تتجلى في تطورات النزاع في الصحراء الغربية، منذ عودة جبهة البوليساريو للكفاح المسلح ضد الاحتلال المغربي في 13 نوفمبر 2020، تحركات مغربية ودولية تكشف عمق المؤامرة المتواصلة ضد الشعب الصحراوي منذ السبعينات. كان آخرها إعلان ماكرون عن دعم الاحتلال.
ولربما يعتقد من خدعته الدعاية الاستعمارية المغربية، من قبيل الترويج لافتتاح قنصليات، أو لدعم بعض العواصم و السياسيين الغربيين، أن هذه "الانتصارات" المغربية الوهمية هي بالفعل هزائم للمقاومة الصحراوية الأبية، كما تردد أقلام غربية مأجورة حاليا في مقالات رأي انتشرت بشكل متنامي في بعض وسائل الإعلام الدولية.
لكن كل هذه الجلبة التي يثيرها المغرب ومن يقف وراءه ليست سوى نتيجة منطقية لفشل الاحتلال وداعميه في فرض الأجندة الاستعمارية الغربية في الصحراء الغربية طيلة أكثر من نصف قرن، وإعلان ينبغي قراءته عكسيا، حيث أنه يسجل نقطة بداية السقوط الحر للملكية في المغرب، وللاحتلال المخزني للصحراء الغربية.
ولنحاول استقراء خلفيات بعض هذه الانتصارات الوهمية. أولا، منذ عودة جبهة البوليساريو للكفاح المسلح دخل نظام المخزن في حالة من الهيستيريا دفعت الملك لاستجداء الدعم من جميع عرابي نظامه حول العالم. وارتمى نهائيا في أحضان الصهيونية العالمية، وأباح المغرب لنفوذ هذا السرطان الذي ما دخل بلدا إلا دمر حاضره ومستقبل أهله. والنتيجة أن المغرب أصبح رسميا محمية صهيونية بامتياز منذ أن باع "أمير المؤمنين به" الملة والدين والبلاد والعباد لنتنياهو مقابل اعتراف أمريكي مزعوم ب"مغربية" الصحراء الغربية. ولا حاجة بنا للعودة للخوض في حقيقة وطبيعة هذا الاعتراف، الذي لم يكن في النهاية سوى "تغريدة" على منصة "تويتر" مالبثت أن اختفت دون رجعة، و"إعلان" لرئيس أمريكي سابق في الأسبوعين الأخيرين من ولايته.
الوقوع الحر للمغرب في براثن الكيان الصهيوني أثار حفيظة الدول الأوروبية الأقرب للنظام المخزني، لا سيما فرنسا وإسبانيا، لكنهما رغم ذلك، لم تستطيعا التنازل للنظام المخزني إلا بعد أن تعرض الرئيسان سانشيز وماكرون للابتزاز المباشر من قبل النظام الصهيو-مغربي. وبطبيعة الحال لا يعلم أحد حجم المعلومات الخطيرة التي يمتلكها المخزن الصهيوني، ضد عشرات إن لم يكن آلاف السياسيين والشخصيات العامة في معظم الدول الأوروبية (فضيحة موروكو-غيت مثالا). ويكفي التمعن في الطريقة المهينة التي أعلن بها سانشيز عن تغير موقفه من القضية الصحراوية، في رسالة كتبت نيابة عنه من قبل القصر المغربي، ونشرت مغربيا دون استشارته، وأوقعته وحكومته في أزمة سياسية داخلية ماتزال مفتوحة حتى الساعة.
نفس المصير يواجهه ماكرون، فاعترافه ب"مغربية" وهمية للصحراء الغربية تم في لحظة تاريخية مفصلية من عمر فرنسا، وفي جو سياسي مشحون بالصراعات بين الفرقاء، وأثناء "هدنة" طلبها هو نفسه من بقية الأحزاب قبل أن ينتهكها بإعلانه المخزي هذا.
والواقع أن طريقة إعلان الموقف بشكل أحادي دون دعم برلماني او حتى استشارة حكومية، جعلت أحزابا فرنسية وازنة تخرج عن صمتها على غير عادتها لتعلن رفضها له وتمسكها بالشرعية الدولية. وتكفي الإشارة هنا إلى الحزب الاشتراكي، والخضر والحزب الشيوعي، علما أن عشرات النقابات والمنظمات وغيرها من فعاليات المجتمع المدني الفرنسي، تنظر باشمئزاز للانبطاح الماكروني للمغرب.
وبالتالي، يمكن الاستنتاج أن كل هذه المواقف المعبر عنها، قد تمت من قبل رؤساء أو قيادات في نهاية الخدمة أو خارج الإجماع الضروري ما يجعلها مواقف أشخاص وليست دولا، وهو ما يفسر مرور هذه الاعترافات دون كبير تأثير على الوضع الثابت للقضية الصحراوية كقضية تصفية استعمار، لا يمكن حلها لا في واشنطن، ولا باريس، ولا الرباط أو مدريد، بل فقط عبر صناديق الاستفتاء وبقرار واضح من الشعب الصحراوي، وممثله الشرعي والوحيد جبهة البوليساريو دون منازع،.
ولنمر ثانيا إلى مسرحية فتح الأكشاك القنصلية من قبل بعض الدول الأفريقية وغيرها التي أقل ما يمكن القول عنها أنها دول فاشلة أو في أحسن الأحوال فاقدة للشرعية. دول مستعدة لانتهاك القانون الدولي ولأبسط الأعراف الدبلوماسية لمن يدفع.
هذه المسرحية، وبغض النظر عن عدم شرعيتها وتفاهتها، تكشف بالأساس تعطش نظام الاحتلال للحصول على أي وهم بالاعتراف بالسيادة من قبل أي كان بعد أن عجز المخزن عن الحصول على هذا الاعتراف من المالك الوحيد للسيادة في الصحراء الغربية القادر على حسم الأمر، الشعب الصحراوي.
وبالمحصلة، يمكن القول أن كل هذا التخبط الدبلوماسي المخزني، ليس إلا قناع الانتصار الذي يخفي وراءه هزيمة ومعاناة الرباط من صلابة وثبات الشعب الصحراوي ومقاومته البطولية للاحتلال، رغم كل القوى الدولية التي تحاول تأجيل تحرره القادم لا محالة، والذي ترتفع بشائره من خلال ازدياد توتر نظام الاحتلال، ومضاعفته ارتكاب الأخطاء القانونية، والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية في كل تحركاته.
وفي الواقع، ينبغي الانتباه دائما إلى إعادة قراءة أي "انتصار" مغربي وهمي عبر محاولة فهم الثمن الذي يدفعه المخزن مقابله من سيادته، واستقلاليته المفقودة منذ 1912، ومن مصير وواقع الشعب المغربي "المطحون" سياسيا، واجتماعيا، واقتصاديا وحتى إنسانيا. فلقد فقد المغرب كل شيء بسبب حربه الظالمة ضد الشعب الصحراوي، وأصبح المغاربة مجرد ضيوف للصهاينة الحاكمين الحقيقين لبلادهم.
وفي الأخير، يبدو من كل التحركات المغربية أن ما يجري حاليا من هرولة المغرب بحثا عن دعم خارجي لمغامرته الاستعمارية هو إعلان عن عجز الرباط عن دفع ثمن خدمتها الخسيسة للاستعمار الغربي، وتريد إرغام العواصم التي وقفت دائما خلف الستار على التورط بشكل مباشر في هذا الاحتلال. لكن كل المؤشرات تفيد بأنها مجرد طلقة الجبان العارف بنهايته إن عاجلا أو آجلا، فالشعب الصحراوي مصر على انتزاع النصر ولو كره الكارهون.
بقلم السفير : ماء العينين لكحل
المصدر: جريدة الخبر