشعب الصحراوي بحقوقه فى بلده وقتا معينا كما أن بمقدوره أن يماطل لربح الوقت بهدف التناور و أن ينتمي إلى محاور و أن يدخل فى مقايضات و أن يسلم نظامه لقوى ذات نفوذ و جبروت و أن يتنازل عن سيادته، المنقوصة أصلا، و أن يقتنى المزيد من السلاح بكل انواعه، لكنه، مع ذلك، لن يهزم الشعب الصحراوي أبدا.

 3- إذا كانت مقاصد الإنسحاب من منظمة الوحدة الأفريقية لم تحقق اهدافها فإن حسابات الإنضمام إلى الإتحاد الأفريقي و خلفياته لن تنجز أبدا مراميها.

و هكذا نقول ختاما، أن المغرب لن ينجح قطعا، فى أقصاء الدولة الصحراوية و لن يتمكن من تشريع الإحتلال مهما كانت مخادعات و مناورات و شطحات كل من ترامب و سانتشيس و ماكرون، لأن بلدانهم هي بالضبط هي أصلا من كان وراء المسيرة السوداء و إتفاقية مدريد و تسليح المغرب و صياغة ما يسمى بمشروع الحكم الذاتى و من يحمي النظام العلوي ضد الشعب المغربي و من يستعمله، فى نفس الوقت، ضد الشعوب الأفريقية بدءا بالشعوب المغاربية.

يجب الإعتراف، ابتغاء للموضوعية و النزاهة الفكرية، بأن ارادة الشعب الصحراوي فى مواصلة كفاحه الوطني، هي التى أسقطت الاقنعة التى طالما تسترت وراء الإعلانات و المغالطات. 

و يجب الإفصاح كذلك ، عن حقيقة لا جدال فيها، و هي أن استهتار محمد السادس بامن المنطقة و دوسه على حقوق الشعب الصحراوي لم يات للمغرب سوى بالمزيد من الفقر و السقوط فى الإذلال.

و غني عن التأكيد إن صمود الشعب الصحراوي و قدرته على التصدي لكل المؤامرات و ارادته القوية التى تزكيها خمسة عقود من الإنتصارات و الابداعات فى رفع التحديات تعتبر جميعها عربونا على التمسك بالحقوق و دفع الثمن مهما كان.

إنه بات جليا خلال الخمسة عقود من حرب التحرير ضد الإستعمار الإسباني أولا و ضد التوسع المغربي بعده أن سياسة الأرض المحروقة و التقتيل و التشريد و الإستيطان لن تزيد الشعب الصحراوي إلا ايمانا بالنصر و تصميما على مواصلة درب الشهداء.

لقد اثبتت فضيحة طوكيو بالملموس على أن الاستمرار فى إستراتيجية الإحتلال الاستيطاني و عدم إحترام الحدود الدولية المعترف بها ليست خيارا صحيحا و أنها سياسة مآلها الإفلاس و الإذلال.

كما ان تكرار المحتل للأخطاء تعبر عن بساطة تفكير القيمون على السياسة الخارجية المغربية و مأساة طوكيو خير دليل على ذلك.
إن الخيار الصحيح يفرض على المملكة المغربية أن تتعلم كيف تتعايش مع جيرانها و منهم خاصة، الجمهورية الصحراوية، جارتها من جهة الجنوب.

إذا أعجبك محتوى الوكالة نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الاخبار السريع ليصلك الجديد أولاً بأول ...